كيف يمكنني التعامل مع مشاكل الغضب؟

 يجيب عن السؤال الشيخ احمد الأحمد

السؤال

كيف يمكنني التعامل مع مشاكل الغضب؟

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.

طبيعة الغضب ومنشؤه

للغضب طبيعة نارية متوقدة داخل النفس تعبر عن ذلك بمظاهر أقرب ما تكون للنار في حرارتها ولونها ومفعولها وآثارها، وإن له تعبيراتٍ نابعةً من هذه الطبيعة يمكن الاستدلال بها عليه، مثل احمرار العينين، وانتفاخ الأوداج.

-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالأَرْضِ) (1)

-والغضب من الشيطان، والشيطان قرين الإنسان ملتصق به، وربما جرى منه مجرى الدم.
عن عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ»، قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» (2)
والشيطان خلق من نار، فهو ذو طبيعة نارية، يقبس الغضب في نفس الإنسان ويذكيه. وقد قال تعالى عن أصل خلق الشيطان: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [سورة الرحمن: 15]

فكون الشيطان من النار وكونه مقارناً للإنسان متابعاً له، كل ذلك يبين علاقة الشيطان بتلك العمليات الداخليَّة الخفيَّة الدافعة للغضب.

– عن عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ) (3)

ينشأ عن الغضب تغيرات عضوية من حرارة وتقلص في العضلات، وإفرازاتٍ غُديَّة، واستعدادٍ للمقاتلة والمواجهة وأن لهذا حرارة داخلية كامنة، يحسها من اشتد غضبه كما يحس الجائع أو العطشان بجوعه أو عطشه.

والغضب في حال شدته يملأ النفس ويستولي عليها، ويأخذ بلبها وأطرافها، ويغطي العقل، ويعمي البصيرة، ويضعف التفكير.

ومما ينبغي أن يعلم أن من الغضب ما هو محمود ومنه ما هو مذموم

الغضب المحمود

هو ما يكون لله -عزّ وجلّ- مضبوطًا بأحكام الشريعة، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله فإذا انتهكت فلا يقوم لغضبه شيء. ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد ما جاء

– عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ (وهو الستر الصفيق من صوف ذي ألوان) فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» (4)

ولما شُكِيَ إليه الإمامُ الذي يطيل بالناس صلاته حتى صار يتأخر بعضهم عن الصلاة معه، غضب وأشتد غضبه ووعظ الناس وأمر بالتخفيف.

– عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ، قَالَ: فَأَخَّرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى مَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَتَقَدَّمَ لَيَؤُمَّنَا، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ تَنَحَّى فَصَلَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا لَكَ يَا فُلَانُ، أَنَافَقْتَ؟ قَالَ: مَا نَافَقْتُ، وَلَآتِيَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلَأُخْبِرَنَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا، وَإِنَّكَ أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ الْبَارِحَةَ فَصَلَّى مَعَكَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَتَقَدَّمَ لَيَؤُمَّنَا، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَنَحَّيْتُ فَصَلَّيْتُ وَحْدِي، أَيْ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ، وَإِنَّمَا نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:  «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ اقْرَأْ بِسُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا» قَالَ عَمْرٌو: «وَأَمَرَهُ بِسُوَرٍ قِصَارٍ» لَا أَحْفَظُهَا، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْنَا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اقْرَأْ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»، قَالَ عَمْرٌو: نَحْوُ هَذَا. (5)

ولما رأى النخامة في قبلة المسجد تغيظ وحَكَّهَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُصَلِّي، رَأَى فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً، فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَتَغَيَّظَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ» (6)

ولما كلمه أسامة ابن زيد في شأن المخزومية التي سرقت ليعفو عنها ولا يقطع يدها غضب – صلى الله عليه وسلم – غضباً شديداً ووقف بالناس خطيباً ولنترك الكلام لعائشة تنقل لنا الخبر كما هو.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (7)

أما لنفسه – صلى الله عليه وسلم – فما كان يغضب بل كان يعفو ويصفح.

 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (خَدَمْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَشْرَ سِنِينَ فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلَامَنِي فَإِنْ لَامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ أَوْ قَالَ لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ كَانَ) (8) أي يبرر النبي فعله أو عدم فعله بالقضاء والقدر.

عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُه، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ لَهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَوُذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ). (9)

فانظر كيف عَزَّى نفسَه عليه الصلاة والسلام وواساها بصبر موسى – عليه السلام – وهذا دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يغضبون إلا لله فَسَهَّلَ اللهُ عليهم أن لا يغضبوا لأنفسهم.

وجاء في معرض المدح والثناء للذين لا يغضبون لأنفسهم قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]

جعل الله الإنفاق في السراء والضراء من أعظم الطاعات التي تثمر كظم غيظ القلوب وجعل كظم الغيظ مقدمة وسبباً للعفو، وجعل العفو مقدمة للإحسان وسبباً له، فتبين أن ترك الغضب هو جماع الخير كلِّهِ كما سبق.

