سلسلة تربية الأولاد في الإسلام| المحاضرة الثانية والثلاثون| ملحوظات في التربية العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

اليوم سنتابع المسؤولية العلمية التي أوجب الله على الوالدين تربية الأولاد عليها.

1– إن الطفل ينبغي أن يوجه للعلوم الشرعية، والكونية، ولايجوز أن نَحْصِر اهتمام الطفل بالعلوم الكونية فقط، والتي تخدم دنياه، ونقصِّر معه بتعلم العلوم الشرعية التي تحقق شخصيته المسلمة، وتعرِّفه كيف يعبد ربه على بصيرة، وكيف يكون سبباً لهداية الناس إلى رب الناس سبحانه وتعالى.

2– أكثر الآباء يوجهون أبنائهم نحو تعلم العلوم الكونية المادية، ويفضلون منها ماكان أكثر جنياً للمال؛ لهذا نجد كثيراً من الطلاب يحلمون بدراسة الطب؛ لأن شخصية الطبيب محبَّبَة، ومهنة الطب أكثر المهن جنياً للمال؛ فصار مقياس العلم مقياساً مادياً؛ العلم للمال.

لمَّا لمْ يكن تعلم العلوم الشرعية سبباً لجني كثيرٍ المال رغب عنه الآباء، والأمهات، وصرفوا أبناءهم عن تعلمه.

مهمة: بعض الناس يَعْتِبُ على الخطباء، ويطلب منهم أن يكونوا أكثر وعياً ونضجاً ومعرفةً.

والسؤال: إذا كنا لانهتم بتعليم أبنائنا العلوم الشرعية، ونرسل أضعف أبنائنا علمياً لتعلمه؛ فكيف سنحصل على خطيب واسع المعارف كثير الاطلاع للعلوم الدنيوية والأخروية؟!

    لابد أن نرسل أبناءنا، ونرغبهم بتعلم ميراث الأنبياء؛ فالأنبياء لم يورِّثُوا درهماً ولا ديناراً بل ورّثوا هذا العلم.

3– عندما نرسل أولادنا لتعلم العلم؛ فينبغي أن نقرن هذا بتعظيم العلم والعلماء، بل تعظيم أسباب العلم، كتعظيم الكتاب الحاوي للعلم، وتعظيم القلم والمحبرة..

كان الإمام أبو حنيفة لايمد رجله تُجاه بيت شيخه حماد مع أنه كان بينه وبين بيت شيخه خمسُ سِكَكٍ؛ لأن تعظيم الشيخ تبقي قيمة العلم كبيرةً في نفوس المتعلمين.

عَنْ عمار بن أبي عمار، أَنَّ زيد بن ثابت رَكِبَ يَوْمًا، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا”، فَقَالَ زَيْدٌ: “أَرِنِي يَدَكَ” فَأَخْرَجَ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ: “هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”. [1].

4– بعض الآباء يتعامل مع مدرّس ولده كأنه موظف عنده؛ فيعامله بفظاظةٍ وقلة احترام؛ وهذا يؤدي لتصغير المدرِّس في نفس الطفل، ويحرِّضه على التمرد على مدرِّسه، وعدم الاستفادة من علم المدرس. مالم يكن هناك احترامٌ متبادل من المعلم والتلميذ، فلن يكون هناك علم ولا فائدة، فلا ينال العلم مستحيٍ ولا متكبر.

أحد الآباء ذهب لشيخ ابنه الذي يعلمه القرآن، وطلب منه أن يكون أحد تلاميذه، وفعلاً حضر الأب مع ابنه، وجلسا في حلقة الشيخ، وصار الأب يعظِّم الشيخ ويحترمه أمام ولده؛ ليرسل لولده رسائل إيجابية باحترام المعلم وتوقيره.

فعلى الوالدين تعليم ولدهم أدب التلميذ مع معلمه.

كانت أم الإمام مالك بن أنس تقول له: اذهب لربيعة الرأي، وخذ من أدبه قبل علمه.

5– ليحرص الآباء على اختيار المدْرَسة المناسبة لولدهم؛ فالمدرسة هي المَحْضِنُ الثاني بعد البيت؛ فلا بد أن تكون بيئةُ المدْرَسة ذات خلق وأدب، بيئةٌ نظيفةٌ تدعم العملية التربوية للأولاد.

