سلسلة توجيهية لطلبة العلم |المقالة السابعة | طالب العلم والملائكة | الشيخ د. باسم عيتاني

طالب العلم والملائكة

الذين ينهجون طريق العلم الشرعي إنما يسلكون صراط الإيمان والاستقامة وينيبون إلى الله ﷻ ويتوبون إليه، فهؤلاء كرّمهم الله ﷻ بملائكة حملة العرش والذين هم حول العرش وهم أفضل الملائكة المعصومون والذين يفعلون مايؤمرون، الذين ينزهون الله ﷻ ويحمدونه ويؤمنون به ، فهؤلاء يستغفرون للمؤمنين، ويسألون الله ﷻ لهم أن يدخلهم الجنة هم وأصولهم وفروعهم وأزواجهم من المؤمنين ويسألونه الرحمة لهم والمغفرة وأن يقيهم عذاب النار .

قال الله ﷻ في كتابه العزيز: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ۞ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۞ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [سورة غافر، 7]

ولذلك نوصي طالب العلم بأن يحرص على الأعمال التي هي من موجبات استغفار الملائكة له وهي:

1- حرص طالب العلم على التوبة إلى الله تعالى واتباع الصراط المستقيم:

فقد وكل الله تعالى حملة العرش ومن حول العرش من ملائكة مقربين بالاستغفار للمؤمنين الذين تابوا وسلكوا الصراط المستقيم والدعاء لهم، بدخولهم وذريتهم الجنة ووقايتهم من عذاب النار. كما ذكر في الآيات الكريمات السابقات.

2- حرص طالب العلم أن ينام على طهارة كاملة:

وهو أن يتوضأ طالب العلم قبل نومه، وينام على وضوء فإن ذلك مدعاة لاستغفار الملائكة له، فقد ورد في الحديث الشريف:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مِنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلك، لَا يَسْتَيْقِظُ سَاعَةُ مِنَ اللَّيْلِ، إِلَّا قَالَ الْمَلكُ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلَاَنًا، فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرَا). [رواه ابن حبان في صحيحه، رقم الحديث:189، 227/1]

3- حرص طالب العلم على المكث في المسجد:

هو أن يأتي طالب العلم مبكراً إلى المسجد قبل البدء بصلاة الجماعة مثلاً فيصلي ركعتي تحية المسجد، ثم يجلس منتظراً الفريضة، فهذا العمل سبب لأن تصلي عليه الملائكة وأن تستغفر له وأن تسأل له الرحمة، فقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله ﷺ أنه قال:

 لَا يزَالُ أحَدُكُمْ فِي صَلَاَةٍ مَا دَام يَنْتَظِرُهَا، وَلَا تزَالُ الْمَلَاَئِكَة تُصَلَّى عَلَى أحَدِكُمْ مَا دَام فِي الْمَسْجِد، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْه، مَا لَمْ يُحْدِثْ). [رواه الترمذي، باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل، رقم الحديث 330، 150/2]

4- حرص طالب العلم على أن يصلي في الصف الأول أو الثاني في صلوات الجماعات:

يحرص طالب العلم عندما يريد صلاة الجماعات في المسجد  أن يصلي في الصف الأول أو الصف الثاني، فمن فعل ذلك فإن الله يثني عليه وإن الملائكة تدعو له وتستغفر له.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ وَمَلَاَئِكَتَهُ يصلونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ. قَالُوا: يَا رَسُولِ اللهِ وَعَلَى الثاني. قال إِنَّ اللهَ وَمَلَاَئِكَتَه يصلون عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، قَالُوا: يَا رَسُولِ اللهِ وَعَلَى الثاني قَالَ: وَعَلَى الثاني). [قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/ 91: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد موثقون].

5- حرص طالب على سد الفُرَجِ في الصلاة:

إن طالب العلم يحرص على سد الفُرَج في صلاة الجماعة، فهذا عمل يعبر عن وحدة المسلمين  وتماسكهم، فهو وسيلة لأن يرحمه الله تعالى وأن تدعو له الملائكة بالمغفرة، ولأن يرفعه الله بذلك درجة.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ اللهَ وَمَلَاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً). [رواه ابن ماجه في سننه، باب إقامة الصفوف، رقم الحديث:995، 318/1]

6- حرص طالب العلم على السحور إذا أراد الصيام:

إن طالب العلم يحرص على أكلة طعام في السحور إذا أراد صوم فرض أو صوم تطوع، فإن هذا العمل فيه بركة عظيمة يستشعر بها، ومدعاة لاستغفار الملائكة للمتسحرين.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهَ وَمَلَاَئِكَتَهُ يَصِلُونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ). [مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 11086، 150/17]

7- حرص طالب العلم على عيادة المرضى:

طالب العلم يحرص على عيادة المرضى، فإذا مرض أستاذه أو أحد إخوانه أو أحد أقاربه بادر إلى معايدتهم فآنسهم وطيب خاطرهم وخفف عنهم مصابهم ورفع معنوياتهم، فهذا العمل فيه استجلاب سبعون ألف ملك لاستغفار من يعود المريض.

قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ). [رواه الترمذي في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض، رقم الحديث:969، 301/3]

8- حرص طالب العلم على الصلاة على النبي ﷺ:

طالب العلم يحرص على كثرة الصلاة على النبي ﷺ ليلاً ونهاراً فإن فيها خيراً عظيماً رحمة الله واستغفار الملائكة، وفيها فتحاً كبيراً في العلم.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. [سورة الأحزاب، 56]

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ  فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ). [رواه ابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة على النبي ﷺ ، رقم الحديث:907، 294/1]

فهذه الخطابات الواردة هي موجهة لعامة للمسلمين للتمسك بها ولكن طالب العلم مقدم على غيره في الإسراع والمبادرة لأن يتتبع الأعمال الذي تجلب البركة والخير واستغفار الملائكة، فإنه في مقام خطير ألا وهوخط طلب العلم، فهو بحاجة إلى مدد مبارك حتى يفتح الله عليه فتوح العلماء العارفين.