فضلا تشرحوا لي المقصود بهذه المصطلحات: الطوال والمئين والمثاني والمفصل؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد أنس الموسى  

السؤال

فضلا تشرحوا لي المقصود بهذه المصطلحات: الطوال والمئين والمثاني والمفصل؟

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لَقَّب العلماء السور القرآنية مجمَلةً بألقاب صَنَّفت السورَ إلى أربعة أصناف هي: الطُّوَلُ (الطِّوَال) وَالْمِئُونَ وَالْمَثَانِي وَالْمُفَصَّلُ.

ولعل العلماء اعتمدوا على الحديث المروي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وفيه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتَانِي رَبِّي ‌السَّبْعَ ‌الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَالْمِئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ». (1)

وعَنْ ‌وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَمَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينَ، وَمَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، ‌وَفُضِّلْتُ ‌بِالْمُفَصَّلِ». (2)

أمَّا المقصود بهذه المصطلحات:

أولاً: الطِّوال أو الطُّوَل:

  سُمِّيَتْ طُوَلًا أو طِوالاً؛ لِطُولِهَا، وهي سبع سور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف. فهذه ستة، واختلفوا في السابعة أهي: الأنفال وبراءة معاً، لعدم الفصل بينهما بالبسملة، أم هي سورة يونس؟ وإذا علمنا أن عدد آيات سورة الأنفال خمس وسبعون آية، فإن مجموع آيات سورة الأنفال وبراءة يكون مائتين وأربع آيات، فيناسب أن تكون سورة الأنفال والتوبة مجتمعتين من الطوال.
وعلل الزركشي في البرهان سبب جعل سورة التوبة والأنفال سورة واحدة، فقال: ” السَّبْعُ الطُّوَلُ أَوَّلُهَا الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةُ لِأَنَّهُمْ كانوا يعدون الأنفال وبراءة سُورَةً وَاحِدَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا جَمِيعًا فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ عَدَّ السَّبْعَ الطول البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس”. (3)

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] قَالَ: «هِي السَّبْعُ الطِّوَالُ». (4)

وعَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ هِيَ ‌السَّبع ‌الطوَال الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف وَيُونُس. وَقَالَ مُجَاهِد هِيَ ‌السَّبع ‌الطوَال. (5)

وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم شَيْئاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَثَرَ الْوَجَعِ عَلَيْكَ بَيِّنٌ، قَالَ: “إِنِّي عَلَى مَا تَرَوْنَ، قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ السَّبْعَ الطِّوَالَ”. (6)

ملحوظة: الشائع في “‌السبع ‌الطِّوال” أنها بكسر الطاء، غير أن الزركشي قال: الطُّوَل: بضم الطاء جمع طُولى، كالكُبَر جمع كُبرى، قال أبو حيان التوحيدي: وكسر الطاء مرذول “. (7)

ثانياً: الْمِئُونَ:

 ما ولي السبعَ الطُّوَل، وسميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها، تزيد، أو تنقص شيئاً، وهي تنتهي بسورة القصص. (8)

ثالثاً: الْمَثَانِي:

 هي ما ولي المئين، وتنتهي بانتهاء سورة (ق) (على خلاف في ذلك كما سيأتي). وقد تسمى سُوَرُ القرآن كلُّها مثاني، ومنه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ‌مُتَشَابِهًا ‌مَثَانِيَ ﴾ [الزمر: 23]، وقوله تعالى: ﴿‌وَلَقَدْ ‌آتَيْنَاكَ ‌سَبْعًا ‌مِنَ ‌الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]

ولقد سمي القرآن كلُّه مثاني، لأن الأنباء والقَصص تثنَّى فيه. ويقال: إن المثاني في قوله تعالى:
﴿‌وَلَقَدْ ‌آتَيْنَاكَ ‌سَبْعًا ‌مِنَ ‌الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]  هي آيات سورة الحمد (الفاتحة) سماها مثاني؛ لأنها تثنى في كل ركعة. (9)

وقال ابن رجب الحنبلي : ” وسُمِّي مثاني قيل: لأنَّه يتلوُ المئين، فكأنَّ المئين أوائل وهذه ثواني. وقيل: لأنَّه تُثنَّى فيه القَصَصُ والأمثالُ والفرائضُ والحدودُ”. (10)

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ السُّورَةُ الَّتِي آيُهَا أَقَلُّ من مائة لْأَنَّهَا تُثَنَّى أَكْثَرَ مِمَّا يُثَنَّى الطُّوَالُ وَالْمِئُونَ. أي تطوى بالقراءة. (11)

وقد سأل ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: ‌مَا ‌حَمَلَكُمْ ‌عَلَى ‌أَنْ ‌عَمَدْتُمْ ‌إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ…؟ (12)

رابعاً: الْمُفَصَّلُ:

 هو أواخر القرآن أو ما يلي المثاني من قصار السور، وَآخِرُهُ سُورَةُ النَّاسِ بِلَا نِزَاعٍ، سمي مفصَّلاً؛ لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لقلَّة المنسوخ فيه، وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ. (13)

عن سعيد بن جُبَير قال: سمعت ابن عباس قال: ‌إن ‌الذي ‌تَدْعُونه ‌المفَصَّلَ ‌هو ‌المُحْكَم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأتُ المحكَم”. (14)

 

تنبيه: 

وقع الخلاف في تحديد أول المفصل على اثني عشرة قولاً هي:

1- الجاثية. 2- القتال. 3- الحجرات. 4- ق. 5- الصافات. 6- الصف. 7- تبارك. 8- البينة. 9- الرحمن. 10- الإنسان. 11- سبَّح. 12- الضحى.

وقال الزركشي: والصحيح عند أهل الأثر أن أوله: (ق). (15) ويؤيد هذا ما جاء في حديث أوس بن حذيفة وفيه قال: “فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً، وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَاف حَتَّى يُخْتَمَ. (16) ومجموع ما سبق يساوي (48) سورة وما بعده يأتي سورة (ق).

وتفصيله: ثلاث: البقرة وآل عمران والنساء. وخمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة. وسبع: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل. وتسع: سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان. وإحدى عشرة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس. وثلاث عشرة: الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال والفتح والحجرات. ثم بعد ذلك حزب المفصل وأوله سورة (ق). (17)

فائدة: لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ؛

 فطواله: من أول الحجرات إلى سورة البروج. وأوساطه: من سورة الطارق إلى سورة لم يكن. وقصاره: من سورة إذا زلزلت إلى آخر القرآن. (18)

 

ملحوظة: الفاتحة بناء على ما سبق هي من قِسْمِ المثاني، لأنَّها ليست من ‌السَّبْعِ ‌الطِّوالِ، وليست من المئين، ولا من المفصَّل، فتعيَّن أنَّها من المثاني؛ وقد سمَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم السبع المثاني؛ لاختصاصها من بين بقيَّة سُور المثاني بمعاني أُخر تقتضي أنَّها أحَقّ بهذا الاسم من غيرِها من السُّور كتثنيتِها في الصلاة وغير ذلك، فصارت نوعًا مستقلاً بنفسِه فلذلك سُمِّيت: «السبع المثاني»، مع أنَّ في لفظ التِّرمذيِّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: «تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا»؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ»؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ القُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ المَثَانِي ‌وَالقُرْآنُ ‌الْعَظِيمُ ‌الَّذِي ‌أُعْطِيتُهُ». (19)
وأخيراً: ذكر المراغي في تفسيره: أنَّ الناظر إلى ترتيب السور كلِّها في المصحف يرى أنه قد روعي في ترتيبها الطُّولُ والتوسط والقِصرُ في الجملة، ليكون ذلك أعون على التلاوة وأسهل في الحفظ؛ فالناس يبدؤون بقراءته من أوله فيكون الانتقال من ‌السبع ‌الطوال إلى المئين فالمثاني فالمفصل أنفى للملل وأدعى إلى النشاط، ويبدؤون بحفظه من آخره لأن ذلك أسهل على الأطفال ولأنه قد روعي التناسب في معانى السور مع التناسب في مقدار الطول والقصر”. (20)

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):ينظر: المعجم الكبير للطبراني (8003) بزيادة الطوال بعد السبع، وفي المعجم الكبير أيضاً عن واثلة في الحديث رقم: (186) (187) لا توجد

زيادة الطوال، كما خلت رواية الطبراني عن أبي أمامة من لفظة (وَمَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ).
(2):مسند أبي داود الطيالسي (1105)؛ مسند أحمد بن حنبل (16982)؛ شعب الإيمان للبيهقي (2192) وليس عندهم لفظة (الطوال). وزيدت هذه اللفظة في “فضائل القرآن” لأبي عبيد القاسم بن سلام، باب فضائل السبع الطوال ص225.
(3): ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/244)؛ مناهل العرفان للزرقاني (352)؛ الأساس في التفسير سعيد حوى (1/53)؛ الزيادة والإحسان في علوم القرآن محمد بن أحمد عقيلة (2/28)؛ كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/990).
(4): المعجم الكبير للطبراني (11038).
(5):البيان في عد آي القرآن أبو عمرو الداني ص138؛ مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص394؛ تفسير ابن كثير (1/66).
(6):المستدرك للحاكم (1157)؛ صحيح ابن حبان (7291).
(7):  البرهان للزركشي ( 1/ 244).
(8): البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/244)؛ فتح الباري لابن رجب الحنبلي (7/67)؛ الإتقان في علوم القرآن (1/220)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/252)؛ الأساس في التفسير سعيد حوى (1/30)؛ الأساس في السنة سعيد حوى (4/1631).
(9):البرهان للزركشي (1/245).
(10):تفسير سورة الفاتحة لابن رجب الحنبلي ص29.
(11):الإتقان في علوم القرآن (1/220).
(12): مسند أحمد بن حنبل (499)؛ المستدرك للحاكم (3272).
(13):البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/245)؛ دراسات في علوم القرآن فهد الرومي ص107.
(14):صحيح البخاري (4748)؛ مسند أحمد بن حنبل (2283)؛ وينظر: الإتقان في علوم القرآن (1/221)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/352).
(15):البرهان في علوم القرآن للزركشي (246).
(16):مسند أحمد بن حنبل (16166).
(17): البرهان في علوم القرآن (1/247).
(18): ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/222)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/352).
(19): سنن الترمذي (2875)؛ وينظر: تفسير سورة الفاتحة لابن رجب ص29.
(20): تفسير المراغي أحمد بن مصطفى المراغي (7/69).