ما هو النسخ في القرآن أرجو تفصيل الإجابة؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هو النسخ في القرآن أرجو تفصيل الإجابة؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ما هو النسخ في القرآن أرجو تفصيل الإجابة؟

النّسخ في لغة العرب هو الرّفع والإزالة، فيقال: نَسَخت الشّمسُ الظّلّ، أي: أزالته. ويأتي النسخ في اللغة بمعنى النقل، ومنه يقال: نَسَخَ الكتابَ، أي: رَفعَ منُه إلى غيره، وقد سُمِّيَتْ النُّسخةُ نُسخةً؛ لأنه يُنقل الشيء من غيرها إليها. [نور الدين عتر، علوم القرآن ص١٣١؛ محمد بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٤٣]

أما النسخ في اصطلاح العلماء فهو: رفع حكم شرعيّ عمليٍّ جزئيّ ثبت بالنّصّ، بحكم شرعيّ عمليّ جزئيّ ثبت بالنّصّ ورد على خلافه، متأخّرٍ عنه في وقت تشريعه، ليس متّصلاً به.
ويقال في تعريفه أيضاً: رفع الشارع حُكمًا منه متقدمًا بحكم منه متأخر. [الزركشي، البرهان في علوم القرآن (٢/٢٨)؛ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (٣/٦٦)؛ د. عتر، علوم القرآن ص١٣١؛ مناع القطان، مباحث في علوم القرآن ص٢٣٨؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص٢٠٥؛ صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن ص٢٥٩]

فالرّفع هو: النّسخ، والحكم الشّرعيّ المرفوع هو: المنسوخ، والحكم الشّرعيّ المتأخّر هو: النّاسخ

وقد استعمل القرآن الكريم مادة النَّسْخِ في المعاني السابقة:

أما النسخ بمعنى النقل: فقد جاء في قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية:٢٩]  أي: ننقله بعناية ودقة، ونثبته في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها.

وأما النسخ بمعنى الرفع والإزالة: فقد جاء في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة:١٠٦] [إبراهيم محمد الجرمي، معجم علوم القرآن ص٢٩١]

تقسيم النسخ

وقسَّمَ العلماء النَّسْخَ أقسامًا متعددة باعتبارات مختلفة، وسأكتفي في هذه الإجابة بذكر النَّسْخُ باعتبار التلاوة والحكم فقط، وهو ينقسم إلى:

أولاً: ما نُسِخَت تلاوته وبقي حكمه

أي إن الحكم الثابت بالنص يبقى العمل به ثابتًا ومستمراً، وإنما يجرّد النص عما يثبت للقرآن المتلو من أحكام، كالتعبّد بتلاوته وصحة الصلاة به وغير ذلك، ولا يَثْبُتُ في المصحف. ومثاله آية رجم الزاني المحصَن: روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: مَا أَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ، إِذَا أُحْصِنَ الرَّجُلُ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلٌ أَوِ اعْتِرَافٌ، وَقَدْ قَرَأْتُهَا ‌الشَّيْخُ ‌وَالشَّيْخَةُ ‌إِذَا ‌زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ». [سنن ابن ماجه (٢٥٥٣)؛ مسند أحمد (٢١٥٩٦)؛ صحيح مسلم (١٦٩١)]

والمراد بالشيخ والشيخة: الثّيّب من الرجال والنساء، وهذا الحكم، وهو رجم الثّيّب من الرجال والنساء إذا زنى ثابتٌ ومُحْكَمٌ ومعمول به. علماً بأن هذه الآية لم يبق لها وجود بين دُفتي المصحف ولا على ألسنة القرَّاء، ولا تجوز بها الصلاة، ولا يتعبّد بتلاوتها.

ثانياً: ما نُسِخَ حكمه وبقيت تلاوته

أي إنه يبطل العمل بالحكم الثابت بالنص، مع بقاء النص مما يتلى من القرآن ويتعبّد بتلاوته، ويثبت بين دفتي المصحف، وهو كثير في الكتاب والسُّنَّة، ومثاله: نسخ آية العدة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ، فكانت العدة للمتوفى عنها زوجها حولاً، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرًا: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ‌أَرْبَعَةَ ‌أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: ٢٣٤]

ثالثاً: نَسْخُ الحكم والتلاوة

وذلك بأن يَبطُلَ العمل بالحكم الثابت بالنص، إلى جانب حذف النص من القرآن، فلم يُثبَت في المصحف حين جُمع القرآن، وهذا النوع من النَّسْخِ جائزٌ عقلًا، ولكنه لم يقع. واستدل بعض العلماء على وقوعه، بما رواه مسلم وأصحاب السنن، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: ‌عَشْرُ ‌رَضَعَاتٍ ‌مَعْلُومَاتٍ ‌يُحَرِّمْنَ. ثُمَّ نُسِخْنَ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ”. [صحيح مسلم (١٤٥٢)؛ أبو بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٤٩؛ مصطفى البغا، الواضح في علوم القرآن ص١٤٥؛ نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم  ص١٣٢]

