هل الأفضل في صلاة التراويح للمرأة فعلها في المسجد أو المصلى أم في البيت؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

هل الأفضل في صلاة التراويح للمرأة فعلها في المسجد أو المصلى أم في البيت؟

الجواب

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
من السنن التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة في شهر رمضان، صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على أنها سنة مؤكدة في هذا الشهر الكريم، وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه»([1])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ([2]) .
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعًا، إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد؛ ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة، مثل سماع موعظة دينية، أو درس من دروس العلم، أو سماع القرآن من قارئ خاشع مجيد. فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى.
ولا سيما أن كثيرًا من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة.
ومما ينبغي أن يعلم أن المرأة إذا خرجت للمسجد لزمها اجتناب الطيب، مع التستر، والبعد عن مزاحمة الرجال، وأن خروجها للمساجد مشروط بأمن الفتنة، ولهذا كره الشافعية خروج الشابة والمرأة الكبيرة التي تشتهى لأداء الصلاة في جماعة المسجد، وكرهوا لزوجها، أو وليها تمكينها من ذلك، لقول عائشة رضي الله عنها: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن، كما منعت نساء بني إسرائيل([3]). متفق عليه.
فإن أرادت المرأة حضور المسجد مع الرجال : فإن كانت شابة أو كبيرة يشتهى مثلها كره لها الحضور وإن كانت عجوزا لا تشتهى لم يكره لها ، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : والذي لا إله غيره ما صلت امرأة صلاة قط خير لها من صلاة تصليها في بيتها ، إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عجوزا في منقلها (2) ، وذلك حيث تقل الرغبة فيها ، ولذا يجوز لها حضور المساجد كما في العيد .
وإن كانت شابة غير فارهة في الجمال والشباب جاز لها الخروج لتصلي في المسجد ، بشرط عدم الطيب ، وأن لا يخشى منها الفتنة ، وأن تخرج في ثيابها المعتادة لا ثياب الزينة  ، وأن لا تزاحم الرجال ، وأن تكون الطريق مأمونة من توقع المفسدة ، فإن لم تتحقق فيها تلك الشروط كره لها الصلاة فيه ،
قال في المهذب :(وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجَمَاعَتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسَاجِدِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً تُشْتَهَى كُرِهَ لَهَا الْحُضُورُ , وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الْخُرُوجِ إلا عَجُوزًا فِي مِنْقَلَيْهَا»)([4]) .
على أن خروج المرأة من بيتها – ولو إلى المسجد – يجب أن يكون بإذن الزوج، فهو راعي البيت، والمسؤول عن الأسرة، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة. وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر. فقد روى مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»([5]).
والمانع المعتبر شرعًا: أن يكون الزوج مريضًا مثلًا، وفي حاجة إلى بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته. أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم، ونحو ذلك من الموانع والأعذار المعقولة.
فتلخص لدينا أنه إِنْ كان خروجُ النساء لأداء صلاة التراويح بموافقة أوليائهنَّ أو أزواجهنَّ ولم تترتَّب على خروجهنَّ مفسدةٌ فلا ينبغي مَنْعُهنَّ إِنْ رَغِبْنَ في صلاة جماعة المسلمين وشهود الخير.
أمَّا إِنْ كان في خروجهنَّ فتنةٌ وضررٌ فالصلاةُ في بيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»، ولحديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «صَلَاةُ المَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا»([6]).
جعلنا الله ممن صام رمضان وقامه على أحسن حال وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين .

([1]) البخاري (35) ومسلم (759)
([2]) مسلم (759)
([3]) البخاري (869) ومسلم (445)
([4]) المجموع شرح المهذب 4/197
([5]) البخاري (900) ومسلم (442)
([6]) أبو داود (1173) والبيهقي (5444) والطبراني (8914)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.