ما هي أحكام طهارة الحيوانات الأليفة؟

 يجيب عن السؤال الشيخ محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ما هي أحكام طهارة الحيوانات الأليفة؟

الجواب

 

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن حاجة الإنسان إلى الحيوان لم تزل منذ قديم الأزمان، فعلى ظهورها يحمل الإنسان أغراضه وحاجاته ويتخذها للركوب في أسفاره وتحركاته،

قال تعالى: {والذي خلق لكم الأزواك كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون} [الزخرف: 12].

فهو لا ينفك محتاجاً إليها، إلى أن جاء عصر النهضة، فظهرت المركبات من سيارات، فتخلى الناس عن ركوب الدواب وانتقلوا إلى غيرها.

ومن الأمور المألوفة في عصر صدر الإسلام تربية الطيور ولعب الصبيان بها، وقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيم، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟!! نغر كان يلعب به(1). والنغير: طائر صغير أحمر المنقار. وكذلك القطط، فقد جاء في الحديث الذي رواه والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم، من حديث كبشة بنت كعب بن مالك: أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرةٌ تشرب، فأصغى لها الإناءَ حتى شربت. قالت كبشةُ فرآني أنظُر إليه! فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت نعم،

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح(2).

ولكن بعض الناس توسعوا في تربية الحيوانات الأخرى كالكلاب في بيوتهم لظروف وأسباب بعضها نفسي وبعضها اجتماعي. وانتقل ذلك الأمر إلى المجتمع المسلم بحكم الخلطة والجوار والعيش في بيئات وبلاد غير المسلمين. والمشاهد أن تربية الحيوانات وبالخصوص الكلاب انتشرت في أيامنا هذه انتشاراً كبيراً، بل وأصبح لها محلات بيع حتى في البلاد المسلمة، فكان لابد من الحديث عنها، وبحث أحكامها.

فنقول وبالله التوفيق:

الحيوانات الأليفة أو الداجنة، على نوعين:

 

  • النوع الأول:

حيوانات داجنة مأكولة اللحم. كالأغنام، والطيور، ونحوها، فروثها نجس على معتمد المذهب، قال الرافعي: “القسم الثاني: كالدم، والبول، والعذرة وهذه الأشياء: نجسة من الآدمي، ومن سائر الحيوانات المأكول منها وغير المأكول، أما في غير المأكول فبالإجماع، وأما في المأكول فبالقياس(3)، وقال النووي: “واما بول الحيوانات لمأكولة وروثها فنجسان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما”(4).

 

  • النوع الثاني:

حيوانات داجنة غير مأكولة اللحم طاهرة، وردت الرخصة من الشارع فيها، كالقطط، فدل الحديث السابق على أن لمس القطط ومداعبتها لا ينقض الوضوء ولا يوجب غسل اليد ولا غيرها، والقط من الحيوانات الطاهرة.

 

  • النوع الثالث:

حيوانات داجنة غير مأكولة اللحم نجسة، كالكلاب، والمرخص فيه منها كلب الصيد المعلم لمن يصيد به أما اتخاذه ممن لا يصيد به فحرام(5)، الأصل فيه قول الله تعالى: {قل أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوارح مكلبين، تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم وأذكروا اسم الله عليه} [المائدة: 4]. وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز الاصطياد بالكلب المعلم ويحل صيده بشروط مبينة في موضعها من كتب الفقه. فالكلب أيا كان نوعه أو وصفه، فهو نجس العين على المذهب الشافعي، فشعره وريقه فضلاً عما يخرج منه كل ذلك نجاسة مغلظة، توجب التسبيع في تطهيرها. وحتى كلب الصيد، ينبغي لمن يصطاد به أن لا يباشر لمسه بيده، بل يجعل على يده حائلاً ويصلي بثياب غير التي باشرت أو لامست الكلب. بل ناقش الفقهاء الشافعية مسألة طهارة الموضع الذي جرحه الكلب من الصيد (الفريسة) على قولين، قول بالعفو، وقول بتسبيع موضع الجرح وتعفيره بالتراب(6).

 

فعلم من هذه الأحكام الشرعية أن تربية الحيوانات الأليفة لها أحكامها الشرعية، فينبغي للمسلم أن يعرفها ويعلمها، ولا يقع فريسة للتقليد الأعمى، وليكبح الإنسان من رغباته ما استطاع، فتربية الكلاب خصوصاً ورد فيها تحذير ووعيد شديد، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاري نقص من عمله كل يوم قيراطان)(7).

فعلام يذهب المسلم أجره لرغبة نفسية لا تقدم ولا تؤخر، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. والله الموفق والهادي سواء السبيل.

 

 

 

الهوامش:

1-   البخاري، صحيح البخاري: حديث رقم 6203؛ مسلم، صحيح مسلم: حديث رقم 2150.

2-   الإمام مالك، الموطأ: 1/304، حديث 61؛ الترمذي، سنن الترمذي: 1/151، حديث 92؛ أبوداود، سنن أبي داود: 1/19، حديث 75؛ النسائي، سنن النسائي الصغرى: 1/55، حديث 68؛ ابن ماجه، سنن ابن ماجه: 1/131، حديث 367.

3-   الرافعي، العزيز شرح الوجيز: 1/ 35-36.

4-   النووي، المجموع شرح المهذب: 2/ 548.

5-   النووي، الروضة: 3/352؛ الإسنوي، المهمات: 5/38.

6-   الرافعي، العزيز: 12/16؛ البغوي، التهذيب، 8/18؛ العز بن عبدالسلام، الغاية في اختصر النهاية: 7/258.

7-   مسلم، صحيح مسلم: 3/ 1201.