سلسلة شعب الإيمان | الإيمان بالرسل ج1 | المقالة الثامنة | د. محمد فايز عوض

 

      • تعريف الإيمان بالرسل:

          الإيمان بالرسل هو: التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون، قد بلغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه.

          والرسول في اللغة: المرسل، والإرسال هو التوجيه، فإذا بعثت شخصاً في مهمة فهو رسولك، ورسالة الرسول ما أمر بتبليغه عن الله، ودعوته الناس إلى ما أوحي إليه.

          أما النبي لغة: فهو مشتق من النبأ وهو الخبر، قال ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ۞ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ، 1-2]، وإنما سمي النبي نبياً؛ لأنه مُخْبَر، ومُخْبِر، أي: أن الله أخبره وأوحى إليه، ومُخْبِر؛ أي: يخبر عن الله وحيه وأمره، وقيل: النبوة مشتقة من النبوة، وهي ما ارتفع من الأرض

          أما الرسول والنبي في الاصطلاح فالمشهور: أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، أما النبي هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ.

وعلى ذلك فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.

          وقيل: إن الرسول من أرسل إلى قوم كفار؛ كنوح وهود، وموسى، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين كأنبياء بني إسرائيل مثل: زكريا ويحيى.

          وعلى هذا فالنبي والرسول كل منهما مرسل؛ يدل لهذا قوله : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج، 52]

ولعل الراجح هو: أن الرسول من أوحي إليه بشرع جديد، والنبي: هو المبعوث لتقرير شرع من قبله

 

      • الإِيمَانُ بِالرُّسُلِ مَعْنَاهُ اعْتِقَادُ أَرْبَعَةِ أَشْيَاء:
  • أَوَّلًا: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يَدعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    كَمَا قَالَ : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل، 36]
  • ثَانِيًا: الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ ذُكِرَتْ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَهُمْ: (آدَمُ، وَنْوحٌ، وَإِدْرِيسُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَأَيُّوبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَهَارُونُ، وَزَكَرِيَّا، وَيَحْيَى، وَعِيسَى، وَإِلْيَاسُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَالْيَسَعُ، وَيُونُسُ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ، وَذُو الكِفْلِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٌ)، فهؤلَاء خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَبِيًّا وَرَسُولًا، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجْمَعِينَ.
    وَالْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ لَمْ تُذْكَرْ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ؛ كَمَا قَالَ : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر، 78]
  • ثَالِثًا: الْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا  هُوَ آخِرُ الْأَنْبِياءِ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ كَمَا قَالَ : ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب، 40] 
  • رَابِعًا: اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلَّغُوا جَمِيعَ مَا أَرْسَلَهُمُ اللهُ بِهِ، لَمْ يَكْتُمُوا حَرْفًا وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ وَلَمْ يَزِيدُوا فِيهِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ حَرْفًا وَلَمْ يُنْقِصُوهُ؛ كَمَا قَالَ : ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل، 35]


 

      • وجوب الإيمان بالرسل؛ والواجب علينا نحو الرسل:
                  الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان؛ فلا يعتبر الإنسان مسلماً ولا مؤمناً حتى يؤمن بأن الله قد أرسل للبشر رسلاً من أنفسهم يبلغونهم الحق المنزل إليهم من ربهم، ويبشرونهم وينذرونهم، ويبينون لهم حقيقة الدين؛ كذلك الإنسان لا يكون مسلماً ولا مؤمناً حتى يؤمن بالرسل جميعاً، لا يفرق بين أحد منهم، وأنهم جميعاً جاءوا بالحق من عند الله ، والأدلة على ذلك:
  1. ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة، 177]
  2. ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة، 136 – آل عمران، 84] 
  3. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء، 136] 
  4. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ۞ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ۞ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء، 150-152]

          وفي حديث جبريل المشهور: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم” قال: “ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله».

          ويتبين لنا من النصوص السابقة -وأمثالها كثير في القرآن والسنة- أن الإيمان بالرسل ركن أساس من أركان الإيمان، لا يتم إسلام المرء إلا به، وأنه يستوي عند الله من أنكر الرسل جميعاً، ومن أنكر واحداً منهم بعينه، فالمنكرون كلهم عند الله كفار، إنما المؤمن هو الذي يؤمن بالرسالات جميعاً وبالرسل جميعاً دون تفريق.

 

  • وإذا سألنا أنفسنا: لماذا أوجب الله الإيمان بالرسل، وجعله ركناً من أركان الإيمان، ولم يكتف – سبحانه – وتعالى من البشر بوجوب الإيمان به وحده، مع أن الإيمان بالله هو أساس كل شيء، وعبادته هي غاية كل شيء؟
              فالإجابة على هذا السؤال واضحة، فكيف يعرف الإنسان ربه المعرفة الحقة إلا عن طريق الرسل! وكيف يعبده العبادة الحقة إلا بإرشادهم!
    انظر إلى ضلالات البشرية في جاهلياتها المختلفة!
    مرة تصورته في قرص الشمس كما فعلت الجاهلية الفرعونية، ومرة تصورته في النار الملتهبة كما فعلت الجاهلية الفارسية، ومرة تصورته على هيئة بشر ذي خصائص فائقة كما فعلت الجاهلية اليونانية والرومانية.
    ولا يقل عن ذلك ضلالاً ما تصورته الجاهليات المختلفة من وجود أرباب صغيرة مع رب الأرباب، تقوم ببعض اختصاصه – سبحانه – فإله للمطر، وإله للبرق وإله للرعد، وإله للريح..

          ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر، 3]. والسبب هي أن هذه الجاهليات استرشدت بخيالها وأهوائها وعلمها القاصر، ولم تأخذ الحق من طريقه الصحيح المعتمد من عند الله، وهو طريق الرسل الموحى إليهم بالحق.

 

          إذن هنا تكمن أهمية الإيمان بالرسل؛ وأنه يستحيل للبشرية – كما يثبت لك الواقع التاريخي – أن تهتدي إلى الحق في شأن الألوهية وفي شأن العبودية إلا عن طريق ذلك المصدر الموثق وهم الرسل المرسلون من عند الله .

 

      • حاجة البشر إلى الرسل:
                  الرسالة ضرورية للعباد، لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره، وحياته؛ فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور!

          والدنيا مظلمة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، ولا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدارين إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من طريقهم.

          لقد سمى الله رسالته روحاً، والروح إذا عدم فقدت الحياة: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى، 52]

          وإن ما تعانيه الدول – التي يسمونها دولاً متقدمة ومتحضرة – من أنواع الاضطراب والهموم والشقاء والتفكك؛ إنما هو بسبب الإعراض عن الرسل والرسالة.