ما معنى قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية}؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ما معنى قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية}؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛

فإن صوم شهر رمضان من أركان الإسلام كما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن الأحكام المتعلقة بالصيام الواجب مسائل الفدية والكفارة.

ومن الآيات الكريمة الواردة في خصُوص الفدية، قولُه تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [البقرة: 183]، وهذه الآية الكريمة فيها مباحث متعددة، سنحاول إيجازها فيما يأتي:

المبحث الأول: في قراءة (يطيقونه).

قال الإمام الطبري: “فإن قراءة كافة المسلمين {وعلى الذين يطيقونه}، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم، وهي القراءة التي لا يجوزُ لأحدٍ من أهل الإسلام خلافُها، لنقل جميعهم تصويبَ ذلك قرناً عن قرن”، انتهى. ثم ذكر عقب ذلك: أنه رُويت ابن عباس روايةٌ بلفظ: وعلى الذين يطوّقُونه، قال: “وتلك قراءة شاذة لم يقرأ بها أحدٌ”(1).

المبحث الثاني: في معنى (يطيقونه)،

المعنى الأولى: قال الإمامُ الطبري: “فقال بعضُهم: كان ذلك في أولِ ما فرض الصَّوم، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاءَ، وإن شاء أفطرَه وافتدى، فأطعم لكل يوم أفطرهُ مسكيناً، حتى نُسخ ذلك”(2).

المعنى الثاني: قال البغوي: “وقرأ ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}، بضم الياء وفتح الطاء وتخفيفها وفتح الواو وتشديدها، [أي: يطوقونه] أي: يكلفون الصّوم. وتأويله: على الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان الصوم، والمريض الذي لا يرجى زوال مرضِه؛ فهم يكلفون الصَّومَ ولا يطيقونه، فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسْكيناً، وهو قول سعيد بن جبير، وجعل الآية محكمة”(3).

المبحث الثالث: وعلى ما سبق من الاختلاف في حكم الإطاقة وزمنها، يتبين أن ذلك الحكم مبني على الخلاف في نسخ الآية وعدمه، وفيه قولان:

القول الأول: أنَّها منسوخة، واختلفوا في زمن النسخ على أقوال:

(أ) قولُ ابن عمر، وسلمة بن الأكوع، وغيرهما. أنهم كانوا في ابتداء الإسلام مخيَّرين بين أن يصومُوا وبين أن يفطِرُوا ويفدوا، خيَّرهم الله تعالى لئلا يشُقّ عليهم، لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم، ثم نسخَ التخييرُ ونزلت العزيمةُ بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

(ب) وقال قتادة: هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم، ولكن يشقّ عليه رخص له في أن يفطر ويفدي، ثم نسخ.

(ج) وقال الحسن: هذا في المريض الذي به ما يقعُ عليه اسمُ المرضِ، وهو مستطيعٌ للصوم، خُيّر بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي. ثم نسخ بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وثبتت الرخصة للذين لا يطيقون.

(2) وذهب جماعة إلى أن الآية محكمةٌ غير منسوخة، ومعناه: وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر فعليهم الفدية بدل الصوم(4).

وبناء على ما سبق، فقد استدل الفقهاء الشافعية بهذه الآية الكريمة على حكم صوم غير القادر على الصوم بسبب مرض لا يرجى برؤه أو لمشقة شديدة تلحقه، قال الشهاب الرملي في [فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان]: “يجب على من أفطر لكبر لا يطيق معه الصوم، أو يلحقه به مشقة شديدة لكل يوم مد طعام، وكذا من لا يطيقه لمرض لا يرجى برؤه؛ قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} المراد: لا يطيقونه، أو يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه بعد ذلك”(5).

وقال الشيخُ ابن حجر الهيتمي في [تحفة المحتاج]: وأما الحامل والمرضع غير المتحيرة وليستا في سفر ولا مرض، فإن أفطرتا خوفا على نفسهما أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم؛ وجب القضاء بلا فدية، كالمريض المرجو البرء.

وإن انضم لذلك الخوف على الولد؛ لأنه وقع تبعاً، ولأنه إذا اجتمع المانع وهو الخوف على النفس. ألا ترى أن من أفطر خوف الهلاك على نفسه بغير ذلك ينتفي عنه المد، والمقتضي، وهو الخوف على الولد؛ غلب المانع.

أو خافتا على الولد وحده أن تجهض، أو يقل اللبنُ فيتضرر بمبيح تيمم، ولو من تبرعت بإرضاعه أو استؤجرت له وإن لم تتعين بأن تعددت المراضع كما صرح به في المجموع؛ لزمتهما الفدية في الأظهر، لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184] أنها منسوخة إلا في حقهما وفي نسخ لزمتهما القضاء وكذا الفدية في الأظهر”(6).

هذا، والآية الكريمة تحتمل شرحاً وتفسيراً أكثر من هذا، وكم في كتاب الله من إعجاز لفظي وفقهي يوقف الناظر فيه محتاراً مدهوشاً من عظمة هذا الكلام المعجز، نسأل الله أن يفتح علينا فهم كتابه العزيز، ويرزقنا التدبر وحسن النظر والاستفادة، والله الموفق والمعين.

الهوامش:

1-  الطبري، تفسير الطبري: 3/ 161.

2-  الطبري، تفسير الطبري: 3/ 161.

3-  البغوي، تفسير البغوي: 1/ 196.

4-  البغوي، تفسير البغوي: 1/ 196.

5-  الشهاب الرملي، فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان: ص 493.

الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج: 3/ 441.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)