متى يجب على الفتاة أن تتحجب؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

متى يجب على الفتاة أن تتحجب؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      البلوغ هو شرط التكليف، وبالتالي لا يجب الحجاب على الفتاة  إلا إذا وصلت إلى مرحلة البلوغ، ويجب على وليها تدريبها عليه وهي صغيرة، فإذا قاربت البلوغ وجب عليه إلزامها به.

التفصيل والبيان:

      يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
دلت هذه الآية الكريمة على فرضية الحجاب ومشروعيته، وذلك لحكم عظيمة تتعلق بحفظ المرأة في نفسها وحيائها، ولصيانتها من الأذى، ولإعانة الرجل على غض البصر وقطع الطريق على النفس والشيطان من إثارة الفتنة أو الشهوة المحرمة، ولحفظ الأخلاق والآداب العامة للمجتمع المسلم، وغير ذلك.

والمقصود بالحجاب هنا هو: اللباس الساتر لجميع بدن المرأة وزينتها، ما عدا الوجه والكفين على خلاف بين العلماء.

 ولبيان الجواب عن السؤال هنا، نفرق بين أمرين، فنقول وبالله التوفيق:

– أولاً بالنسبة للفتاة:
      يجب عليها أن تتحجب إذا وصلت إلى مرحلة التكليف وذلك إذا ظهرت عليها علامات البلوغ الجسدي كرؤية دم الحيض أو غير ذلك.
      لما روي عن عائشة رضي الله عنها (أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» [1] رواه أبو داود والبيهقي.

      أما إذا لم تظهر عليها علامات البلوغ الجسدية فيصار إلى البلوغ بالسن، وهذا يَكُونُ بِتَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً لِلذَّكَرِ وَالأْنْثَى.
 لحديث ابْنِ عُمَرَ: “عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي، وَرَآنِي بَلَغْتُ” [2] رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ في صحيحه، والبيهقي، وأصله في الصحيحين.
      قَال الإمام الشَّافِعِيُّ  -فيما نقله الخطيب الشربيني عن العلامة القمولي أحد كبار فقهاء الشافعية- معقباً على هذا الحديث: (رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، لأِنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا، ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَهُمْ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَابْنُ عُمَرَ) [3].

– ثانياً بالنسبة لولي أمرها:
      فيجب عليه تدريبها على الحجاب وتعويدها عليه اعتباراً من سن التمييز، ثم يلزمها به إذا قاربت سن البلوغ كما هو الحال في سائر الفرائض كالصلاة والصيام وغيرها.

يقول النبي صلى الله عليه و سلم: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ» [4] رواه أَبُو داود بإسناد حسن.

وبناء على ما سبق:
      يجب على ولي أمر الفتاة أن يدربها على الحجاب منذ سن التمييز إلى أن تصل العمر الذي يقارب البلوغ أو تكون مشتهاة فيه فيجب عليه إلزامها به.
وأما بالنسبة للفتاة فلا تعتبر مكلفة شرعاً إلا إذا بلغت، وعندها تحاسب على أعمالها، ومنها الحجاب.
والله أعلم.




تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.



الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء -تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سنن أبي داود (4104)، والسنن الكبرى للبيهقي (3218).
[2] ابْنُ حِبَّانَ في صحيحه 7/ 62، (6112)، والبيهقي 3/ 83، وغيرهما.
وورد فِي الصَّحِيحَيْنِ بدون لفظ «ولم يرني بلغت» البخاري 3/ 232 (2664)، ومسلم 6/ 30 (1868)، وينظر: كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، ص 332.
[3] مغني المحتاج للخطيب الشربيني 3/ 132- 133.

[4] رياض الصالحين للنووي، (301) ص 116.