يعيش بعض الأولاد حالةً من التناقض؛ ففي الصيف يدخل الولد مركزاً لتحفيظ القرآن، وتعلُّمِ بعضِ العلوم الشرعية؛ حيث يتعلم الفضائل والمبادئ، وفي الشتاء يدخل المدرسة، وتكون بيئة المدرسة بعيدة عن الآداب؛ فيعيش الطفل حالة عدم التوازن بين ما أخذه في المسجد، وبين مايعيشه في تلك المدرسة. فعلى الوالدين واجب اختيار المدرسة المناسبة لولدهم.

6– لابد أن يبق الوالدان على تواصل دائم مع مدرسة ولدهم؛ لتفقد حاله، ومعرفة تقصيره أو تطوره؛ فالتعليم مسؤولية مشتركة بين المدرسة والبيت.

7– يُصَدِّرُ بعض السيِّئين قيماً مستوردة غريبةً عن ديننا ومبادئنا وأخلاقنا، فليحذر الآباء من هذه القيم الدخيلة.

8– تعليم الناشئة يبدأ بتعلم القرآن الكريم تلاوة صحيحة وحفظاً، مع شيء من الفهم، ومع بعض المبادئ الأساسية التي تشكل أساس الحياة المتوازنة. كما أنه لابد من بيان أثر القرآن الكريم في نفوس وأرواح وعقول الناشئة.

إن بركة تعلم القرآن تفتح على الطفل الفهم في العلوم الأخرى.

لابد أن نعيد التفاعل بين الأبناء والقرآن الكريم، وأنه سبب عزة الأمة وسؤددها، وأن نوضح للأطفال أن الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخَرِب.

9– إسماع الطفل القرآن بوضع مسجلٍ للصوت في البيت لقراءة القرآن بصوت أحد القراء؛ له أثره في إسماع الطفل القرآن بشكل مستمر، ولابأس أن يتم ذلك أثناء انشغال الطفل بألعابه ولهوه وحركته، ولو استمر سماع الطفل للقرآن في البيت بشكل مستمرٍ فسيسمع الطفل في العام ختمات كثيرة لكتاب الله؛ وهذا له أثره الكبير على نفسية الطفل؛ فالقرآن غذاء الروح، أضف إلى ذلك أنه يدرب الطفل أثناء السماع على النطق الصحيح لكلام الله عزوجل، ويتعرف الطفل من نعومة أظفاره على لغة القرآن، أضف على ذلك ما يحصل من البركة، والفضل في البيت الذي يُتْلى فيه كتاب الله عزوجل فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حال البيت الذي يذكر في الله فقال: “مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لايذكر الله فيه مثل الحي والميت” [2]وكان أبو هريرة يقول: “البيت إذا تلي فيه كتاب الله اتَّسَع بأهله وكَثُر خيره، وحَضَرَتْه الملائكة وخرجت منه الشياطين، والبيت الذي لم يُتْلَ فيه كتاب الله ضاق بأهله وقلَّ خيره، وتَنكَّبت عنه الملائكة وحضره الشياطين” [3].

10– تعظيم القرآن في نفوس الناشئة، وأنه كتاب هداية وليس لقراءته في التعازي وعلى الأموات.

11– تعليم الطفل القرآن بما يتناسب مع سنِّه؛ فنعطيه القرآن، ونردفه بشيء من معانيه.

12– نذكر للأولاد شيئاً من تاريخ أمتنا، والشخصيات الإسلامية المهمة، مع القيام ببعض الزيارات لبعض الأماكن التاريخية التي تعيد الذكريات للأذهان، ونربط الأبناء بتاريخ الأجداد وعظماء الأمة؛ فكثير من أبنائنا لايدري عن عظماء الإسلام شيئاً، ومالذي رفع مكانتهم؛ فنجعل الطفل يعتز بدينه وسلف أمته.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

_________

[1] : كتاب الرخصة في تقبيل اليد برقم 29.

[2] : مسلم 1351 من حديث أبي موسى الأشعري.

[3] : مصنف ابن أبي شيبة كتاب فضائل القرآن 4382.