فوائد إيمانية من قصة آدم: بيان التسبيح والتقديس في قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} للشيخ علي هاني

يستمر الشيخ الأستاذ علي هاني في تفسيره لسورة البقرة، وفي هذا الجزء يعرض لتفسير وبيان معنى التسبيح والتقديس والفرق بينهما، وذكر الجوانب اللغوية المتعلقة بالآية، وذلك عن طريق سرد أقوال المفسرين وأهل العلم فيها.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الوا وفي {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ}
للحال والجملة حالية ، وجملة الحال مقررة للتعجب السابق ومؤكدةٌ له على طريقة قول من يجِدُّ في خدمة مولاه وه ويأمرُ بها غيرَه أتستخدمُ العُصاة وأنا مجتهدٌ فيها ونح وأتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان؟ كأنه قيل: أتستخلفُ من شأنُ ذريته الفسادُ مع وجود مَنْ ليس من شأنه ذلك أصلاً؟

والمقصودُ:
• عرضُ أحقيتِهم منهم بالخلافة وأنهم أولى بالاستخلاف
• واستفسارٌ عما رجَّحهم عليهم

والتسبيح:
تنزيه الله وتبرئته عن السوء والنقائص وعن مالا يليق به وتبعيدُه اعتقاداً وقولاً وعملاً عما لا يليق بجنابه سبحانه أي نوقع التسبيح أي التنزيه لك والإبعاد عما لا يليق بك ونبرئك عن صفات النقص وتنزيه الحق تعالى عن بادية نقص في خلق أ ورتبة مع التعظيم. ولا يستعمل إلا للّه تعالى فلا يجوز أن يسبح غير الله وإن كان منزها لأنه صار علما في الدين على أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه كما أن العبادة هي غاية في الشكر لا يستحقها سواه. قال ميمون بن مهران: “سبحان الله كلمة يعظم بها الرب ويحاشى بها من السوء”. وقال ابن عباس: “هي تنزيه لله من كل سوء”

قال الشعراوي.
والتسبيح والتنزيه لا يكونان إلا للكمال المطلق الذي لا تشوبه أية شائبة …. والكمال المطلق ه ولله سبحانه وتعالى وحده. لذلك صرف الله ألسنة خلقه عن أن يقولوا كلمة سبحانك لغير الله تعالى. فلا تسمع في حياتك أن إنسانا قال لبشر سبحانك
روى أب وذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل ؟ قال: “ما اصطفى الله لملائكته أ ولعباده سبحان الله وبحمده”. أخرجه مسلم.

وقال القرطبي:
قوله تعالى: {ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي ننزهك عما لا يليق بصفاتك. والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على وجه التعظيم

مشتق:
أ- من السبح وه والمر والذهاب السريع في الماء أ وفي الهواء قال تعالى: [إن لك فى النهار سبحا طويلا]، فالمسبح مسرع وجار في تنزيه اللّه تعالى في وتبرئته من السوء.
ب- من سبَح في الأرض والماءِ إذا أبعدَ فيهما وأمعن، ومنه فرسٌ سَبُوحٌ أي واسع الجرْي قال الطبرسي: وأصل اللفظة من المباعدة من قولهم سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها ومنه قال بعضهم: إذا ذهب فيها وأبعد
ت- أن يكون سبح بمعنى نسب للسبح أي البعد وأريد البعد الاعتباري وه والرفعة أي التنزيه عن أحوال

الحمد:
ووصفه بما يليق به من صفات الكمال والثناء والثناء ناشىء عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى

الباء:
والباء في (بحمدك) للملابسة ولاستدامة الصحبة والمعية كما تقول: جاء زيد بثيابه وكقوله تعالى: {وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر} متعلقةٌ بمحذوفٍ وقع حالاً من الضمير، أي نوقع التنزيه لك والإبعاد عن كل ما لا يليقُ بشأنك ونبرئك عن صفات النقص متلبّسين بحمدك أي حامدين حال إثباتنا لك صفات الكمال على ما أنعمت به علينا من فنون النعم التي من جملتها توفيقُنا لهذه العبادة أي نسبح تسبيحا مصحوبا بالحمد لك ونخلط التسبيح بالحمد ونصله به

الاضافة في {بحمدك}:
وإضافة الحمد: إما إلى الفاعل والمراد لازمه مجازا من التوفيق والهداية
وإلى المفعول ـ وه والراجح ـ أي متلبسين بحمدنا لك نح وقوله: من دعاء الخير.