ملحوظات تتعلق بالنسخ في القرآن

  1. يمكننا أن نعد علم الناسخ والمنسوخ، ضربًا من ضروب التدرج في نزول الوحي، فالنَّسْخُ نوع من التدرج في التشريع، روعيت فيه مصالح العباد في العاجل والآجل؛ فإن من الأمور التكليفية ما يَصلُح في وقت دون وقت، وفي حال دون حال، فأخذ الله عباده بالحكمة؛ فوضع لهم من التشريعات ما يناسبهم على اختلاف درجاتهم وبيئاتهم وأحوالهم.
  2.  يُطلِعُنا علم الناسخ والمنسوخ على جانب من حكمة الله تعالى في تربية الخَلق، فالنوع الإنساني يتقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حالٌ تناسبه غير الحال التي تناسب دورًا غيره، حتى إذا بلغ العالَم أوان نُضجه واستوائه ورُبطت مَدَنِيَّتهُ بين أقطاره وشعوبه جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان، ومتمِّمًا للشرائع؛ فمسألة النسخ ناشئةٌ عن مداواةِ وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم. [صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن ص٢٥٩؛ نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم ص١٣٣]
  3. مما ينبغي ملاحظته أن شريعة الإسلام نَسَخَت جميع الشرائع قبله؛ لأنه جاء بتشريع وافٍ قد اكتملت فيه أسباب الهداية، واشتملت أحكامه جميع متطلبات الحياة، فلم يَعُدْ للتشريعات السابقة ما يستدعي بقاءَها معه بحالٍ. [أبو بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٨٨]
  4. من شروط النَّسْخَ أنه لا يكون إلّا في الأحكام الشرعية العملية الثابتة بالنصِّ، غير المؤقتة بوقت ولا مؤبَّدة نصًّا، وليست من القواعد الكلية؛ فلا يتأتَّى النسخ في الأحكام المؤقتة بوقت؛ لأنها تنتهي بوقتها.
  5. كما أن النَّسْخُ لا يتأتَّى في الأحكام العَقَدية المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر؛ لأنها ثابتة مُحكَمَة في جميع الشرائع السماوية.
  6.  كما ولا يتأتى النسخ في الأحكام الشرعية العملية التي لم يرد فيها نصٌّ من القرآن ولا من السُّنَّة؛ كالأحكام التي يكون دليلها الإجماع، أو القياس.
  7. لا يتأتى النسخ في الأحكام المنصوص على تأبيدها؛ لأن النَّسْخَ فيها يتناقض مع التأبيد، بشرط أن يكون التأبيد منصوصًا عليه.
  8. لا نسخ في الأصول الأخلاقية وأمهات الفضائل؛ لأنها من الأمور المتَّفَقِ عليها في الشرائع السماوية، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩] [أبو بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٤٧ وما بعدها]
  9. النَّسْخُ يتضمَّن رفعَ حكمٍ تَقرَّرَ من جهة الشارع، وإثباتَ حكم، ومثل هذا لا يحلُّ لمسلم أن يقول فيه إلّا بيقين؛ فلا سبيل إلى معرفة نسخ آية إلاَّ بـ: أ- النصُّ الصريح الصحيح بأنَّ هذا الأمر ناسخ لكذا، أو أمر صريح بترك الأمر الأول؛ كقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:١٨٧]. فهذا النص صريح في نسخ النهي عن الوطء في ليل رمضان. ب_ إجماع الأمة بلا خلافٍ يعتد به على أن أمر كذا منسوخ. [أبو بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٥٥]
  10. وبناء على ما سبق فلا يُعْتَمَدُ في النسخ على: الاجتهاد من غير دليل، ولا على أقوال المفسرين من غير سند، ولا على مجرَّد التعارض الظاهري بين النصوص، ولا على ثبوت أحد النصَّين في المصحف بعد الآخر؛ لأن القرآن ليس مرتباً على ترتيب النزول.
  11. فَهِمَ أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون من بعدهم النَّسْخَ فهمًا أوسع من فَهْمِ المعاصرين؛ فقد كانوا يرون أن النَّسْخَ: هو مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام، فيرفعها بأحكام أخرى تحلُّ محلها، أو يخصِّصُ الأحكام بعد أن كانت عامة، أو يقيدها بعد أن كانت مطلقة، فالنَّسْخُ عندهم يشمل الرفع الكلي، والرفع الجزئي. [أبو بكر إسماعيل، دراسات في علوم القرآن ص٢٤٤]
  12. شاع واشتهر أن آية تحريم الخمر نَسخت حكم إباحتها، وليس الأمر كذلك؛ لأن هناك أشياءُ سكت الشارع عن حكمها، ككثير من المآكل والمشارب والملابس وشبهِها، فحكم هذه الأشياء أنها مباحة؛ لسكوت الشّارع عن بيان حكمها، ومع ذلك وقع في كلام بعض السلف – كابن عباس رضي الله عنهما – إطلاقَ اسم النّسخ عليه؛ عندما تغيَّر  الحكمُ من الإباحة إلى حكم جديد بالنص، روى أبو داوود عن ابنِ عباسِ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] ‌نسخْتهما ‌التي ‌في ‌المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} الآية [المائدة:٩٠] [سنن أبي داود (٣٩٧٢)]
