ما هي خطوات تحقيق الزيادة في طلب العلم كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه 114]؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي

 

السؤال 

ما هي خطوات تحقيق الزيادة في طلب العلم كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه 114]؟

 

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

 وردت هذه الآية العظيمة في سياق توجيه النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإنصات إلى جبريل عليه السلام أثناء الوحي له بالقرآن و التخفيف عن نفسه من خوف نسيانه ، و عدم إلقائه على الصحابة قبل بيانه و فهم معانيه، ثم أرشده إلى طلب الاستزادة من العلم مما علمه الله تعالى.
و لتحقيق الزيادة في طلب العلم لا بد من اتباع هذه الخطوات و هي : إخلاص النية لله، و تحديد الغاية، و اتخاذ منهج علمي مناسب و متكامل مع العمل به، و حسن اختيار الشيوخ الربانيين، و طرق الأخذ عنهم، و تنظيم الأوقات و الأولويات ، مع المتابعة و المراجعة، و الله أعلم.

التفصيل و البيان :

 

لابد لنا – أولاً – من الكلام عن أهمية طلب العلم في الإسلام و مسالك تحصيله، و بيان مكانته و فضله و فضل العلماء العاملين الصادقين، و النصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصى، و لكن سأذكر حديثاً واحداً جمع كثيراً من هذه المعاني.
فعن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من سلك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرُقِ الجنَّةِ، والملائكةُ تضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العلمِ، وإنّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السَّماواتِ ومن في الأرضِ، والِحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالِمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، إنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وأَوْرثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ “(1).
– ثانياً لا بد لنا من فهم الآية الكريمة و السياق الذي وردت فيه :
فهي قد وردت ضمن قوله تعالى:
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [طه 114]
فقد سبقها قوله تعالى:
﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾
و هذا خطاب من الله جلّ ثناؤه لنبيه محمد ﷺ يقول له:
ولا تعجل يا محمد بالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأه عليهم، من قبل أن يوحى إليك بيان معانيه، ثم أرشده إلى طلب الاستزادة من العلم و البيان
فقال له: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾  أي : وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا إِلَى مَا عَلَّمْتَنِي. (2)
يقول ابن كثير في تفسيره :
( وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ “لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ” ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [الْقِيَامَةِ: ١٦-١٩] ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ الْوَحْيِ شِدَّةً، فَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَأَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (3)
يَعْنِي: أَنَّهُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، كُلَّمَا قَالَ جِبْرِيلُ آيَةً قَالَهَا مَعَهُ، مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَأَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَا هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَخَفُّ فِي حَقِّهِ؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ أَيْ: أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ أَيْ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِذَا فَرَغَ الْمَلَكُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ فَاقْرَأْهُ بَعْدَهُ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ أَيْ: زِدْنِي مِنْكَ عِلْمًا.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَزَلْ ﷺ فِي زِيَادَةٍ مِنَ الْعِلْمِ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: “إِنَّ اللَّهَ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كَانَ الْوَحْيُ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم. (4)
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا علَّمتني، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْماً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ  (5)). (6)

و الآن بعد بيان معنى هذه الآية و السياق الذي وردت فيه، سنذكر أهم الخطوات في طلب العلم و الزيادة فيه :

 

و هنا لا بد لنا أن نؤكد على أمر مهم و هو : أنه ينبغي ألا يخلو حال شبابنا اليوم عن أحد هذين المسارين: إما التعلم أو التعليم. و إلا عاشوا في ضياع معرفي، و اتباع أعمى، و إهدار للطاقات و القدرات و الأوقات، و انشغال بما لا ينفع من التافهات، و ربما بالشبهات أو المحرمات و العياذ بالله.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما يروي سيدنا أبو هريرة- رضي الله عنه:” الدّنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلّا ذكر الله، وما والاه، أو عالماً أو متعلّماً ” (7)
وعَنْ سيدنا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ” اغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ “(8)
و عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، أَوْ مُسْتَمِعًا وَلَا تَكُنْ رَابِعًا فَتَهْلِكَ».(9)
وعن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلِكَ» ، والْخَامِسَةُ الَّتِي فِيهَا الْهَلَاكُ: مُعَادَاةُ الْعُلَمَاءِ، أو بُغْضُهُمْ. و قيل المبتدع.(10)