فوائد:
قال الإمام الرازي في حكمة ذكر الحمد بعد التسبيح:
المعنى أنا إذا سبحانك فنحمدك سبحانك يعني ليس تسبيحنا تسبيحاً من غير استحقاق بل تستحق بحمدك وجلالك هذا التسبيح

معنى التقديس:

أ. أصل التقديس التطهير أن نطهرك عن النقائص وكل سوء ومنه الأرض المقدسة وروح القدس، وضده التنجيس. قال التحرير: والتقديس التنزيه والتطهير وه وإما بالفعل وإما بالاعتقاد
ب. ونصفك بما يليق بعزك وجلالك من العل ووالعظمة والتعظيم. قال بعضهم: تمجيده وتعظيمه وتطهير ذكره عما لا يليق به وقال بعضهم: أي نعظم أمرك ونطهر ذكرك مما نسبه إليك الملحدون قال الطبرسي: والسبوح المستحق للتنزيه والتعظيم قال ابن عطية: وقال آخرون: {ونقدس لك} معناه ونقدسك أي نعظمك ونطهر ذكرك عما لا يليق به. قاله مجاهد وأب وصالح وغيرهما. قال الحرالي: القدس طهارة دائمة لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن.
ت. أي نطهر كل شيء نقدر عليه من نفوسنا وغيرها أي نطهر أنفسنا لك قول مجاهد نطهر أنفسنا من ذنوبنا وخطايانا ابتغاء لمرضاتك.

قال ابن عطية:
{ونقدس لك} قال الضحاك وغيره: معناه نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك، والتقديس التطهير بلا خلاف، ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة، ومنه بيت المقدس، ومنه القدس الذي يتطهر به، قدمه ابن عطية

من الذهاب والإبعاد قال أب والسعود: وكذلك تقديسُه تعالى من قدَّسَ في الأرض إذا ذهَب فيها وأبعدَ، ويقال: قدَّسه أي طهَّره، فإن مُطَهِّر الشيءِ مُبعِدُه عن الأقذار

الفرق بين التسبيح والتقديس:
قال الآلوسي: والتقديس في المشهور كالتسبيح معنى وأحتاجوا لدفع التكرار:
أ- إلى أن أحدهما باعتبار الطاعات والآخر الاعتقادات
ب- وقيل: التسبيح تنزيهه تعالى عما لا يليق به والتقديس تنزيهه في ذاته عما لا يراه لائقا بنفسه فه وأبلغ ويشهد له أنه حيث جمع بينهما آخر نح وسبوح قدوس
ت- ويحتمل أن يكون بمعنى التطهير والمراد نسبحك ونطهر أنفسنا من الأدناس وأفعالنا من المعاصي فلا نفعل فعلهم من الإفساد والسفك أ ونطهر قلوبنا عن الإلتفات إلى غيرك

قال أب وحيان:
التقديس: التطهير، ومنه بيت المقدس والأرض المقدسة، ومنه القدس:
السطل الذي يتطهر به، والقداس: الجمان، قال الشاعر:
كنظم قداس سلكه متقطع وقال الزمخشري: من قدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد.