    أما النصوص التي جاءت في بيان حكم الخمر فقد جاءت على النّحو الّذي ورد في حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: “اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ»، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ ‌عَنِ ‌الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة:٢١٩] فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ. فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ‌وَأَنْتُمْ ‌سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء:٤٣]  فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ ‌أَنْ ‌يُوقِعَ ‌بَيْنَكُمُ ‌الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة:٩١] فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا.” [سنن الترمذي (٣٠٤٩)]
    فهذا الّذي جاءت به هذه الآيات – كما ترى – لم يكن نسخًا لشيء، إنّما كانت الخمر قبل نزول هذه الآيات مباحةً، لكونها ممّا كان النّاس يتعاطونه كسائر مشاربهم المباحة بأصلها، إذْ لم يرد المانع، فلمّا نزلت آية البقرة دلّت النّاس على ما فيها من الضّرر وأخرجتها من دائرة الإباحة المطلقة إلى إباحة مُضَيَّقة، فلمّا نزلت آية النّساء زادت في التّضييق ولم تحرّم تحريمًا مطلقًا، فلمّا نزلت آية المائدة أتت على ما بقي من الإباحة الّتي لم تتناولها الآيتان السّابقتان، فهذه الآيات ليس بينها تناسخ؛ لأن من شرط صحّة النّسخ ثبوت التّعارض بين النّاسخ والمنسوخ، وهذا غير موجود هنا فيما بين هذه الآيات، كما أنَّ ما دلّت عليه الآيات المتعلقة بالخمر من الحكم لم يُسبَق من الشارع إلّا بالإباحة الثّابتة بالسكوت عن الحكم لا بنصّه، ولو صحّ إطلاق النّسخ على نَقْلِ حكمِ الإباحة الأصليّة إلى حكمٍ آخر بدليل الشّرع، لساغ أن نقول في كلّ آية تحريم: هي ناسخة لما كان عليه الحال قبل نزولها، وهذا مخالف لما دلّ عليه القرآن من معنى النّسخ. [أبو بكر ابن العربي، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم (٢/٢٨)؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص٢١٣]
  13. اعتنى بعض العلماء الذين كتبوا في الناسخ والمنسوخ بالمكي والمدني؛ لأن القول بالنسخ مبنيٌ على معرفة المتقدم من المتأخر، والقرآن المدني ينسخ القرآن المكي لا العكس. [الحارث المحاسبي، فهم القرآن ص٣٩٤؛ أبو جعفر النحاس، الناسخ والمنسوخ ص٦٤٩؛ د. مساعد الطيار، المحرر في علوم القرآن ص١١٥]
  14. علم الناسخ والمنسوخ هام لدارس القرآن الكريم، وقد قال الأئمة: «لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلاَّ بعد أن يعرف منه ‌الناسخ ‌والمنسوخ. [السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (٣/٦٦)؛ د. عتر، علوم القرآن ص١٣١]

تنبيه

وقع توسع كثير من بعض العلماء في النسخ، فقالوا بنسخ آيات كثيرة لا دليل على نسخها، وكثير من ذلك من باب التخصيص لا النسخ، ومن أشهر الأمثلة على ذلك: ادعاء أن آية السيف – أي وجوب الجهاد – قد نَسخَت: ﴿‌خُذِ ‌الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]  ، وليس ذلك مقبولاً؛ لأن آية الجهاد والشِّدة في حال علاقات الحرب، والآيات الأخرى تأمر بالإحسان ومكارم الأخلاق في حال السِّلم، فكل من الآيات خاص بوقته المناسب له، وليس ذلك من النسخ. [نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم  ص١٣٥، مصطفى البغا ومحي الدين مستو، الواضح في علوم القرآن ص١٤٧]

وأخيرًا

موضوع النسخ في القرآن جرى فيه بين العلماء خلاف كبير بين المتقدمين والمعاصرين؛ فأنصح الأخ السائل الاستزادة حول هذا الموضوع بالرجوع لكتب علوم القرآن، ومنها: البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/٢٨)، كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي (٣/٦٦). والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.