و الآن نعود لذكر هذه الخطوات :

 

1- تحديد النية و الدافع لطلب العلم : و هي أن تكون لله ،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ تعلَّم علْماً ممَّا يُبْتَغى به وَجْهُ الله -عز وجل- لا يَتَعلَّمُه إلا لِيُصِيبَ به عَرَضاً من الدنيا، لمْ يَجِدْ عَرْفَ الجنة يومَ القيامة».(11)
2-   تحديد الغاية و الهدف الذي يسعى لحصوله: و هو الدعوة و التبليغ عن الرسول صلى الله عليه و سلم .. فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِع مِنَّا شيئا، فَبَلَّغَهُ كما سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ». (12)
3-   اختيار الشيوخ الربانيين و العلماء الموثوقين، المتخصصين، المجازين، و المتصلين بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
4-   اتخاذ منهج علمي متكامل مع العمل به: و هذا يشمل ( علم القلوب و الجوارح و الروح) و هو: الإيمان و الإسلام و الإحسان مع العمل بها قدر المستطاع، كما في حديث جبريل عليه السلام
4-   تحديد طرق و وسائل اكتساب العلم المتاحة التقليدية أو التقنية : لذلك النبي صلى الله عليه و سلم قال : “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً” ،فلم يحدد وسيلة معينة ،و هذا من إعجازه صلى الله عليه و سلم ليشمل كل الطرق و الوسائل في زمانه وفي سائر الأزمان التي بعده بما يتناسب معها
5-    تنظيم الأوقات على حسب حالة التفرغ لطلب العلم

7-   اعتماد وسائل المتابعة و المراجعة و المثابرة : مع المشايخ أو الأهل و غيرهم و خاصة مع رفقاء طريق العلم و غير ذلك ، و الله أعلم.

بناءً على ما سبق :

 

فإنه ينبغي علينا أن نعتمد هذا المنهج القائم على التعلم و التعليم في توجيه شبابنا ، و بذلك يفشو العلم و ينتشر و يزداد، و يُتوارث فهو ميراث الأنبياء.
يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- في كتابه إلى أبي بكر بن حزم: « انظر ما كان من حديث رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم- فَاكْتُبْه ، فإني خِفْتُ دُرُوسَ العلم، وذهابَ العلماء، ولا يُقْبَلُ إِلا حديث النبيِّ – صلى الله عليه وسلم-، ولْيُفْشُوا العلم، ولْيَجْلِسوا حتى يعلَّم من لا يَعلَم، فإن العلم لا يَهْلِكُ حتى يكون سِرّاً» (13)


المصادر و المراجع :

1-رواه أبو داود برقم (3641)، والترمذي رقم (3683) وغيرهم من أصحاب السنن
2- تفسير الطبري [16\181]
3- صحيح البخاري برقم (5) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما
4- رواه البخاري في صحيحه برقم (4982) من حديث أنس رضي الله عنه
5- سنن ابن ماجه برقم (251) وسنن الترمذي برقم (3599) .
6- تفسير ابن كثير : [5\319]
7- أخرجه الترمذي برقم (2322) وقال: حسن غريب. وابن ماجة برقم (4112)
8-  كتاب شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي .صفحة (407)
9-   كتاب جامع بيان العلم و فضله  لابن عبد البر [1/ 143]
10- كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ،باب قوله صلى الله عليه وسلم العالم والمتعلم شريكان. [1\147]
11 -أخرجه أبو داود برقم (3664)، وابن ماجه (252)، وأحمد (8457)
12 – أخرجه الترمذي (2657) ، وابن ماجه (232)، وأحمد (4175) و غيرهم
13 – جامع الأصول لابن الأثير  رقم ( 5873) [8\37]