وقال تعالى: {وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] أي إذا أهاجهم الغضب ملكوا أنفسهم فلم يعاقبوا بقول أو فعل. قال السعدي (أي تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بقول أو فعل كظموا ذلك الغضب فلم يُنفذوه، بل غفروا ولم يقابلوا الإساءة إلا بالإحسان والعفو والصفح الجميل، فترتب على العفو والصفح من المصالح الشيء الكثير قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34- 35]

الغضب المذموم

الغضب المذموم هو الغضب للنفس والغضب عصبيَّةً والغضب حميَّةً ويدخل فيه الغضب للدين لكن بما يُخالف التعاليم الإسلامية، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان ينهى عن القتال بدافع العصبية والانتصار للقبيلة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: (وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) (10)

كما أنّ الحميَّة التي تجعل الإنسان في مواجهة الحق وأهلِه منهيٌّ عنها وقد جاءت في معرض الذم في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. [الفتح: 26]

فالمسلم لا ينتصر للظالمين ولا يُحارب أهل الحق تعصباً للقرابة وتمسكًا بالعادات والتقاليد الجاهلية، يقول عطاء بن أبي رباح: (مَا أَبْكَى العَالِمَ كَغَضْبَةٍ؛ غَضِبَهَا أَحْبَطَتْ عَلَيْهِ عَمَلَ خَمْسِيْنَ سَنَةً)، فالغضب غير المدروس قد يكون مخالفًا لنصوص الشريعة ومن ثَمَّ قد يُحبط العمل.

التحذير من الغضب

– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْصِنِي قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ) (11)

ونخلص من وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأنه يجب على المسلم اجتنابُ أسبابِ الغضب ودواعيه لأنه عدو خطير للإنسان المسلم حينما ينقاد لهوى النفس الأمارة بالسوء وقواها الشريرة، حتى قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إذَا غَضِبَ). (12) أدب الدنيا والدين للماوردي: 257.

فضل كظم الغيظ

يقال كظم غيظه إذا غالبه ولم يظهره وتلك صفة يمتاز بها المؤمنون قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} . سورة آل عمران آية 134.

عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا – وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ – دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ». (13)

وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلمَ على التحكم في انفعالاته النفسيه، وعدم الاستجابة لها، كما أن فيه تعويدٌ للنفس على قهر الغضب، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى) (14)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: (وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ، مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلاَّ مَلَأَ اللهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا) (15)

وقال عمر رضي الله عنه: من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله تعالى لم يفعل ما يريد)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر آية 85] قال الرضا بلا عتاب والصبر عند الغضب.

– وعَنِ امْرَأَةِ حُذَيْفَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: (قُمْتُ إِلَى جَارِيَةٍ لِي أَضْرِبُهَا، فَقَالَتْ لِيَ: اتَّقِي اللهَ، قَالَتْ: فَأَلْقَيْتُ مَا فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ، مِنَ اتَّقَى اللهَ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ) (16)

ومن هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كظم الغيظ والعفو عن الناس أنه عليه الصلاة والسلام بعد أن قَتَلَ وحشيُّ بنُ حَرْبٍ عَمَّهُ حمزة حزن عليه حزناً شديداً يقول وحشيّ بعد أن أسلمَ، قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: (آنْتَ وَحْشِيٌّ) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ) قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي) قَالَ: فَخَرَجْتُ) (17)

ومن مواقفه صلى الله عليه وسلم فى كظم الغيظ والعفو عن الناس ما رواه جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ، وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، (كلُّ شجرةٍ لها شَوك) فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهُوَ هَذَا) قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) – (18)

ومن صفات المؤمنين كظم الغيظ لوجه الله وابتغاء مرضاته فليتق العبد ربه وليجتهد في ضبط نفسه عند الغضب وليوطن نفسه على الصبر ولا يكن لعبة بيد الشيطان الذي يغريه في تفاقم غضبه ليَظْهَرَ في زعمه بصورة القوي الشديد الذي لا يقوم لغضبه شيء فيتباهى بذلك الجنون ويفتخر وليصغ إلى كلام النبي الكريم الذي يرويه أَبو هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» (19)

والحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قَالَ قُلْنَا: الَّذِي لاَ يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). (20)

فالغضب جماع الشر والتحرز منه جماع الخير ولهذا نهى النبي عنه في الحديث الذي رواه الطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، (دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: (لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ) (21)

وعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَمٍّ لِي قَالَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم يَا رَسُولَ اللهِ قُلْ لِي قَوْلاً وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ قَالَ فَعُدْتُ لَهُ مِرَارًا كُلَّ ذَلِكَ يَعُودُ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ – صَلى الله عَليه وسَلم – لاَ تَغْضَبْ). (22)

وقد فسر الأئمة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم، فسروا (حُسْنَ الْخُلُقِ) بترك الغضب.

وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا – وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ – دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ». (32)

وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلمَ على التحكم في انفعالات النفس، وعدم الاستجابة لها، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: (وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ، مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلاَّ مَلَأَ اللهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا) (24)

– وعَنِ امْرَأَةِ حُذَيْفَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: (قُمْتُ إِلَى جَارِيَةٍ لِي أَضْرِبُهَا، فَقَالَتْ لِيَ: اتَّقِي اللهَ، قَالَتْ: فَأَلْقَيْتُ مَا فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ، مِنَ اتَّقَى اللهَ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ) (25) 

أسباب الغضب:

  • العُجب

العجب مذموم في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أنكر الله تعالى على المسلمين إعجابهم بكثرتهم يوم حنين فقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} [التوبة:25]

وذم اليهود حين أعجبوا بحصونهم فقال: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2]

قال ابن مسعود: الهلاك في اثنتين: القنوط، والعجب.

وقال مطرف: (لأن أبيت نائماً، وأصبح نادماً، أحبّ إليّ من أبيت قائماً، وأصبح معجباً)

وقد يعجب بقوته وشدة بأسه. كما قال تعالى عن قوم عاد {وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فيسلبها الله منه بأدنى آفة يسلطها عليه. وقد يعجب بالنسب الشريف كعجب الهاشمية ولا يدري بأنهم شرفوا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب

وقد يعجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب، كما قال الكفار: {وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً} [سبأ:35] ويغفل عن كونهم جميعا عبيداً عجزة، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.

ومنهم من يعجب بماله كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين إذ قال: {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف:34] ويغفل عن كثرة حقوقه، وعظيم غوائله.

قال مسروق – رحمه الله -: (كفى بالمرء جهلا أن يُعجب بعلمه).
عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه- أنّه رأى المهلّب- وهو يتبختر في جبّة خزّ فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلّب: أما تعرفني؟ فقال بلى أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلّب وترك مشيته تلك.

قال ابن عوف- رحمه الله -:

عجبت من معجب بصورته …  وكان بالأمس نطفــــة مـــــذرة

وفي غد بعد حسن صورته …  يصير في اللّحــــد جيفــ،ة قذرة

وهو على تيهـــه ونخوتــــــه …  ما بيــــن ثوبيـــــه يحمل العذرة

وقالوا: (من أُعجِبَ برأيه ضلَّ، ومن استغنى بعقله زلَّ، ومن تكبر على الناس ذلَّ، ومن خالط الأنذال حقِّر، ومن جالس العلماء وقِّر).

العجب قرين الكِبْر وملازم له، وبالتالي يكون العجب من لوازم مسببات الغضب وباعثٍ عليه.

  • ومن أسباب الغضب الظلم

من الأسباب التي تُوَلِّد الغضب لدى الإنسان وتجعله يفكر في الانتقام بأشدِّ ما أوتي من قوة هو تعرضه لظلم الآخرين، والظلمُ أشكالٌ كظلم الحاكمِ للمحكوم، والتاجرِ لعامله، وظلمِ الناس بعضِهم لبعض؛ مما يثير الغضب المفرط لدى المظلوم فيدفعه ذلك للانتقام من الظالم للحصول على حقه، وبما أنه في حالة غضب شديد لا يفكر في النتائج المترتبة على انتقامه من ظالمه.

ومما جاء في السنة النبوية في النهى عن الظلم الذي يعتبر من أكثر بواعث الغضب، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أوصى معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن، فقال: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) (26)

ولفداحة الظلم وسوء عاقبته فقد أخبرَنا الله سبحانه بأنه حرمه على نفسه وجعله بين الناس مُحَرَّمًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا) (27)

  • ومن أسباب الغضب المراء

المراء: هو الطَّعن في كلام الغير لإظهار خَللٍ فيه لغير غرضٍ سوى تحقير قائِله، وإظهار مَزِيَّتِهِ عليه.

فالمماري يلتمس الخطأَ للغير، سواء من حيث اللَّفظُ أو المعنى أو الموضوعُ؛ حتى يتمكن من الطَّعن في كلامه، وإظهاره بمظهر المبالِغ أو المخطئ أو الجاهل وربما الكاذب، وما إلى ذلك.

وقد حذَّرَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – من المراء كثيراً لخطورته مشيراً إلى أن الممارين من أهل النار وذلك في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: (مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ)(28)

وأقل ما يُحرَم منه المماري هو ما وعد به النبيُّ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (29)

فينبغي علينا أن نتجنَّب المراء ما استطعنا؛ بأن نُحسن الظن بمن يحدثنا، إلاَّ إذا كان في كلامه كذبًا، نظرنا: فإن كان لا يتعلَّق كذبه بأمور الدِّين، وكان السكوت عليه لا يعرِّضنا للإثم، كان السكوت حينئذٍ خيرًا من الكلام، وإلا وجب بيانُ الحق والصوابِ بلباقةٍ، وأدبٍ رفيع، وحرصٍ على مشاعر المودَّة، وعدم إثارة البغضاء والكراهية.

