كيف نرفع الهمة لأنفسنا والإمة في حالة ضعف شديد؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نرفع الهمة لأنفسنا والإمة في حالة ضعف شديد؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على من جاء بالحق المبين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين، وبعد:

الهمة العالية هي الباعث و الدافع إلى طلب المعالي من الأمور وكرائمها، ويكون تحقيقها من خلال جملة من الخطوات، مبدؤها من التفكر في فيما خُلق الإنسان لأجله، ثم تحديد النية و العزم و السعي في تحقيقه، مع الاستعانة بالله تعالى، و الأخذ بالأسباب المادية، كالبدء بالنفس أولاً و بالإمكانات المتاحة، واجتناب أصحاب الكسل و الفراغ، و غيرهم من المثبطين و المعوقين، و مصاحبة أهل العزم و الحزم، و الاطلاع على سيرهم و أحوالهم و الاقتداء بهم، و المسارعة في تحقيق الغايات دون الركون إلى اليأس أو التشاؤم أو الوقوف عند العقبات، مع المتابعة و المراجعة للأعمال، و المحاسبة عليها، و استشعار المراقبة و الإحسان فيها، مع المواظبة على الدعاء في كل المراحل و الأحوال؛ وبذلك يصل الإنسان إلى ما يرجوه من الفضائل و النوال. و الله أعلم

البيان و التفصيل:

الهمّة في اللّغة مثلُ الهمّ وكلاهما اسم لما هممت به، وهَمَّ بالشيءَ : نَوَاهُ وأَرادَه وعزَم عَلَيْهِ
والهَمَّةُ والهِمَّةُ: مَا هَمَّ بِهِ مِنْ أَمر لِيَفْعَلَهُ.
والهُمَامُ: الملكُ الْعَظِيمُ الهِمّة، وَقِيلَ: لأَنه إِذا هَمَّ بأَمرٍ أَمْضاه لَا يُرَدُّ عَنْهُ بَلْ يَنْفُذ كَمَا أَراد. (1)

وعرف بعضهم علو الهمة بأنه: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور.
و يقول الراغب الأصفهاني: ( و الكبير الهمة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه؛ فلا يصير عبد عاريةٍ ببطنه وفرجه؛ بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة فيصير من أولياء الله و خلفائه في الدنيا و من مجاوريه في الآخرة)(2)

وعن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها»(3)

بعد هذه المقدمة المهمة في معنى الهمة، نذكر جملةً من الأمور والخطوات العملية لرفعها و علوها:

أولاً – التفكر في دورك في الحياة ومهمتك ولماذا خُلقت، يقول الله تعالى : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾[المؤمنون 115-116]
يقول ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية :” وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ أَيْ: أَفَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ عَبَثًا بِلَا قَصْدٍ وَلَا إِرَادَةٍ مِنْكُمْ وَلَا حِكْمَةٍ لَنَا، ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: لَا تَعُودُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [الْقِيَامَةِ: ٣٦] ، يَعْنِي هَمَلًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ أَيْ: تقدَّس أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا عَبَثًا، فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ”.[المؤمنون 115]

ثانياً – النية مع الجزم والحزم، والعزم على تحقيق الغاية التي خلق الإنسان لأجلها، وهي عبادة الله وحده، و خلافته في أرضه، على وفق منهجه. كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات 56]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة 30]

ثالثاً – الاستعانة بالله تعالى: يقول ابن القيم في كتابه القيم “مدارج السالكين”: (ومن منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: منزلة الهمّة…ثم عرفها بقوله: والهمّة فِعْلةٌ من الهمِّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خَصُّوها بنهاية الإرادة. فالهَمُّ مبدؤها، والهِمّة نهايتها.)(4)

رابعاً – البدء بالنفس و إصلاحها: كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد 11]

خامساً – البدء بالإمكانيات المتاحة بين يديك و لا تنتظر إلى أن تتهيأ لك الأمور بشكل كامل ؛ فهذا لن يحصل

سادساً – البعد عن مخالطة الناس التافهين وأصحاب الكسل و الفراغ والمثبطين والمُعوِّقين يقول الله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب 18-19]

سابعاً – مصاحبة أصحاب الهمم العالية، ومطالعة سير العظماء و الاقتداء بهم، يقول الله تعالى: ﴿وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود 120]

ثامناً – ترك التشاؤم، وعدم الاستسلام واليأس من إصلاح النفس أو المجتمع: فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا قَالَ الرجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ». رواه مسلم.(5)
وعنه- رضي الله عنه – أيضاً أنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ. وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدرُ اللهِ، وَمَا شَاءَ فَعلَ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ». رواه مسلم(6)

تاسعاً – المسارعة والمسابقة، وعدم التهاون في السير نحو تحقيق الأهداف بعد وضعها وتحديدها: كمل قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران 133] ، وقوله تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد 21]

عاشراً – وضع برنامج للمراجعة والمحاسبة، والتقييم لمسيرتك: يقول تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة 105]

بناء على ما سبق:

فأوصيك أيها الأخ الكريم: بالعمل قدر المستطاع بالخطوات التي ذكرناها أعلاها، مع الإكثار من الدعاء و الالتجاء إلى الله تبارك و تعالى؛ فالأمر كله بين يديه سبحانه، و هذا كان حال نبينا صلى الله عليه و سلم إذ كان كثيراً ما يدعو الله فيقول : ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ” رواه مسلم، و الحمد لله رب العالمين

المراجع و المصادر :

  1. لسان العرب لابن منظور [12\620]
  2. كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة: للمؤلف أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني، الطبعة الأولى بيروت، صفحة (190)
  3. شعب الإيمان للبيهقي : [10\373] رقم ( 7648)
  4. مدارج السالكين في منازل السائرين: المؤلف: أ ابن قيم الجوزية، دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)، الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ – ٢٠١٩ م ، [3\360]
  5. صحيح مسلم :  [8\36] (2623)
  6. صحيح مسلم :  [8\56] (2664)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