من دروس الهجرة | الإعداد السليم وأثره في نجاح الهجرة | الشيخ محمد عدنان كاتبي

 

الإعداد الصحيح وأثره في الهجرة

 

    تعتبر الهجرة حدثاً تاريخياً فأصلاً في حياة الدعوة إلى الله، ومنها انطلقت الدعوة التي كانت محاصرة في مكة المكرمة، تعاني وصاحبها ، وأصحابه من التضيق والاضطهاد، والمواجهة والعناد من أهل مكة، إلى رحاب أرض الله الواسعة، لتنتشر في شتى بقاع الأرض.

      لم تكن الهجرة نوعاً من التغير والسياحة الترفيهية، بل كانت اقتلاعاً من الوطن ومغادرة للأرض والأهل، وتضحية بأسباب الرِّزق، والتَّخلِّي عن كلِّ ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهدٍ كبيرٍ، وإعداد عظيم حتَّى حققت هذا النجاح.

 

      •     وقد تولى النبي التخطيط والإعداد المحكم لها في منحيين: 
  • الأول: إعداد رجال من المهاجرين، وتربيتهم تربيه إيمانية قوية، زرعت في نفوسهم تقديم حب الله ورسوله، والدعوة التي جاء بها على كل ما في هذه الحياة من الطيبات والإغراءات، وجعلتهم يؤمنون إيماناً راسخاً أن العقيدةَ أغلى من الأرض، وأن الحفاظ على الدين أسمى من الديار، وأنّ أرض الله واسعة، وأنّ على المؤمن أن يهاجر إلى أي مكان يجد فيه الأمن على دينه.

  • الثاني: إعداد الأرض الخصبة، والمناخ المناسب لاستقبال المهاجرين في أرض المهجر، وذلك عن طريق دعوة رجال من الأنصار التقاهم في مواسم الحج وأخذ منهم البيعة على حمايته ونصرة دعوته، وإرساء القواعد الصلبة التي سيقيم عليها الدولة الإسلامية المنشودة، وأرسل سيدنا مصعب بن عمير معهم ليعلمهم مبادئ الإسلام. 

    بعد ذلك كان الترتيب المحكم للخروج من مكة المكرمة، وذلك عن طريق اختيار الوقت المناسب، والأخذ بمبدأ السرية التامة في الحركة، وخداع المشركين و إيهامهم أنه لا ينوي الخروج من بيته، والطلب من ابن عمه علي بن أبي طالب، أن ينام مكانه و يتدثر بلحافه، ثم خروجه في ظلام الليل سراً، ودون إعلام أحد من أصحابه، عدا نفر قليل من المقربين منه، والذين لهم دور في نجاح الخروج والهجرة، ثم اختيار الصاحب المناسب، ومن أكثر مناسبة لهذه الصحبة من سيدنا أبي بكر الصديق، ولا ننسَ أعداد وسائل الرحلة والسفر، كشراء الرواحل القوية، وحبسها بعيداً عن أعين الرقباء، واستئجار دليل خبير بالطرقات، ليسير بهم في طريق لا يسلكه المسافرون من مكة إلى المدينة عادة، ثم خروجه وصاحبة والتجائهم إلى غار يقع جنوب مكة بينما طريق المدينة المنورة إلى الشمال منها، ثم كان لرجال ونساء مقربين منه ومن صاحبه دور مهم في هذا الإعداد المحكم والتخطيط الصحيح لنجاح الهجرة، فكان من هؤلاء:

  1. السيدة عائشة أم المؤمنين التي حافظت على سرية الهجرة محافظة تامة مع أنها كانت تعلم كلّ تفاصيلها. 
  2. السيدة أسماء بنت أبي بكر التي طمأنت جدها بأن والدها لم يخرج بجميع ماله وهي التي شقّت نطاقها، وربطت بقطعةٍ منه الزاد والطعام الذي كانت تحمله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولوالدها إلى الغار ولهذا لُقّبت – رضي الله عنها- بذات النطاقين
  3.  عبد الله بن أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وكان يأتي النبيّ وأبا بكر في الغار فيبيت عندهما، ويغادرهما في عتمة الليل، فيصل مكّة قُبيل الصبح؛ فيظنّ النّاس أنّه بات في مكّة، وكان ينقل لهما أخبار قريش وما يتآمرون به على النبيّ .
  4. عامر بن فهيرة: الذي كان يأتي بالأغنام بعد عودة عبد الله بن أبي بكر من الغار، فيطمس أثر مسيره؛ ليخفيه عن قريش إذا تتبّعته.

وهكذا كان للإعداد المحكم الذي أعده النبي الأثر الأكبر في نجاح الهجرة وانطلاق الدعوة في أصقاع الأرض.