  • ومن أسبابه الحسد

إن الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى وقد ورد في ذم الحسد فى السنة النبوية أحاديث كثيره ومنها ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) (30)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (لَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ) (31)

عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا» (32)

الحسد حبل قويٌّ من حبال الشيطان يدخل من خلاله إلى نفس الإنسان ويوسوس له ليخرجه من هدوئه واستقراره إلى ذروة الغضب والانفعال ويجعلَ هذا الإنسانَ الغاضبَ يتصرف تجاه المحسود سلوكاً له آثاره الضارة له وللمجتمع من حوله. الحسد يجعل صاحبه يتشفى من الخلق، وينتظرُ عثراتهم، ويشمت بآلامهم؛ وما ذاك إلا لأنه فشل حيث نجح غيره، وتخلف حيث سَبَقَ آخرون. فمن الوضاعة أن تسير الأثرة بالمرء، فتجعلَه يتمنى الخسار لكل إنسان، لا لشيء، إلا لأنه هو لم يربح فالحسود تغلى مراجل الحقد في نفسه؛ لأنه ينظر إلى الدنيا فيجد ما يتمناه لنفسه قد فاته، وامتلأت به خزائن آخرين، فضاق بذلك ذرعا ولم يَقِرَّ له قرار ولم يدر أن سلامة الصدر تبلغ بالعبد جِنان الخلد.

  • ومن أسبابه المزاح

المزاح نوعان محبوب ومبغوض فالمحبوب ما لا يُخرج صاحبه عن الحق ويكون على جِهةِ المداعبة والتَّلطُّفِ والاستِعطافِ دونَ أذيَّةٍ

– قال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ أن يستميلَ قُلوبَ النَّاسِ إليه بالمُزاحِ وتَركِ التَّعبُّسِ).

– وقيل لسُفيانَ بنِ عُيَينةَ: المُزاحُ هُجْنةٌ؟! فقال: (بل سُنَّةٌ، ولكِنَّ الشَّأنَ فيمن يُحسِنُه، ويَضَعُه مَواضِعَه).

– وقال ابنُ عبَّاسٍ: (المُزاحُ بما يَحسُنُ مُباحٌ).

– وقال إبراهيمُ النَّخَعيُّ: (لا يُمازِحُك إلَّا مَن يُحبُّك).

– وقال ابنُ المبارَكِ: (إنَّه ليُعجِبُني من القُرَّاءِ كُلُّ طَلْقٍ مِضحاكٍ، فأمَّا من تلقاه بالبِشْرِ ويلقاك بالعُبوسِ كأنَّه يمُنُّ عليك بعَمَلِه، فلا أكثَرَ اللهُ في القُرَّاءِ مِثْلَه).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لا يقول إلا الحق

– عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لِابْنِ عُمَرَ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا؟» قَالَ: نَعَمْ) (33)

ومما ورد في مزاحه عليه الصلاة والسلام.

– عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قَالَ: جَاء رجلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَسْتَحمِله فَقَالَ: (أَنا حَامِلُكَ عَلى وَلَدِ نَاقَةٍ). قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ومَا أَصنَع بِوَلَد نَاقة؟ فَقال رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَهَل تَلِدُ الإبلَ إِلَّا النُّوقُ)(34)

وكان الصحابة أيضاً يمزحون المزاح المباح الذي لا يثير الغضب ومما ورد في ذلك

عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ). (35)

-وعن عَوفِ بنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ، قال: (أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوةِ تَبوكَ وهو في قُبَّةٍ من أدَمٍ، فسلَّمتُ، فرَدَّ وقال: ادخُلْ. فقُلتُ: أكُلِّي يا رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ؟! قال: كُلُّك فدخَلْتُ). (36)

لكن ينبغي ألا يكون هذا المزاح كثيراً، بل على قدر الملح في الطعام

والمزاح المبغوض هو المزاح البذيء الذي يجر إلى الشر ويوقِعُ في الباطِلِ وينشر بذور العداوة

– قَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (كَانَ يُقَالُ: لِكُلِّ شَيْءٍ بَذْرٌ وَبَذْرُ الْعَدَاوَةِ الْمُزَاحُ) (37)

ومبنى هذا النوع من المزاح على السخريةِ والكذبِ والمبالغاتِ المفرطةِ

والضحكِ والسخريةِ.

عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» (38)

فكم أثار المُزاح من غضب، وكم أوقد من نيران الحروب، وكم أزهق من أرواح، وكم ألحق من عار بالأبرياء، وكم نال من سمعة الأتقياء.

  • ومن أسبابه بذاءةُ اللسانِ وفحشُهُ 

يكون البذاء بشتم أو سب أو عيبٍ أو تعيير أو تقليدٍ أو غمز أو لمزٍ مما يوغر الصدور، ويوقد نيران الغضب، وفي الحديث

– عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ مَا وُضِعَ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ»(39)

  • ومن أسبابه تسميةُ الجهالِ الغضبَ بأسماءٍ محمودةٍ

قال الغزالي -رحمه الله تعالى- (ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال: تسميتُهم الغضبَ شجاعةً ورجولةً وعزةَ نفسٍ وكِبَرِ هِمَّةٍ

 وتلقيبُه بالألقاب المحمودة غباوةً وجهلاً حتى تميل النفس إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية وتقليد شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة، والنفوسُ مائلةٌ إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه وتسمية هذا عزةَ نفسٍ وشجاعةَ جهلٍ بل هو مرضُ قلبٍ ونقصانُ عقلٍ وضعفُ نفس ونقصانُها وآية ذلك، أن المريضَ أسرعُ غضباً من الصحيح، والمرأةَ أسرعُ غضباً من الرجل، والصبيَ أسرعُ غضباً من الرجل الكبير، والشيخَ الضعيفَ أسرعُ غضباً من الكهل، وصاحب الخلق السيء والرذائل القبيحة أسرعُ غضباً من صاحب الفضائل.