قال أب وحيان:
ومعنى التقديس كما ذكرنا التطهير، ومفعوله أنفسنا لك من الأدناس، قاله الضحاك وغيره، وأفعالنا من المعاصي، قاله أب ومسلم، والمعنى:
نكبرك ونعظمك. قاله مجاهد وأب وصالح، ونصلي لك، ونتطهر من أعمالهم يعنون بني آدم. حكى ذلك عن ابن عباس، ونطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك

قال ابن كثير:
وقال مجاهد: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال: نعظمك ونكبرك.
وقال الضحاك: التقديس: التطهير.
وقال محمد بن إسحاق: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال: لا نعصي ولا نأتي شيئًا تكرهه.
وقال ابن جرير: التقديس: والتعظيم والتطهير، ومنه قولهم: سُبُّوح قُدُّوس، يعني بقولهم: سُبوح، تنزيه له، وبقولهم: قدوس، طهارة وتعظيم له. ولذلك قيل للأرض: أرض مقدسة، يعني بذلك المطهرة. فمعنى قول الملائكة إذًا: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهلُ الشرك بك {وَنُقَدِّسُ لَكَ} ننسبك إلى ما ومن صفاتك، من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك. [وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل ؟ قال: “ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده” (1) وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحًا في السماوات العلا “سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى” (2)]

قال أب وزهرة:
(ونحن نسبح بحمدك أي نحن نذكرك مديمين بحمدك على ما أنعمت، لأن ذاته العلية تستحق الحمد في ذاته، ونقدس لك وأي نعظمك وننزهك لك أنت

قال الأمثل:
أمّا ما ه ومعنى التقديس؟ البعض يرى أنه عبارة عن تنزيه الله عزّ وجلّ عن كل نقص. ومعنى التسبيح المتقدم. ولكن آخرين ذهبوا إلى ان التقديس من مادة «قدس» أي تطهير الارض من الفاسدين والمفسدين. وتطهير النفس من كل رذيلة. وتطهير الجسم والروح للّه. والشاهد على ذلك كلمة «لك»، في جملة «نقدس لك» لأن الملائكة لم يقولوا «نقدسك» بل «نقدس لك»، أي تطهر المجتمع والارض لك.

قال الطبرسي:
سبح الحجيج وكبروا إهلالا وقوله « ونقدس لك » أي ننزهك عما لا يليق بك من صفات النقص ولا نضيف إليك القبائح فاللام على هذا زائدة نقدسك وقيل نقدس لك أي نصلي لأجلك وقيل نطهر أنفسنا من الخطايا والمعاصي

قال ابن القيم:
فالقدوس المنزه من كل شر ونقص وعيب كما قال أهل التفسير: والطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به وهذا قول أهل اللغة وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة ومنه بيت المقدس لأنه مكان يتطهر فيه من الذنوب ومن أمه لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه ومنه سميت الجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا ومنه سمي جبريل روح القدس لأنه طاهر من كل عيب ومنه قول الملائكة {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}:
1. فقيل المعنى ونقدس أنفسنا لك فعدى باللام وهذا ليس شيء والصواب أن المعنى نقدسك وننزهك عما لا يليق بك هذا قول جمهور أهل التفسير،
2. وقال ابن جرير: “ونقدس لك ننسبك إلى ما ه ومن صفاتك من الطهارة من الأدناس ومما أضاف إليك أهل الكفر بك” قال
3. وقال بعضهم: “نعظمك ونمجدك” قاله أب وصالح،
4. وقال مجاهد: “نعظمك ونكبرك” انتهى
5. وقال بعضهم ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك
واللام فيه على حدها في قوله: {رَدِفَ لَكُمْ} لأن المعنى تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله قلت ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم نسبح بحمدك

قال الشوكاني:
والتقديس: التطهير، أي: ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون، وافتراه الجاحدون. وذكر في الكشاف: « أن معنى التسبيح، والتقديس واحد، وهو: تبعيد الله من السوء، وأنهما من سبح في الأرض والماء، وقدّس في الأرض إذا ذهب فيها، وأبعد. وفي القاموس، وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه، والتأسيس خير من التأكيد خصوصاً في كلام الله سبحانه.

قال الشوكاني:
والتقديس: التطهير، أي: ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون، وافتراه الجاحدون
قال المراغي: والتقديس: إثبات ما يليق من صفات الكمال

قال الجلال:
“وَنُقَدِّس لَك” نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِك فَاللَّام زَائِدَة

قال الطبرسي:
والقدوس المستحق للتطهير والتقديس التطهير ونقيضه التنجيس والقدس السطل الذي يتطهر منه وقد حكى سيبويه أن منهم من يقول سبوح قدوس بالفتح والضم أكثر في الكلام والفتح أقيس لأنه ليس في الكلام فعول إلا ذروح
وقد تقدم الكلام في “نحن”، ولا يجوز إدغام النون في النون لئلا يلتقي ساكنان.
وقال القرطبي: قوله تعالى: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون، قاله مجاهد وأب وصالح وغيرهما. وقال الضحاك وغيره: المعنى نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك. وقال قوم منهم قتادة: “نقدس لك” معناه نصلي. والتقديس: الصلاة. قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
قلت: بل معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: “سبوح قدوس رب الملائكة والروح”. روته عائشة أخرجه مسلم. وبناء “قدس” كيفما تصرف فإن معناه التطهير، ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة: 21] أي المطهرة. وقال: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] يعني الطاهر، ومثله: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه: 12] وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر، ومنه قيل للسطل: قَدَس، لأنه يتوضأ فيه ويتطهر، ومنه القادوس. وفي الحديث: “لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها”. يريد لا طهرها الله، أخرجه ابن ماجة في سننه. فالقدس: الطهر من غير خلاف، وقال الشاعر:
فأدركنه يأخذن بالساق والنسا …. كما شبرق الولدان ثوب المقدس
أي المطهر. فالصلاة طهرة للعبد من الذنوب، والمصلي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال، والله أعلم

قال القاسمي:
وقوله: {نُقَدِّسُ لَكَ} أي: نصفك بما يليق بك من العل ووالعزّة وننزّهك عمّا لا يليق بك. وقيل: المعنى نُطَهّر نفوسنا عن الذنوب لأجلك، كأنهم قابلوا الفساد الذي أعظمه الإشراك بالتسبيح. وسفك الدماء الذي وتلويث النفس بأقبح الجرائم، بتطهير النفس عن الآثام. لا تمدحاً بذلك، ولا إظهاراً للمنة، بل بيانا للواقع.

قال الشعراوي.
والتقديس والتطهير …. مأخوذ من الْقَدَس والدل والذي كانوا يتطهرون به. ولذلك نحن نقول سُبّوح قُدوس. سُبّوح أي مُنزه عن كل ما لا يليق بجلاله. وقدوس. أي مُطَهَّرْ …. التسبيح يحتاج إلى مُسبِّح. وإلى ما نسبحه. والملائكة قالوا: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ}.

قال الشعراوي.
وهذا تسبيح وتنزيه لله سبحانه وتعالى …. والتسبيح والتنزيه لا يكونان إلا للكمال المطلق الذي لا تشوبه أية شائبة … والكمال المطلق ه ولله سبحانه وتعالى وحده. لذلك صرف الله ألسنة خلقه عن أن يقولوا كلمة سبحانك لغير الله تعالى. فلا تسمع في حياتك أن إنسانا قال لبشر سبحانك. وهكذا صرفت ألسنة الخلق عن أن تسبح لغير الله سبحانه وتعالى. وقول الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} كأن نقول سبحان الله وبحمده. ومعناها تنزيه لله سبحانه وتعالى في ذاته … فلا تشبّه بذات. وفي صفاته. فلا تشبّه بصفات وفي أفعاله. فلا تشبه بأفعال …. ولكن ما معنى كلمة وبحمده؟ معناها أننا ننزهك ونحمدك. أي يا رب تنزيهنا لك نعمة. ولذلك فإني أحمدك على أنك أعطيتني القدرة لأنزهك …. والتقديس ه وتطهير الله سبحانه وتعالى من كل الأغيار. ولأنك يا ربي قدوس طاهر. لا يليق أن يرفع إليك إلا طاهر. ولا يليق أن يصدر عمن خلقته بيديك إلا طاهر ….
إنه عرّفنا معنى نسبح بحمدك ونقدس لك.

قال الطوسي:
واصل التقديس: التطهير ومنه قوله: الارض المقدسة أي المطهرة
قال الشاعر:
فادركنه يأخذن بالساق والنسا
كما شبرق الولدان ثوب المقدس(1)
أي المطهر
وقال قوم: معنى نقدس لك: نصلي لك وقال آخرون: نقدس انفسنا من الخطايا والمعاصي وقال قوم: نطهرك من الادناس أي لا نضيف اليك القبائح والقدس: السطل الذي يتطهر منه أي يقدس ويوصف تعالى بأنه قدوس سبوح أي سبحانه أن يكون شريكا لغيره طاهر من كل عيب.

قال تبيين كلمات القرآن شيعي :
ونقدس لك} أي نطهر الأرض من الأدناس لأجلك، مِن (قدّسه) إذا ذكر طهارته عن الأدناس

قال النورسي:
{ونقدس لك} أي نقدسك أ ونطهر أنفسنا وأفعالنا من الذنوب وقلوبنا من الالتفات إلى غيرك فالوا وللجمع بين الفضيلتين أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي فيكون بجانب الوا والأول

قال القاسمي:
وقوله تعالى: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي: ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك، ملتبسين بحمدك على ما أنعمت به علينا من فنون النعم التي من جملتها توفيقنا لهذه العبادة.

قال الشعراوي.
وقول الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} كأن نقول سبحان الله وبحمده. ومعناها تنزيه لله سبحانه وتعالى في ذاته … فلا تشبّه بذات. وفي صفاته. فلا تشبّه بصفات وفي أفعاله. فلا تشبه بأفعال … ولكن ما معنى كلمة وبحمده؟ معناها أننا ننزهك ونحمدك. أي يا رب تنزيهنا لك نعمة. ولذلك فإني أحمدك على أنك أعطيتني القدرة لأنزهك … والتقديس ه وتطهير الله سبحانه وتعالى من كل الأغيار. ولأنك يا ربي قدوس طاهر. لا يليق أن يرفع إليك إلا طاهر. ولا يليق أن يصدر عمن خلقته بيديك إلا طاهر …
إنه عرّفنا معنى نسبح بحمدك ونقدس لك.

قال النورسي:
أما {نسبح بحمدك ونقدس لك} فكلمة جامعة أي نعبدك [1] في الكائنات بأنواع العبادات ونعتقد تنزهك عما لا يليق بجنابك بتوصيفك بأوصاف الجلال وما ه وإلا من نعمك المحمودة عليها ونقول سبحان الله وبحمده ونحمدك ونصفك بأوصاف الجلال والجمال

الفرق بين التسبيح والتقديس:
فيكون التسبيح نفى ما لا يليق، والتقديس إثبات ما يليق،

قال أب والسعود:
1. فالتسبيحُ لإظهار صفاتِ الجلالِ، والحمدُ لتذكير صفاتِ الإنعام
2. وقدم التسبيح على التقديس من باب تقديم التخلية على التحلية.
3. وفائدة الجمع بين التسبيح والتقديس طيفة في التسبيح.

قال أب وحيان:
وجاء قوله بعد:
وَنُقَدِّسُ لَكَ كالتوكيد، لأن التقديس هو: التطهير، والتسبيح هو: التنزيه والتبرئة من السوء، فهما متقاربان في المعنى

اعراب {ونحن نسبح بحمدك }
قال أب وحيان:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ: جملة حالية

حاصل معنى {نسبح بحمدك ونقدس لك}:
قال التحرير: فمعنى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} نحن نعظمك وننزهك والأول بالقول والعمل والثاني باعتقاد صفات الكمال المناسبة للذات العلية، فلا يتوهم التكرار بين نسبح ونقدس.

قال ابن عطية:
وقال آخرون: معناه التمدح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسف عليه السلام: {إني حفيظ عليم} [يوسف: 55]. قال القاضي أب ومحمد: وهذا يحسن مع التعجب الاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم {أتجعل} وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}. قال إما ابن عطية أ وأب وحيان: وإنما جاء بحمدك بعد نسبح لاختلاط التسبيح بالحمد.

الجملة الاسمية التي خبرها فعل في {نحن نسبح}
قال الآلوسي: وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للاختصاص ومن الغريب جعل الجملة استفهامية حذف منها الأداة وكذا المعادل

قال التحرير:
وأوثرت الجملة الإسمية في قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} لإفادة الدلالة على الدوام والثبات أي ووصفهم الملازم لجبلتهم،

قال التحرير:
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي دون حرف النفي يحتمل أن يكون للتخصيص بحاصل ما دلت عليه الجملة الاسمية من الدوام أي نحن الدائمون على التسبيح والتقديس دون هذا المخلوق والأظهر أن التقديم لمجرد التقوى نحوه ويعطي الجزيل. ونحن ننزهك عن كل سوء ونقيصة

قال تبيين كلمات القرآن شيعي :
{ونحن} أي اجعل الخليفة منا، فإنا لا نفسد، بل {نسبح بحمدك} أي ننزهك تنزيهاً من سبح الحمد، فإن من حمد الله تعالى فقد نزهه، كقولك ننزهك بذكر فضائلك، أ وننزهك متلبسين بحمدك فإن التنزيه ه والتبرئة عما لايليق به، والحمد ه والثناء على الجميل الاختياري

قال النورسي:
{ونحن} أي معاشر الملائكة المعصومين من المعاصي

قال النورسي:
والجملة الاسمية إشارة أن التسبيح كالسجية لهم واللازم لفطرتهم وهم له

قال النورسي:
{ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}:
أ- حال من ضمير الفاعل في أتجعل
ب- وفيها تقرير لجهة الإشكال والمعنى تستخلف من ذكر ونحن المعصومون وليس المقصود إلا الاستفسار عن المرجح
قال الأمثل:
أمّا التسبيح والحمد فمعناهما واضح، وهو تنزيه الله عزّ وجلّ من كل نقص والاعتراف له بكل كمال وجمال

صيغة المضارع في نسبح ونقدس:
قال الآلوسي: وصيغة المضارع للاستمرار

فائدة اللام في نقدس لك:
قال السامرائي: الفعل يقدس فعل متعدي يأخذ مفعولاً به دون حرف الجر اللام فنقول نقدس الله لكن الآية أدخلت اللام على الكاف فما فائدة هذه اللام؟ فائدتها للتخصيص أي التقديس لك لا لغيرك. فالملائكة لا تعصي الله ما أمرها فهي لا تقدس إلا لله بخلاف البشر الذين قد يقدسون الله ومع تقديسهم لله قد يقدسون غيره.

قال البقاعي:
(ونقدس) أي نطهر كل شيء نقدر عليه من نفوسنا وغيرها، {لك} أي لا لغيرك لعصمتنا بك، أو المعنى نوقع التقديس أي التطهير لك بمعنى أنك في الغاية من الطهارة والعل وفي كل صفة.

قال أب والسعود:
واللامُ في لك إما مزيدة والمعنى نقدّسك، وإما صلةٌ للفعل كما في سجدت لله، وإما للبيان كما في سُقياً لك، فتكون متعلقةً بمحذوف، أي نقدّس تقديساً لك أي نصِفُك بما يليق بك من العل ووالعزةِ وننزِّهُك عما لا يليق بك، وقيل: المعنى نطهِّر نفوسَنا عن الذنوب لأجلك، كأنهم قابلوا الفسادَ الذي أعظمُه الإشراكُ بالتسبيح وسفكِ الدماء الذي هو تلويثُ النفس بأقبح الجرائمِ بتطهير النفسِ عن الآثام لا تمدُّحاً بذلك ولا إظهاراً للمِنة بل بياناً للواقع. قال الحرالي: واللام تعلة للشيء لأجله كان ما أضيف به – انتهى

قال الآلوسي:
وهو متعد بنفسه ويعدى باللام إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله تعالى وخالصا لوجهه سبحانه

قال الآلوسي:
ولام لك إما للعلة متعلق بنقدس والحمل على التنازع مما فيه تنازع أو معدية للفعل كما فيسجدت لله تعالى أو للبيان كما فيسفها لكفمت علقها حينئذ خبر مبتدأ محذوف أو زائدة والمفعول هو المجرور

