توجيه النبيه لمرضاة باريه (٣٠) سلسلة توجيهات وتنبيهات في تصحيح مسار الدعوة يبينها ويطرحها الحبيب عمر

توجيه النبيه لمرضاة باريه هو عبارة عن سلسلة من التوجيهات المهمة في مجال الدعوة يشرحها المربي الحبيب عمر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المواعيد التي وعد الحقُّ بها أحبابَه

 

وقال رضي الله عنه ونفعنا به[1]: حيَّاكم الله، خُذوا الدروس، زكُّوا بها النفوس، قَوُّوا بها الأساس، تطهَّرُوا بها من الأرجاس، ادخُلوا بها في خيار الناس، الذين هم في صفاتهم ناس.
هذه الشئون كلها، والاهتمام بالدعوة إلى الله في القرى والأماكن التي أنتم فيها، مسئوليةٌ علينا، ومحلُّ نظر من أصحاب الرسالة هذه والدعوة، بما فيهم كبارهم من الأئمة {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ١٠٥]، هم ليسوا مقصِّرين في شيء، التقصير من جهتنا، هم ما واحدٌ منهم مقصِّر، أشهدُ بالله ما واحد منهم مقصر إلا ما كان منا، فلا يغيب عن أذهانكم أنها مرتبطة بسلسلاتها إلى أصلها، وهم يَرقُبون في هذا الوادي[2] نهضة في عودة الصفات المفقودة المحبوبة لله. هذا طلبُهم؛ مدُّ حبال الارتباط القلبية بالمنهج ورجاله وأصله صلى الله عليه وسلم، لتقوم قائمة الحق والخلافة عن النبوة، وتتحقق كما وعدوا بها.
والوعد المتجدد من عهده صلى الله عليه وسلم، كلما احتل مكانَه في الخلافة عنه خليفةٌ أُرسِلَ بالوعد نفسه، وأُلقِي إليه وهكذا، وكلهم مرتقبون وعدَه، ولو رأوْا تحقيقه فينا لسُرَّت قلوبهم، وارتاح بَالُهم، وانتعشت خواطرهم. الله يحقق رجاءهم فينا، ولا يخيِّبهم إن شاء الله {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [لقمان: ٩].
فالمواعيد التي أُلقِيَت للنبي صلى الله عليه وسلم في أمته -يعني في مدة حياتهم في الدنيا-والمواعيد الملقاة له على أمر العُقبَى، وكلُّ تلك الوعود ملقاةٌ على خلفاء النبوة على قدْر خلافتهم، يُلقَى عليهم من معانيها وتراجمها، لكل واحد منهم ما يلتصق به، وما يختص به من تلك المواعيد، سواء كانت في الدنيا أو في الآخرة.
فما أوسعَ وأعظم ما وعدَ، وما أعظمَ وأوسع ما خبَّأ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] كلام صدق، وهذه الاكتشافات الواسعة والعطاءات الكبيرة، فالحال فيها أيضًا {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} لا نزال نحن مُخبِّئين[3] لهم أشياءَ لا يعرف أحد عنها شيئًا، حتى هم لا نزال مخبِّئين لهم ما لم يعلموا، وقد طَربت أرواحهم، ودُهِشت عقولهم، ولا خيرَ فاتَهم، ولا يزال الحال {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] بسبب أن الذي أخفى لا يحيط بعلمه محيط، لهذا بقوا هم هكذا أمام عطائه.
ولذلك القرآنُ يتكلم عنهم، وهم عنه يتكلمون. القرآن يتحدث فيهم وهم به يتحدثون، والقرآن كما سمعتم وصْفه {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩].

 

[1] يوم الأحد 2 من شهر شوال 1420 هـ.
[2] أي: وادي ابن راشد على وجه الخصوص؛ لأنه موطنهم، ومنه كانت انطلاقتهم في خدمة هذا الدين، وكذلك هم يرقبون الانتهاضة في العالم كله؛ لأن دعوتهم عالمية، فقد وصلت آثارُهم إلى أصقاع العالم، وخصوصًا جنوب شرق آسيا والهند وأفريقيا ونحوها.
[3] مخبِّئين: أي مخفين، من الإخفاء.