  • ومن أسبابه الفقر

الفقر همٌّ فظيع يكفي وحده لأن يصيب الإنسانَ بنوعٍ من الهلع والانفعال الداخليّ المزلزل ويسيطرَ عليه الهمُّ الثقيل والتفكير الدائم بحاله وحال من يعول، وقد ورد في السنة المطهرة ما يوضح تأثيرَ الفقر في حياة الإنسان وبعثَ الغضب لدى الفقراء والمساكين؛ لذلك كان النبي يتعوذ منه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ  وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ)(40)

– وعن أَبَي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَنْ تَظْلِمَ أَوْ تُظْلَمَ» (41)

وأسباب الغضب كثيره ولا خلاص من الغضب مع بقائها

 طرق تسكين الغضب

الغضب نزغة من نزغات الشيطان، يقع بسببه من الموبقات والمصائب والويلات مالا يعلمه إلا الله، ولذلك حَرَصت السنة النبوية على علاج أنواع الغضب كافةً للتخلص من هذا الداء العضال أو على أقل تقدير للحدّ من آثاره السيئة للغاية فمن ذلك:

1- التحلي بالصبر

فمن محاسن أخلاق المسلم التحلي بالصبر، واحتمال الأذى في ذات الله تعالى، ومن لم يرزق خلق الصبر المحمود فعليه أن يدرِّبَ نفسَه عليه سيما عند وجود أسباب الغضب، ويتكلفَ ذلك مراراً، ويستعدَّ نفسياً لمواجهة أنواع البلاء ويوطن نفسه على ذلك مستعيناً بالله عز وجل والاطلاعِ على نتائج عاقبة الصبر في الدنيا والآخرة، ودراسة السيرة النبوية وحياة الصحابة وما كانوا عليه من عظيم الصبر.

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) (42)

2- تغيير الهيئة من القيام إلى الجلوس:

وإن لم تُجْدِ فمن الجلوس إلى الاضطجاع. عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لَنَا (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ) (43)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْقَائِم مُتَهَيِّئ لِلْحَرَكَةِ وَالْبَطْش وَالْقَاعِد دُونه فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْمُضْطَجِع مَمْنُوع مِنْهُمَا فَيُشْبِه أَنْ يَكُون النَّبِيّ – صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاع لِئَلَّا يَبْدُرَ مِنْهُ فِي حَال قِيَامه وَقُعُوده بَادِرَةٌ يَنْدَم عَلَيْهَا فِي مَا بَعْد). (44)
وذلك فضلا عن بركة اتباع النبيّ – صلى الله عليه وسلم – والائتمار بأمره.

3- السكوت:

من أعظم ما يعالج فيه الغضب، أن يحبس اللسان؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه عند زوال غضبه، فإذا سكت زال هذا الشر كله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ») (45)

4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:

(بمعنى اللجوء إلى الله والاعتصام والامتناع به من الشيطان: ففي الصحيحين من حديث سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌ).(46)

5- الوضوء:

على من غضب أن يعلم بأن الغضب إن سيطر على صاحبه صار كالنار المستعرة في الصدر، فتصبح أنفاسه تغلي كالمرجل، فيغلق على العقل منافذه، ولا يستطيع حينئذٍ السيطرة على أفعاله وأقواله؛ لذلك كان من توجيهات النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن يعمد المسلم إلى إطفاء هذه النار بالوضوء، قَالَ أَبُو وَائِلٍ الْقَاصُّ: دَخَلْنَا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ، فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» (47)

6-التأسي بهدي سيدنا محمد إذا استغضب:

كان من هدي النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – إذا استغضب العفوُ والصفحُ، وهو أسوتنا وقدوتنا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَة، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ» (48)

7- التَّذَكُّرُ عِنْدَ التَّذْكِيرِ:

ومن صفات المؤمنين كظم الغيظ لوجه الله وابتغاء مرضاته ومن ذلك ما رواه ابْنَ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: (هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ)، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ» (49)

ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء، فتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله – عز وجل – يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}فقال لها: قد عفا الله عنك. قالت: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}قال: اذهبي فأنت حرة) (50)

8- مجاهدة النفس 

على من يرجو الله واليوم الآخر إذا استُغْضِبَ أن يَتَجَمَّلَ بمكارم الأخلاق من الحلم وكظم الغيظ والعفو وكرم النفس وسخاء اليد والحياء والتواضع والصبر وقوة التحمل وكف الأذى وطلاقة الوجه ونحو ذلك. فإن النفس إذا تخلقت بمثل هذه الأخلاق وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.

9- الدعاء:

أمضى سلاح يتسلح به المؤمن في كل أحواله أن يلتجئ إلى ربه بالدعاء ليخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة، وأن يعيذه من التردي في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، قَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَّا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ «اللهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتِكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَبَرَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ، وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» (51) 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ، وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: الْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَاقَةِ، وَمَخَافَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ» (52)

إنّ للغضب آثاراً سلبيةً على الظَّاهرِ والباطِنِ، وعلى الأقوال والأفعالِ، وعلى عَقلِ الغضبان وصِحَّته، وأخيراً على الفرد والمجتمع.

