لماذا تصلي النساء خلف الرجال؟

يجيب عن السؤال الشيخ أحمد الأحمد

السؤال

لماذا تصلي النساء خلف الرجال؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

ليست الصلاة في الإسلام مجرد ابتهالات وأدعية كصلاة النصارى، بل فيها: قيام وركوع وسجود على سبعة أعضاء، وهذه الحركات لا يحسن أن تقوم بها امرأة بين يدي الرجال، في عبادة يُتَطَلَّبُ فيها خشوعُ القلب، وسكينةُ النفس، وتركيز العقل في مناجاة الربّ سبحانه.

      وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق جسم المرأة على نحوٍ يخالف جسم الرجل من حيثُ سعةُ الحوض عند المرأة ليتناسب مع مهمتها في الحمل والإنجاب وعظم الأليتين وبروز الصدر، مما ليس عند الرجل وهذه الخصائص بطبيعتها تثير الرجل، وتحرك غريزته، حتى يتم الزواج الذي يحدث به النسل، ويستمر به النوع، وتتحقق إرادة الله في عمارة الأرض. فتجنبًا لأي فتنة، وسدًّا للذريعة، جعل الشرع الإمامة للرجال، وجعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال، وجعل خير صفوف الرجال أولها، وجعل خير صفوف النساء آخرها ـ إشارة إلى الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» [1] ـ بُعدًا عن أي فتنة تثار أو يحتمل أن تثار.

      والغرض من ذلك، أن يُرَكِّزَ الرجلُ في صلاته عقله وقلبه ووجدانه وتفكيره في توثيق صلته بربه، ولا يشطح به الخيال خارج الدائرة الإيمانية، إذا تحركت غريزته البشرية التي لا دافع لها.

      وهذه الأحكام شرعيةٌ ثابتةٌ بأحاديثَ صحيحةٍ، ومستقرَّةٍ بإجماع المسلمين، المتصل بعملهم خلال القرون الماضية، في جميع المدارس والمذاهب – منها: ما رواه أنس قال: “صليت أنا ويتيم كان عندنا في البيت وقال سفيان مرة في بيتنا خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في دارهم وصلت أم سليم خلفنا” [2] – وليس مجرد عادات وتقاليد كما قيل.

      والإسلام دين واقعيٌّ، لا يُحلِّق في أجواء مثالية، بعيدًا عن الواقع الذي يعيشه الناس ويعانونه، وهو لا يعامل الناس على أنهم ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل على أنهم بشر لهم غرائزُ تحرِّكهم، ودوافعُ تثيرهم، ومن الحكمة أن يحرص الشارع الحكيم على حمايتهم من الافتتان، والإثارة، بمنع أسبابها وبواعثها ما أمكن ذلك، وخصوصًا في أوقات عبادة الله ومناجاته.

      ولو قال قائل أليست المرأة مثل الرجل قد تفتن به وهو يقوم بتلك الحركات راكعاً وساجداً وقاعداً وقائماً نقول:

إن الإسلام وضع أحكاماً تلتزم بها المرأة تُحِدُّ لحدٍّ ما من فتنة النساء بالرجال إذا صلين خلفهم.
      • منها: أن المرأةَ لا تَرْفَعَ رأسها من السجود بعد تكبير الإمام مباشرة بل تتأخر حتى تعلم أن الرجال جميعاً رفعوا من السجود وصاروا إلى الجلوس.

      • ومنها: أن الصبيان يصلون خلف الرجال ثم تصلي النساء خلف الصبيان مما يجعل المسافة بين النساء والرجال بعيدة لحدٍّ ما.

      • ومنها: أن الإسلام لم يبح للمرأة أكثر من زوج وفي الوقت نفسه تكون أكثر النساء متزوجات ولا مطمع لهن بزوج آخر مما يقلِّلُ الفتنة بالرجال ويُحِدُّ من الشهوة كثيراً الشأن في ذلك كما هو بين الرجال والنساء المحارم لما لم يكن مجال لزواج بعضهم من بعض فَتَرَتِ الشهوة فيما بينهم لدرجة العدم في الأحوال الطبيعيَّة وأما الرجال فقد أباح الإسلام للواحد أن يجمع بين أربع نسوة ولذلك نظرته إلى المرأة تختلف عن نظرة المرأة إليه.

      • ومنها: ما ذكرناه قبلُ من أن المرأة فيها من الخصائص في تركيب جسمها ما يثير الرجل أكثر من خصائص تركيب الجسم عند الرجل مما يثير المرأة.

وبهذا نستطيع أن ندرك الحكمة في صلاة النساء خلف الرجال وليس في هذا انتقاص لحرمة المرأة بل هو عين التكريم لما فيه من حمايتها وتحقيق الأمان لها، فكان ذلك التأخير من قبيل قول العرب: (إنما أخرك ليقدمك).
ومهما قيل في هذا الموضوع فلتعلم أخي السائل أن هناك حكماً جليلة غير ما ذكرتُ لك والله وليُّ التوفيق.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أحمد الأحمد، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

 

الشيخ أحمد الأحمد عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة معهد الفتح الإسلامي للعلوم الإسلامية والعربية في دمشق، وليسانس في اللغة العربية من جامعة الأزهر، ودبلوم تأهيل تربوي من جامعة دمشق، ودبلوم لغة عربية من جامعة دمشق، والماجستير في العقيدة من جامعة بيروت الإسلامية (دائرة الفتوى).
تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ محمد أديب الكلاس، والعارف بالله محمود الشقفة رحمهم الله.
درّس علوماً شتى بين شرعية ولغة عربية، ولديه خبرة واسعة في الإرشاد والتوجيه. يقوم بالتدريس في دار الفقهاء تركية، ويدرّس في معاهد محمود أفندي في إستانبول، ويدرس في معهد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للعلوم الشرعية والعربية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح مسلم (440).
[2] مسند الإمام أحمد (12102) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين.