سلسلة شعب الإيمان | الإيمان باليوم الآخر ج1 | المقالة العاشرة | د. محمد فايز عوض




إن الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومنكره خارج عن الإسلام. ولقد خص ذكر اليوم الآخر بمزيد من العناية والتعظيم لشأنه في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه ، وقد أجمع على ذلك المسلمون…..

      •  عناية الكتاب والسنة بالإيمان باليوم الآخر:
                   إن المتتبع لطريقة القرآن الكريم في مجادلة خصوم العقيدة؛ يجد أن الاهتمام باليوم الآخر أخذ قسطاً واسعاً من تلك الحجج والبراهين الدامغة لمنكري اليوم الآخر، وكذا في السنة المطهرة، ويتمثل ذلك فيما يلي:

1- ربط الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر:
           كما قال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[البقرة، 177] وكذا قوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[البقرة، 62] فنحن نرى كيف ربط الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر, وجعله في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله.

           فلا إيمان إذاً للشخص وإن قال أنه مؤمن بالله حتى يؤمن باليوم الآخر كإيمانه بالله تعالى، وإن المفرق بينهما لا حظَّ له من الإيمان وإن ادعاه، 

ويتمثل كذلك ربط الإيمان بالله باليوم الآخر من السنة المطهرة في مثل قوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»

2- الإكثار من ذكره في القرآن الكريم و في السنة النبوية:
           فقلما تخلو سورة من سور القرآن عن التحدث عنه وتقريبه إلى الأذهان بشتى الأساليب، من إقامة للحجة والبرهان، أو من ضرب الأمثال، كالاستدلال بالنشأة الأولى، وكذا خلق السموات والأرض, وإحياء الأرض بعد موتها – على الإعادة، وما إلى ذلك من المسالك التي سلكها القرآن الكريم…

3- كثرة الأسماء التي جاءت له في القرآن الكريم:
           فقد وردت أسماء كثيرة وكلها تبين ما سيقع في هذا اليوم من أهوال.

ومعلوم من أساليب العرب أنهم يكثرون الأسماء للشيء إذا كان ذا أهمية وشأن، وقد نزل القرآن بلغتهم.

ولتلك العناية أسباب نذكرها فيما يلي:

بعض أسباب العناية باليوم الآخر:

  • 1- إنكار المشركين لليوم الآخر أشد الإنكار، ونسبة ما يشاهد من الإحياء والإماتة إلى الدهر، دون أن يكون هناك تنظيم لهذا التغير المستمر أو هدف من وراء هذا الخلق: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ[الجاثية، 24]

فكان من الأمور البديهية أن ينزل القرآن بتلك الحجج القوية ليشد من أزر الرسول في مواجهة ذلك السيل الجارف من الجحود لليوم الآخر.

  • 2- … فإن أهل الكتاب وإن كانوا يؤمنون باليوم الآخر لكنهم لم يكونوا على العقيدة الصحيحة فيه، فقد حرفوه وبلغوا به منتهى الفساد، وحتى صاروا فيه كالوثنيين من هنود وبوذيين، وذلك من ناحية أن الهنود يعتقدون في كرشنة أنه هو المخلص لهم من الآلام.

والنصارى – بخصوصهم – يعتقدون في عيسى أنه هو المخلص لأمته من عقوبة الخطايا في الآخرة؛ فالكل في الجنة والنعيم.

وأما اليهود فقد اختلفوا في الإيمان باليوم الآخر، وحتى نفس هذا الاختلاف بعيد كل البعد عن حقيقة اليوم الآخر.

  • 3- ومن الأسباب التي جعلت القرآن الكريم يهتم باليوم الآخر ذلك الاهتمام الشديد، هو التأكيد على أن هذه الحياة إنما جعلت لهدف أعلى وغاية سامية، فلولا أن هناك يوماً يجازى فيه المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته؛ لما كان هناك فرق بين عمل الخير وعمل الشر، ولا كانت هناك فضائل ولا رذائل، فالحياة فوضى, والمصير مجهول, ولا وازع نفسي, ولا ضمير حي.

إذاً فلا عجب إن رأينا الإسلام يهتم بذكر اليوم الآخر, ويحث على الإيمان به, ويجعله من أهم القضايا الأساسية التي لا يمكن أن يسمى الشخص مؤمناً إلا إذا جاء بها, معتقداً صحتها في قرارة نفسه.

فالإسلام خاتم الديانات ورسوله خاتم المرسلين، ولا عجب كذلك حينما نرى ونقرأ حقائق وتفاصيل عن اليوم الآخر لم تكن معلومة عند أهل الديانات السابقة.

وهذا هو الذي حمل بعض الفلاسفة ومن سار على طريقهم على القول بأنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا نبينا محمد ، ولأن تلك التفاصيل لم تكن معلومة لدى الكفار من قريش وغيرهم؛ نرى أن الإسلام قد سلك مسالك شتى وطرقاً متعددة في إقناع الكفار بالإيمان باليوم الآخر، مبيناً أن هذا الكون لابد وأن ينتهي ويزول كل أثر له، وأنه لم يخلق عبثاً دون حساب وجزاء.

      • الاحتضار.
                   الحضور: نقيض المغيب والغيبة، يقال: حَضَر الرجل يَحْضُرُ حُضُوراً وحِضَارة، ويعدّى فيقال: حَضَرَه، يَحْضُرُهُ،  وحُضِر المريض واحْتُضِرَ إذا نزل به الموت  فالاحتضار هو حضور الموت ونزوله بالعبد.
      • حضُور ملائكة الموت
                   إذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب أرسل الله رسل الموت لسلِّ الروح المدبِّرة للجسد والمحركة له، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [الأنعام، 61].

           وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الرسول قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة -وفي رواية: المطمئنة- اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها… وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة -غلاظ شداد- سود الوجوه، معهم المسوح -من النار- فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود -الكثير الشعب- من الصوف المبلول، -فتقطع معها العروق والعصب».

           وما يحدث للميت حال موته لا نشاهده ولا نراه، وإن كنا نرى آثاره، وقد حدثنا ربنا تبارك وتعالى عن حال المحتضر فقال: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۞ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ۞ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ [الواقعة، 83- 85] والمتحدث عنه في الآية الروح عندما تبلغ الحلقوم في حال الاحتضار، ومن حوله ينظرون إلى ما يعانيه من سكرات الموت، وإن كانوا لا يرون ملائكة الرحمن التي تسلُّ روحه ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾.

وقال في الآية الأخرى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ ۞ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ۞ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ۞ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ۞ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة، 26- 30] والتي تبلغ التراقي هي الروح، والتراقي جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق.

           وقد صرح الحديث بأن ملك الموت يبشر المؤمن بالمغفرة من الله والرضوان، ويبشر الكافر أو الفاجر بسخط الله وغضبه، وهذا قد صرحت به نصوص كثيرة في كتاب الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۞ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۞ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ[فصلت، 30- 32].

           وهذا التنزُّل إنما يكون حالة الاحتضار، ولا شك أن الإنسان في حالة الاحتضار يكون في موقف صعب، يخاف فيه من المستقبل الآتي، كما يخاف على من خلَّف بعده، فتأتي الملائكة لتؤمنه مما يخاف ويحزن، وتُطَمئِنُ قلبه، وتقول له: لا تخف من المستقبل الآتي في البرزخ والآخرة، ولا تحزن على ما خلفت من أهل وولد أو دَيْنٍ، وتبشره بالبشرى العظيمة، 

           أما الكفرة الفجرة فإن الملائكة تتنزل عليهم بنقيض ذلك ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء، 97].

      • تحتّم الموت على من كان في الدنيا من المخلوقات .
                   المخلوقات قال الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص، 88]،

وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۞ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن، 26- 27]، 

وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران، 185. الأنبياء، 35. العنكبوت، 57]،

وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء، 35].

وفي (الصحيح) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي كان يقول: «أعوذُ بعزَّتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أَنْتَ الحيُّ الذي لا يموت، والجِنُّ والإِنسُ يَمُوتُونَ».