قال التحرير:
وفعل قدس يتعدى بنفسه فالإتيان باللام مع مفعوله في الآية لإفادة تأكيد حصول الفعل نحو شكرت لك ونصحت لك وفي الحديث عند ذكر الذي وجد كلبا يلهث من العطش فأخذ خفه فأدلاه في الركية فسقاه فشكر الله له أي شكره مبالغة في الشكر لئلا يتوهم ضعف ذلك الشكر من أنه عن عمل حسنة مع دابة فدفع هذا الإيهام بالتأكيد باللام وهذا من أفصح الكلام، فلا تذهب مع الذين جعلوا قوله لك متعلقا بمحذوف تقديره حامدين أو هو متعلق بنسبح واللام بمعنى لأجلك على معنى حذف مفعول نسبح أي نسبح أنفسنا أي ننزهها عن النقائص لأجلك أي لطاعتك فذلك عدول عن فصيح الكلام، ولك أن تجعل اللام لام التبيين التي سنتعرض لها عند قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]

قال أب وحيان:
واللام في لك قيل زائدة، أي نقدّسك. وقيل: لام العلة متعلقة بنقدّس، قيل: أو بنسبح وقيل: معدية للفعل، كهي في سجدت للّه، وقيل: اللام للبيان كاللام بعد سقيا لك، فتتعلق إذ ذاك بمحذوف دلّ عليه ما قبله، أي تقديسنا لك. والأحسن أن تكون معدية للفعل، كهي في قوله: يُسَبِّحُ لِلَّهِ «1»، وسَبَّحَ لِلَّهِ»

قال أب وزهرة:
أي: لأجل ذاتك العلية.

قال الأمثل:
ويجوز أن يكون كلمة لك متعلقة ب‍ ” نسبح ” و” نقدس ” أي نسبح بحمدك لك خالصا مخلصا بلا ريبة ولا سمعة ولا رجاء ثواب ولا خوف عقاب.

قال النظم:
وحذف المفعول للتعميم

قال الآلوسي:
فالمفعول المقدر ههنا يمكن أن يكون باللام على وفق قرينة وأن يكون بدونه كما ه وأصله

قال الآلوسي:
ثم الظاهر أن قائل هذه الجملة هو قائل الجملة الأولى وأغرب الشيخ صفي الدين الخزرجي في كتابه فك الأزرار فجعل القائل مختلفا وبين ذلك بأن الملائكة كانوا حين ورود الخطاب عليهم مجملين وكان إبليس مندرجا في جملتهم فورد الجواب منهم مجملا فلما أنفصل إبليس عن جملتهم بابإئه أنفصل الجواب إلى نوعين فنوع الأعتراض منه ونوع التسبيح والتقديس ممن عداه فأنقسم الجواب إلى قسمين كإنقسام الجنس إلى جنسين وناسب كل جواب منظهر عنه فالكلام شبيه بقوله تعالى: وقالوا كونوا هودا أ ونصارى تهتدوا وهو تأويل لا تفسير

قال الآلوسي: {إِن كُنتُمْ صادقين} أي فيما اختلج في خواطركم من أني لا أخلق خلقاً إلا أنتم أعلم منه وأفضل وهذا هو التفسير المأثور فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الملائكة قالوا: لن يخلق الله تعالى خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم، وفي الكلام دلالة عليه، فإن {وَنَحْنُ نُسَبّحُ} [البقرة: 30] الخ يدل على أفضليتهم

فوائد:

الفائدة الأولى

قال الإمام الرازي – رحمه الله – ما نصه: وقال أهل التذكير: التسبيح جاء تارة في القرآن بمعنى التنزية وأخرى بمعنى التعجب. أما الأول فجاء على وجوه:-
أنا المنزه عن النظير والشريك هو الله الواحد القهار.
أنا المدبر للسموات والأرض سبحان رب السموات والأرض.
أنا المدبر لكل العالمين سبحان الله رب العالمين.
أنا المنزه عن قول الظالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون
أنا المستغني عن الكل سبحانه هو الغني.
أنا السلطان الذي كل شيء سواى فهو تحت قهري وتسخيري فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء.
أنا العالم بكل شيء سبحان الله عما يصفون عالم الغيب.
أنا المنزه عن الصاحبة والولد سبحانه أني يكون له ولد.
أنا المنزه عن وصفهم وقولهم سبحانه وتعالى عما يشركون وعما يقولون وعما يصفون.