تأثير الغَضَبِ على الظَّاهرِ

لو قُدِّرَ لغاضبٍ أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره نفسه ومنظره، فلو رأى تغيرَ لونه، وشدةَ رعدته، وارتجافَ أطرافه، وتغيرَ خلقته، وانقلابَ سَحْنَتِهِ، واحمرارَ وجهه، وجحوظَ عينيه، وانتفاخَ أوداجه، واضطرابَ شفتيه، واهتزازَ شاربيه، ولجلجةَ الحروف والكلامِ، وخُروجَ أفعالِه وحركاته عن التَّرتيبِ والانتِظامِ، والكزكزةَ على الأضراس والأسنان، وظهورَ الزَّبَد على الأشداقِ، واشتدادَ حُمرةِ الأحداقِ، وارتفاعَ الصوت وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه، واشمأز من هيئته، ولَوَلَّى فراراً وامتلأ من قبح صورته رعبا ولسَكَنَ غَضَبُه وذاب حياء وخجلاً.

تأثير الغَضَب على الباطِنِ

 فقُبحُ البَاطِنِ أشَدُّ مِنْ قُبْحِ الظَّاهرِ؛ ومَا تَغَيُّرُ ظاهرِه إلَّا ثَمَرةٌ لتَغَيُّرِ باطِنِه؛ فغَضَبُه يولِّدُ حِقْدًا عَلَى مَنْ غَضِبَ عليه، وحَسَدًا فيفرحُ لما ينالُه من المصائبِ ويحزنُ لما يُحرِزُهُ من توفيقٍ ونجاحٍ ويُضمرُ له أنْوَاعَ الشَّرِّ، ويُظْهِرُ الشَّماتةِ بمَساءَتِه، ويفشي سِرَّه، ويَهْتِكَ سِترَه، ويستِهزئُ به، ويسخر منه، وغَيرُ ذلك مِن القَبائِحِ التي لا تكاد تنتهي.

تأثير الغَضَبِ على الأقوال

 أنَّه ينشَأُ مِن الغَضَب كثيرٌ مِن مُحَرَّمَاتِ الأقوال، كقَذفِ المحصنات، وشتمِ الآباء والأمهات، وفُحشِ الكلام مع ذوي الهيئات، وغَيرِ ذلك مِمَّا تأنفه العقول السليمة، والأخلاق القويمة. وقد يحلف الأيمانَ وينذر النذور التي لا يجوزُ الوفاء بها شَرعًا، وربما خرج من الملة بمسبَّات الدين وقد يفتري على الصالحين أو يوقعُ الطَلاقَ الباتَّ على الزَّوجةِ، أو يظاهرُ منها، أو يدعو على نَفسِه وأحَبِّ النَّاسِ إليه مما يُعقِبُ الحسرة والنَّدَمَ.

تأثير الغَضَب على الأفعالِ

 وينشَأُ مِن الغَضَبِ كثيرٌ مِن الأفعال الإجراميَّةِ، ككسر زجاج النوافذ وكل ما تطاله يده من أجهزة البيت وتمزيق ثيابه ولطم وجهه ونتف شعره وعض يديه بقوة فيحدث فيها كدمات وجروحا غائرة ويضرب كل من تطاله يده من زوجته وأولاده ومحارمه وغيرهم كالكلب المسعور فيمزق اللحم ويكسر العظم وقد يحرق بيته أو سيارته، حتَّى الحَيوان لا يسلم منه، وكذا الجَمادَ وقد يسْقُطُ على الأرض مغشياً عليه عاجزاً عن الحَرَكةِ؛ لشِدَّةِ استيلاءِ الغَضَبِ عليه وقد يتوصل إلى قتل الغير مِمَّن ليس له ذَنبٌ أو ينهي حياته بترديه من شاهق أو رصاصة في رأسه أو يُضرم النار في جسده وأخيرا إلى جهنم وبئس المصير.

