سلسلة علمني المصحف | فاستمعوا لهُ وأنصتوا | المقالة العاشرة | الشيخ أنس الموسى

 

          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علمًا ينفعنا.

وبعد:

          فتحدثنا في لقاءات سابقة عن تأثر القلوب بالقرآن وذكرنا نماذج من ذلك التأثر موضِّحين أن من أبرز أسباب هذا التأثر هو قراءة كلام الله الوحي، وقلنا إن المصحف هو وحي من الله تعالى لا مجردَ صحفٍ وأوراق ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم 4].

  • واليوم بمشيئة الله تعالى سنجيب عن سؤال آخر هو لماذا أثَّرَ القرآنُ بقلوب سلفنا الصالح ما لم يؤثر فينا، بل كان تأثيره في بعض الأحيان باشكال تدعو للغرابة؟
  • أو لماذا لم نعد نر مثل هذا التأثر بكلام الله في زماننا؟ أو لنقل ما هو الفرق بيننا وبينهم فكلنا يقرأ ذات السور، وذات الآيات التي نزلت على قلب المصطفى ﷺ؟
  • لم لا نكون مع المصحف كما كانوا؟ لم لا تذرف عيوننا كما ذرفت عيونهم، ولم لا تقشعر جلودنا كما اقشعرت جلودهم؟

﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23] ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 109] ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58]

          الحقيقة أيها الإخوة إنَّ لتأثر القلوب بالمصحف أسبابٌ كثيرة، لكنَّ هناك سببٌ هام آخر يضاف لتلك الأسباب يجعل أثر القرآن على القلوب والأبدان والأرواح أكثر، ونتائجُه أظهر وأوضح.

هذا السبب هو استشعار أن الله يخاطب عبده بهذا القرآن؛ فالفرق الأبرز بيننا وبين أصحاب رسول الله هو في العلاقة مع المصحف والنظرة إليه.

          إن أصحاب رسول الله تفاعلوا مع المصحف على أنه كلام الله الموجه لهم فكلُّ فردٍ منهم يشعر أن القرآن يخاطبه وحده يقول ابن مسعود: “إذا سمعت الله يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فأرْعها سمعكَ فإنه خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنه” 

فلسان حال أصحاب رسول الله يقول: هذه الآيات كلام الله لنا وملكُ الملوك يخاطبنا فكيف لا نرد ولا نتفاعل معه، وكيف لا نعي ولا نتدبر، بل وكيف يسعنا الإعراض!

          لأجل هذا نجد أن الصديق رضي الله تعالى عنه يسارع بالإجابة والعفو عن مسطح بل ويعيد النفقة التي قطعها عنه حين سمع قول الله عز وجل ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22] فقال: “بلى والله أحب أن تغفر لي يا رب وأعاد النفقة له بل وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا”. 

          ولذات السبب مرِض عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما به لما سمع قول الله عز وجل يخاطبه وحده ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ۞ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: 7- 8] فقال “قسَمٌ وربِّ الكعبة حق: فنزل ما نزل به من المرض بسبب قوارع تلك السورة؛ إن الفاروق شعر أن الخطاب له فتفاعل معه وتأثر.   

          ولذات السبب تحرك قلب أبي الدحداح فتخلى عن أحب جناته الغنَّاء لما سمع قول الله عز وجل ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 93] فأجاب واستجاب لمَّا أحس أن الله يخاطبه ولا يخاطب غيره.
لم يكن حال أبي الدحداح كحالنا اليوم؛ نسمع نذير الموت فنظن أن الموت كتب على غيرنا وننسى أنفسنا.

          انظروا إلى حال أبيّ بن كعب يقول له المصطفى ﷺ: «إن الله أمرني أن أقرا عليك ﴿لم يكن الذين كفروا﴾ [البيِّنَة] فجعل أبيّ يبكي ويقول: آلله سماني لك؟ قال: “الله سماك لي” فجعل أبيّ يبكي» صحيح مسلم.

          بل انظروا إلى حال المصطفى حين طلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن فلما وصل ابن مسعود على قول الله عز وجل في سورة النساء ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41] رفع ابن مسعود رأسه فإذا عينا رسول الله تذرفان..
السؤال: ما الذي أبكى المصطفى ﷺ؟ لقد سمع كلام الله يخاطبه، وأنه سيأتي ذلك اليوم الذي يكون فيه شهيدًا على أمته مع بقية الشهداء من الأمم الأخرى. 

          ولذات السبب يقرأ أبو طلحة سورة التوبة فيصل على قوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 41] فقال – وهو الرجل الذي كبِرَت سنه ورقَّ عظمه – إن ربَّنا يستنفرُنا شيوخًا وشبابًا جهزوني يا بَنِيَّ فركب البحر غازيًا في سبيل الله، فمات فلم يجدوا جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام فنزلوا في جزيرة نائية بعيدة عن الأهل والوطن فدفنوه فيها غريبًا وحيدًا.. لماذا؟
لقد سمع أبو طلحة القرآن يخاطبه سمع قول الله عز وجل ﴿انفروا﴾ موجهًا إليه فلم يتكاسل ولم يتوان عن الإجابة برغم ما فيه من الشيخوخة وكِبر السن.