أما التعجب فكذلك: –
أنا الذي سخرت البهائم القوية للبشر الضعيف سبحان الذي سخر لنا هذا.
أنا الذي خلقت العالم وكنت منزهاً عن التعب والنصب، سبحانه إذا قضى أمراً.
أنا الذي أعلم لا بتعليم المعلمين ولا بإرشاد المرشدين سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.
أنا الذي أزيل معصية سبعين سنة بتوبة ساعة فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس

ثم يقول إن أردت رضوان الله فسبح وسبحوه بكرة وأصيلاً. وإن أردت الفرج من البلاء فسبح [لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين]، وإن أردت رضا الحق فسبح [ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى]، وإن أردت الخلاص من النار فسبح [سبحانك فقنا عذاب النار] أنا الذي أزيل معصية سبعين سنة بتوبة ساعة فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ثم يقول إن أردت رضوان الله فسبح وسبحوه بكرة وأصيلاً. وإن أردت الفرج من البلاء فسبح [لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين]، وإن أردت رضا الحق فسبح [ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى]، وإن أردت الخلاص من النار فسبح [سبحانك فقنا عذاب النار]
أيها العبد واظب على تسبيحي فسبحان الله فسبح وسبحوه فإن لم تفعل تسبيحي فالضرر عائد إليك لأن لي من يسبحني ومنهم حملة العرش [فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون] [فصلت: 38] ومنهم المقربون “قالوا سبحانك أنت ولينا” [سبأ: 41].

ومنهم سائر الملائكة قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا [الفرقان: 18] ومنهم الأنبياء كما قال ذوالنون “لا إله إلا أنت سبحانك” [الأنبياء: 87] وقال موسى “سبحانك إني تبت إليك” [الأعراف: 143] والصحابة يسبحون في قوله “سبحانك فقنا عذاب النار” [آل عمران: 191] والكل يسبحون ومنهم الحشرات والدواب والذرات “وإن من شيء إلا يسبح بحمده” [الإسراء: 44] وكذا الحجر والمدر والرمال والجبال والليل والنهار والظلمات والأنوار والجنة والنار والزمان والمكان والعناصر والأركان والأرواح والأجسام على ما قال “سبح لله ما في السموات” [الحديد: 1] ثم يقول أيها العبد: أنا الغني عن تسبيح هذه الأشياء … وهذه الأشياء ليست من الأحياء فلا حاجة بها إلى ثواب هذا التسبيح فقد صار ثواب هذه التسبيحات ضائعاً وذلك لا يليق بي “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً” [ص: 27] لكني أوصل ثواب هذه الأشياء إليك ليعرف كل أحد أن من اجتهد في خدمتي أجعل كل العالم في خدمته، والنكتة الأخرى اذكرني بالعبودية لتنفع به لا أنا بحمدك:

قال صاحب الكشاف “بحمدك” في موضع الحال أي نسبح لك حامدين لك، ومتلبسين بحمدك وأما المعني ففيه وجهان: –
الأول: أنا إذا سبحانك فنحمدك سبحانك يعني ليس تسبيحاً تسبيحنا من غير استحقاق بل تستحق بحمدك وجلالك هذا التسبيح.
الثاني: أنا نسبحك بحمدك … فإنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نتمكن من ذلك.

الفائدة الثانية:
قل القشيري:
ونحن نسبح: ويقال: في تسبيحهم إظهار فعلهم واشتهار خصائصهم وفضلهم ومن غفرانه لمعاصي بني آدم إظهار كرمه سبحانه ورحمته والحق سبحانه غني عن طاعات كل مطيع فلأنه ظهر بتسبيحهم استحقاق تمدحهم ثبت بالغفران استحقاق تمدح الخالق سبحانه.

 

[1] في المطبوع نعلنك