قال ابنُ مِسكويهِ: (فإنَّ صاحِبَ هذا الخُلُقِ – خُلُقِ الغَضَبِ – تَصدُرُ عنه أفعالٌ رَديئةٌ كثيرةٌ، يجورُ فيها على نَفسِه، ثُمَّ على إخوانِه، ثُمَّ على الأقرَبِ فالأقرَبِ مِن مَعامِليه، حتَّى ينتَهيَ إلى عَبيدِه وإلى حَرَمِه، فيكونَ عليهم سَوطَ عَذابٍ، ولا يُقيلُهم عَثرةً، ولا يرحَمُ لهم عَبرةً، وإن كانوا بُرَآءَ مِن الذُّنوبِ، غَيرَ مُجتَرِمينَ ولا مُكتَسبينَ سوءًا! بَل يتَجَرَّمُ عليهم، ويَهيجُ مِن أدنى سَبَبٍ يجِدُ به طَريقًا إليهم، حتَّى يبسُطَ لسانَه ويدَه، وهم لا يمتَنِعونَ مِنه ولا يتَجاسَرونَ على رَدِّه عن أنفُسِهم، بَل يُذعِنونَ له، ويُقِرُّونَ بذُنوبٍ لم يقتَرِفوها استِكفافًا لشَرّهِ، وتَسكينًا لغَضَبِه، وهو مَعَ ذلك مُستَمِرٌّ على طَريقَتِه، لا يكُفُّ يدًا ولا لسانًا! ورُبَّما تَجاوزَ في هذه المُعامَلةِ النَّاسَ إلى البَهائِمِ التي لا تَعقِلُ، وإلى الأواني التي لا تُحِسُّ؛ فإنَّ صاحِبَ هذا الخُلُقِ الرَّديءِ… رُبَّما عَضَّ القُفلَ إذا تَعَسَّرَ عليه، وكسَرَ الآنيةَ وهذا النَّوعُ مِن رَداءةِ الخُلُقِ مَشهورٌ في كثيرٍ مِن الجُهَّالِ، يستَعمِلونَه في الثَّوبِ والزُّجاجِ، والحَديدِ وسائِرِ الآلاتِ). (53)

تأثير الغَضَبِ على العَقلِ

من آثارِ الغَضَبِ على العَقْلِ أنَّه يُضعِفُه إضعافاً شديدًا أو يَطمِسُهُ بالكليَّة؛ فيصبح يتصرف كالمجنون. فلا يقبل مَوعِظةَ مُحِبٍّ ولا يرعوي لنصيحةِ عاقلٍ، بَل لا تَزيدُه المَوعِظةُ إلَّا مزيدًا من الغيظ؛ ومزيداً من توقد نيران الغضب؛ لانطِفاءِ نورِ عَقلِه ونشر غاشيةٍ على بَصَرِهِ فيُظلِمُ، وعلى بصيرته فيهلك الحرث والنسل، ولا يرعوي عن شيءٍ يأمره به شيطانه حُكي عن إبليسَ أنَّه قالَ: (متى أعجَزَني ابنُ آدَمَ فلن يُعجِزَني إذا غَضِبَ؛ لأنَّه ينقادُ لي فيما أبتَغيه مِنه، ويعمَلُ بما أُريدُه وأرتَضيه) (54).
وقد يشتد غضب الغاضب فيتوقف قَلبُه ويموتُ غَيظًا وكَمَدًا فيستريح منه العباد والبلاد والكائنات الحية وكذا الجماد والنبات وكلها تحمد الله على موته وارتحاله عن الدنيا غير مأسوف عليه.

قال ابنُ حِبَّانَ البُسْتيّ: (سُرعةُ الغَضَبِ أنكى في العاقِلِ مِن النَّارِ في يَبَسِ العَوسَجِ؛ لأنَّ مَن غَضِبَ زَايَلَهُ عَقلُهُ، فقال ما سَوَّلت له نَفسُه، وعَمِل ما شانَهُ وأَرْدَاهُ).  (55)

تأثير الغَضَبُ على صِحَّةِ الغضبان 

يقول الأطباء: قد تَحْدُثُ بسبب الغضب أضرارٌ جسدية مرعبة كتجلّطِ الدَّمِ، وارتفاعِ الضغطِ، وزيادةِ ضرباتِ القلبِ، وتَسَارُعِ مُعَدَّلِ التنفس، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو ما يسمى بالمرض السكري وغيره.

تأثير الغضب على الفرد والمجتمع:

الغضب خطر على الفرد والمجتمع وذلك لأن آثارَه أليمةٌ، وعواقبَه وخيمةٌ، فبه تُمزَّقُ الأسر وتُدمَّرُ البيوت وتُقطَّعُ الأرحام ويُعَقُّ الوالدان وتُطَلَّقُ الزوجات وتُشَرَّدُ الأطفال وتَشْتَعِلُ الفتن وينشب العراك وتُراق الدماء وتُزْهَقُ الأرواح.

مما قيل في الغضب:

قال على بن أبي طالب – رضي الله عنه -: (إنما يعرف الحلم ساعة الغضب).

وفي وصية عمر – رضي الله عنه – إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -: (لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان) (56)

ويقول الشافعيُّ:

يُخَاطِبُنِي السَّفِيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ       فَأَكْــرَهُ أَنْ أكُــونَ لَهُ مُجِيبَا

يَزْيدُ سَـفَاهَةً فَأَزِيـــدُ حِلْمًا        كَعُــودٍ زَادَهُ الإحْـَـراقُ طِيبَا
أخي الكريم احرص ما استطعت على ضبط نفسك عند وجود ما يستفزك ويثير غضبك وكن حليمًا صبورًا فإن الشيطان يقتنص من ابن آدم هذه اللحظات ليوقعه فيما يغضب الله وينال من دينه وأخلاقه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

