ما هي الضوابط الشرعية للحجاب؟ وهل هناك لون أو شكل محدد للحجاب في الشرع؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هي الضوابط الشرعية للحجاب؟ وهل هناك لون أو شكل محدد للحجاب في الشرع؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، و بعد:
      الحجاب عبادة، ولكي يحقق الحكمة من مشروعيته لا بد أن تتوفر فيه الشروط أو الضوابط التالية:
أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على خلاف بين العلماء، وألا يكون شفافاً أو ضيقاً، أو فيه تشبه بالرجال أو بغير المسلمات، وألا يكون زينةً في نفسه، أو معطراً أو ملفتاً للنظر في اللون أو الشكل، وغير ذلك، فإذا تحققت هذه الشروط في أي لباس فلا مانع من التستر به.
ولا يشترط فيه لونٌ معين كالأسود، ولا شكل بعينه كالجلباب المؤلف من قطعة واحدة مثلاً، والله أعلم.

التفصيل والبيان:

      المقصود بالحجاب هنا هو: اللباس الساتر لجميع بدن المرأة وزينتها، ما عدا الوجه والكفين على خلاف بين العلماء.
وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا أن أولاً أن نرسخ في أذهان بناتنا ونسائنا أن الحجاب هو عبادةٌ وليس عادةً، والفرق بينهما:
      أن العبادة يُتوقف فيها على النصوص الشرعية وما يستنبط منها، باستثناء بعض الأحكام الخاضعة للعادة أو العرف، وأما العادة فهي خاضعة للأعراف المجتمعية، وتتبدل وتتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال.
ولذلك فمرجعنا في تحديد الشروط والضوابط الشرعية للحجاب هو ما تدل عليه الآيات والأحاديث الشريفة الواردة في هذا الموضوع صراحة أو دلالة، وليس ما اعتاد عليه الناس في مجتمع من المجتمعات في زمن معين أو مكان معين.

فسنذكر أولاً هذه النصوص الشرعية ثم نستخلص منها الضوابط الشرعية للحجاب:
  • يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].

  •  ويقول أيضاً: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ … وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور 31].

  • ويقول أيضاً: ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى﴾ [الأحزاب 33].

  • وعن أبي هرير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا» رواه مسلم. [1]

  • يقول الإمام النووي في شرح في معنى (كاسيات عاريات): “و قيل معناه: تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه، وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها) [2].
  • وعن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ». [رواه أبو داود و البيهقي]. [3]
 – فقد دلت هذه النصوص الشرعية على فرضية الحجاب ومشروعيته، وذلك لحكم عظيمة تتعلق بحفظ المرأة في نفسها وحيائها، ولصيانتها من الأذى ولعدم إظهارها للزينة في غير موضعها، ولإعانة الرجل على غض البصر وقطع الطريق على النفس والشيطان من إثارة الفتنة أو الشهوة المحرمة، ولحفظ الأخلاق والآداب العامة للمجتمع المسلم، وغير ذلك.

 

الضوابط الشرعية للحجاب:

  • أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة و زينتها، إلا الوجه والكفين فقد اختلف أهل العلم في وجوب سترهما.
  • ثانياً: أن يكون فضفاضاً لا يصف تقاسيم الجسم وشكل أو حجم الأعضاء.

  • ثالثاً: ألا يكون رقيقاً شفافاً يشف ويبين ما تحته، كلون البشرة أو شكل الأعضاء.
  • رابعاً: ألا يكون زينةً في نفسه كالعباءات المطرزة والمزخرفة أو الملونة.

  • خامساً: ألا يكون ملفتاً للنظر في الشكل أو اللون كبعض الألوان الفاقعة أو تكبير غطاء الرأس أو الأشكال الغريبة مما يرادُ به لفت أنظار الرجال إليها وإلى زينتها كما قال: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ[النور: 31].

  • سادساً: ألا يكون مطيباً بالعطور أو البخور لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا شَهِدَت إحداكنَّ المسجِدَ، فلا تمسَّ طِيبًا». [4]

  • سابعاً: ألا يكون فيه تقليد أو تشبه بلبس الرجال أو بلباس غير المؤمنات أو بلباس أهل الفسق والمعاصي من المشاهير وغيرهم كما ورد بذلك كثير من الأحاديث.

  • ثامناً: ألا يكون فيه شيء من الرموز أو الصور أو الأشكال أو الألوان أو الإضافات – كما تُسمى بالإكسسوارات – المخالفة لديننا أو المخلة بالأدب والحشمة أو التي تدعو إلى تبني أفكار منحرفة أو شاذة أو تدل على الانتماء إلى فئة أو جماعة مخالفة لعقيدتنا وأخلاقنا.

وبناءً على ما سبق:

      فيجوز لكِ أيتها الفتاة المسلمة أن تتخيّري لنفسك – ضمن الضوابط الشرعية التي سبقت – ما تشائين من أنواع وألوان اللباس أو الحجاب، ولا يشترط فيه لونٌ معين كالأسود، ولا شكل بعينه كالجلباب المؤلف من قطعة واحدة والذي يغطي كل البدن من الرأس إلى القدمين بل يمكن أن يكون مؤلفاً من أكثر من قطعة أو غير ذلك.
ولا تلتفتي إلى ما يُروجُ له من الأشكال والموضات و الموديلات الحديثة، التي تتنافى مع الحِكَم العظيمة التي شُرع لأجلها الحجاب، واستحضري دائماً أنك في عبادة تؤجرين عليها فاثبتي عليها، والله يتولاك ويرعاكِ.



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  صحيح مسلم برقم (5582) ط دار السلام الرياض الطبعة الأولى ص951 وتكرر (2128).
[2]  شرح صحيح مسلم للإمام النووي (7/ 92) ط دار الكتب العلمية.
[3] سنن أبي داود (4104)، السنن الكبرى للبيهقي رقم الحديث (3218).
[4] رواه مسلم (443) من حديث زينبَ امرأةِ ابنِ مسعودٍ. (1/ 328) ط عيسى البابي الحلبي القاهرة.