          وهذا الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى – قبل أن يتوب مما ابتلي به من اللصوصية – يرتقي سور أحد البيوت سارقًا فيسمع قول الله عز وجل يتلى ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: 16] فقال “بلى والله قد آن” فنزل وجاور الحرم، وكان الفضيلُ بن عياض الذي يضرب به المثل في العبادة والصلاح؛ والسبب أنَّ آية من المصحف أشرقت بقلبه فسمعها تخاطبه وحده؛ سمعها موجهة إليه ففعلت فيه ما فعلت. 

هكذا كانوا وهذا هو الفرق بيننا وبينهم رحمهم الله ورضي عنهم جميعًا.

          كانوا يقرؤون المصحف يسمعونه يخاطبهم؛ فهذه سورة يجدون لها في نفوسهم حنينًا وشوقًا، وأخرى يسمعونها تخاطبهم فتخفق قلوبهم بسببها رهبةً وخوفًا، وتلك سورة يسارعون لقراءتها حين تنزل بهم الهموم والأحزان يبتغون بها تثبيت أفئدتهم، وتلك آية – على قصرها – إلا أنها ترتقي بأرواحهم في سلم الرجاء وطلب العفو.
وهكذا ينتقلون في رياض القرآن من آية لآية ومن سورة لسورة ومن قصة لقصة ومن مَثَلٍ لمَثَل يطوفون في ظلال المشاعر ويرفُلُونَ في نعيم المبادئ التي تتراءى لهم يسمعونها تخاطبهم بأعيانهم فيتأثرون. 

          حتى قَصص القرآن كانت تؤثِّر فيهم فتراهم يعيشون مع أبطالها فتقوى أواصر العلاقة فيما بينهم فتراهم يحزنون لحزنهم، كما حصل مع سيدنا الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه في صلاة العشاء حين قرأ سورة يوسف فلما أتى على ذكر يوسف نَشَجَ حتى سمع نشيجه علقمة بن وقاص – راوي الحادثة – وهو في آخر الصف. [1]

          – وتراهم تارة أخرى تتهلَّلُ أساريرهم فرحًا لفرحهم، يواجهون معهم الظالمين والطغاة، يصدعون معهم بكلمة الحق يوم قذفوها في صدر الباطل ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18] ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].

– يبحرون في قصة نوح عليه السلام ويستشعرون تلك السنين الطويلة التي قضاها يدعو قومه ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 14] ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: 40].

– يتراءى لهم يوسف عليه السلام، وكأن قصته تحدث معهم فيأخذون العبر من قوله ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33] فيعجبون من ذلك اللطف الجميل في تلك السورة.

– تراهم يتدبرون دعوة إبراهيم الخليل في مواجهة الشرك وتحطيم الباطل ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء 58] ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبيا: 63] ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء 69] فتعلوا همتهم ويزداد يقينهم وهم يعيشون تلك المفاصلة بين أئمة الحق وسدنة الباطل.

– ثم يطوفون مع أيوب عليه السلام؛ فتمتلئ قلوبهم ضراعةً ومناجاةً لمن بيده ملكوت كل شيء وهم يقرؤون قول الله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83] ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84].

– بل تراهم يستمعون لصوت تلك النملة بمِسْمَعِ سيدنا سليمان عليه السلام وهي تخاطب قومها ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18] فيبتسمون من قولها كما تبسَّم من قبلهم سليمان عليه السلام ويتعجبون من قدرة الله تعالى وأقداره ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19]. 

– ثم لا يلبثوا أن ترتجف قلوبهم وهم يطالعون غضب الحق ووعيده على أقوام عبدوا غيره ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31] ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72]. 

– ثم تراهم تتصدع قلوبهم وتذرف دموعهم وهم يقرؤون أحوال أهل النار في سورة الأعراف ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 50] 

– ثم لا يلبثوا أن تذرف دموعهم – وهم يعيشون في نفس السورة – مرة ثانية شوقًا للمنان وما أعده الله في الجنان لأهل التوحيد ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 44]

– ثم يجيبون من أعماق قلوبهم عن تلك الأسئلة المتكررة في سورة الرحمن ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 13] فيصيحون قائلين: ولا بشيء من آلائك ربَّنَا نكذب.

– ثم تراهم ينبهرون بعدل الشريعة وإنصافها وهم يقرؤون في سورة النساء كيف قسِّمَت المواريث بعدل عجيب منقطع النظير فأعطت كل ذي حق حقه.

– ثم تلين قلوبهم لتلك الشكوى التي يرفعها الرسول لربه سبحانه ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]

– وهكذا ينتقلون من مشهد لمشهد ومن قصة لقصة ومن عِبرة لعِبرة يدورون مع القرآن حيث دار؛ يسمعونه يخاطبهم؛ يوقظ نائمهم وينبِّه غافلهم فيتفاعلون معه وينفعلون؛ فمرة يخافون، ومرة يبكون، ومرة يحمدون ويشكرون، وتارة يركعون وأخرى يسجدون ومرة يبكون ويحزنون وأخرى يفرحون… وهكذا لا يتوقف مشهد تأثرهم بالقرآن.

– هذا هو الفرق بيننا وبينهم يصيخون السمع لقول الله تعالى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]. 

وأخيرًا أيها الإخوة: إن قراءة متدبرةً لكتاب الله تعالى تشعر فيها أنها موجَّهةٌ إليه تشفيك موعظتها وتنشلك معانيها خيرٌ من ختَمَاتٍ كثيرة وفي كلٍّ خير.

اللهم انفعنا بالقرآن العظيم واجعله لنا إمامًا ورحمة.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] شعب الإيمان للبيهقي (2/ 364) ح (2058).