………………………………………………………..
(1)          أخرجه احمد في المسند، وأخرجه الترمذي.
(2)         البخاري (2039)
(3)         أخرجه أحمد: وأبو داود: 4786
(4)         رواه البخاري: 6109، ومسلم: 91 – (2107).
(5)         صحيح ابن حبان: 2400، والسنن الكبرى للبيهقي: 5303، وأحمد في المسند: 14190.
(6)         رواه البخاري: 6111.
(7)         رواه البخاري: 3475، ومسلم: 4428- [8-1688].
(8)         رواه أحمد في المسند: 13418.
(9)         رواه مسلم: 2412- [141-…]
(10)         رواه مسلم: (4814- [53-1848].
(11)          أخرجه البخاري: (6116).
(12)         أدب الدنيا والدين للماوردي: 257.
(13)         رواه أبو داود في سننه: 4779.
(14)          أخرجه الإمام احمد في المسند: 6114.
(15)         رواه أحمد في المسند: 3015.
(16)         رواه البيهقي في شعب الإيمان: 7980.
(17)         رواه البخاري: 4072.
(18)         رواه البخاري: 4139.
(19)         رواه البخاري:6114، ومسلم: 6736- [107-2609].
(20)         رواه مسلم: 6734- [106-2608].
(21)         رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 2353.
(22)        رواه أحمد في المسند: 23607.
(23)        رواه أبو داود في سننه: 4779.
(24)         رواه أحمد في المسند: 3015.
(25)         رواه البيهقي في شعب الإيمان: 7980.
(26)         رواه البخاري: 1496. ومسلم: 29- [29-19].
(27)         رواه مسلم 6664- [55-2577].
(28)         رواه الترمذي: 2654.
(29)         رواه أبوداود في السنن. 4802.
(30)         رواه البخاري: 6065، ومسلم 23 – (2558).
(31)         صحيح ابن حبان: 4606.
(32)         رواه الطبراني في المعجم الكبير: 8157.
(33)         رواه الطبراني في الكبير: 13443.
(34)         رواه البخاري في الأدب المفرد: 268، سنن أبي داود: 5000.
(35)         رواه البخاري في الأدب المفرد: 266.
(36)         سنن أبي داود: 5000.
(37)         الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا: 398.
(38)         أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315).
(39)         صحيح ابن حبان: 5693.
(40)         رواه البخاري: 6377، ومسلم: 49 – (589).
(41)         رواه النسائي في السنن الكبرى: 7848، وأحمد في
                 المسند: 10973.
(42)         رواه البخاري: 1469.
(43)         رواه أبو داود في السنن: 4784، وأحمد في المسند:
                 21348، وصحيح ابن حبان: 5688.
(44)         جامع الأصول لابن الأثير: 8/440.
(45)         رواه البخاري في الأدب المفرد: 245، وأحمد في المسند:
                 2136، صحيح الجامع: 693.
(46)         رواه البخاري: 3282.
(47)         سنن أبي داود: 4784، وأحمد في المسند: 17985.
(48)         رواه البخاري: 5809، ومسلم: 128 – (1057).
(49)         رواه البخاري: 4642، ومسلم: 128 – (1057).
(50)         رواه البيهقي في الشعب (8317).
(51)         السنن الكبرى للنسائي: 1230.
(52)         رواه الطبراني في المعجم الأوسط:5452، والجامع الصحيح للسنن والمسانيد لصهيب عبد الجبار3039.
(53)         تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه: 1/211.
(54)         الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهانيّ: 243.
(55)         روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البُستي. 1/ 138.
(56)        أخرجه عبد الرزاق في المصنف: (8/300).
[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ أحمد حمادين الأحمد من مواليد إدلب سوريا عام 1954م 

حاصل على ليسانس في اللغة العربية من جامعة الأزهر في القاهرة وعلى دبلوم تأهيل تربوي، ودبلوم في اللغة العربية من جامعة دمشق، وماجستير في الدراسات الإسلاميّة قسم العقيدة من جامعة بيروت الإسلامية.

تخرج في معهد الفتح الإسلامي في دمشق وعمل فيه مدرسًا (25) سنة. 

-محاضر في معهد الشام العالي فرع مجمع الفتح الإسلامي في النحو، والبلاغة، والعقيدة، (16) سنة، وعمل خطيباً في مساجد دمشق ثلاثين سنة وفي إسطنبول منذ إحدى عشرة سنة يُدَرِّسُ في عدد من المعاهد الإسلامية علوم القرآن والحديث والتفسير والعقيدة والفقه والنحو والبلاغة.

حصل على إجازات من شيوخه: العلامة الشيخ عبد الرزاق الحلبي، والعلامة الشيخ محمد ديب الكلاس، ومن العارف بالله الشيخ محمود الشقفة، والعلامة الشيخ أحمد الحصري في العلوم الشرعية والعربية، بالإضافة إلى إجازات حديثية كثيرة.

من مؤلفاته: البعث والنشور في القرآن الكريم.

– عمل مديرًا لمعهد سعد بن عبادة الخزرجي للعلوم الإسلاميّة والعربيّة في محافظة ريف دمشق.

– عضو في لجنة الإرشاد والتوجيه في مديريّة أوقاف محافظة ريف دمشق.

– والآن عضو في مجلس الإفتاء في إسطنبول. 

– شارك في كثيرٍ من المؤتمرات العلمية والندوات التلفزيونية والإذاعية سؤال وجواب على الهواء مباشرة.