سلسلة شعب إيمانية | محبة رسول الله ﷺ ج3 | المقالة التاسعة والعشرون | د. محمد فايز عوض

أسباب المحبة


          إن للحب أيا كان سببين أصليين تتدلى منهما غصونه وتتفرع فروعه وهما:
أ‌- الكمال؛ فالنفوس مجبولة على حب الكمال مفطورة على الانبهار به والتعلق بمن رزقه.
ب‌- الإحسان؛ فإن القلوب مفطورة على حب من أحسن إليها

ولا شك أن رسول الله له الحظ الأوفر والنصيب الأوفى من الأمرين، لا يدانيه في ذلك أحد من الناس، 

ومن هنا كان السبب الأول لمحبته ﷺ:

معرفته
          ويتجلى هذا بالعناية بِسُنَّته تعلُّمًا وتعليمًا وعملاً، بالاشتغال بعلم الحديث و علم السيرة النبوية ، والوقوف على هديه وشمائله، ومعرفة ما خصَّه الله به مِن دون سائر الخلق مِن حُسن الخَلْق و الخُلُق، وكريم السجايا، وحميد الخِصال.

          فمن عرف معجزاته وشمائله امتلأ قلبه من محبته وهيبته ، لأنه أكمل الناس خلقا وخلقا  قال أنس بن مالك :كان رسول الله ﷺ أجود الناس ، وأحسن الناس ، وأشجع الناس .
ويكفي في كماله صلوات الله وسلامه عليه قول الله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4] فهو العظيم في كل كمال

 

          ورحم الله الشاعر شنقيط ُّبن محمد العلوي حين قال :

أهدى إليه قديما من بدائعه

كعب وحسان والهمزي ما كثرا

أسدوا به وأناروا ثم ما بلغوا

كلا لعمريَ من معشاره العشـرا

أثنى عليه بما قد كان ناسبه

رب العبـــــاد فما ذا تبلغ الشعرا

 

          ورحم البوصيري إذ يقول :

فانسب إلى ذاته ما شئت من شرف

وانسب إلى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس لــــــــــه

حد فيعــــــــــرب عنه ناطــــق بفم

 

ومِن أسباب زيادة محبَّته :
          تذكر إحسانه على البشرية كلها وعلى أمته خصوصاً و هو أمر لا يحصى ولا يستقصى ويكفي فيه قول الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107].

          وما له من فضل على هذه الأمة؛ حيث أخرجها الله به منَ الظُّلُمات إلى النور، وما تحمَّله في سبيل تبليغنا هذا الدِّين مِن أذى، ونصحه لأمته، فما مِن خير إلاَّ دَلَّنَا عليه، وما مِن شر إلاَّ حَذَّرَنا منه، والنَّفْس مجبولة على حبِّ مَن أحسن إليها مرة أو مرتين، فكيف بمن كانتْ حياته كلها نصحًا لأمته؛ تهذيبًا للنفوس، وتزكية لها، ودلالة على الخير، وتحذيرًا منَ الشر.

          فهو المعلم بفضل الله من الجهالة، والمنقذ من الضلالة، والمسعد من الشقاء، والمخرج من الظلماء.
إنه الذي عرفنا بربنا، وعلمنا أن نذكره ونشكره ونحسن عبادته، وسلك بنا طريق كرامته الموصلة إلى دار رحمته ورضوانه، المنعمة برؤيته وجواره وبذلك تجلت منة الله العظمى به صلوات الله وسلامه عليه.
إن كل عزة وكرامة وبركة ورحمة ونصر ورفعة نالت هذه الأمة في عمومها أو خصوصها إنما نيلت به .
فقد كان أرحم بنا من أنفسنا، و أرأف بنا من امهاتنا.

          وهذا طرف من النصوص يُظهر بعض إحسانه علينا ومنته لدينا وهو غيض من فيض:
قال تعالى: ﴿لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة128]

﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[آل عمران164]

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[آل عمران159]

﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۞ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ[الشورى: 52- 53]

 

          روى مسلم في بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ لِأُمَّتِهِ وَبُكَائِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ: «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي الْآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى  فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ».
 

          وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، «عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي، ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَهُ [6/ 18] فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمُ، ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا كَلَّمَهُ اللهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللهِ وَرُوحَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمُ، ائْتُوا مُحَمَّدًا ﷺ، عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنَ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ: مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ.»
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، يَعْنِي قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا 


ومن أسباب ودوافع محبة الرسول :
          العلم بأن محبته من علامات الإيمان وسبب من أسباب حلاوته فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: عن النبي قال: «ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

بأبي وأمي أنت يا خير الورى

وصلاة ربي والسلام معطرا

يا خاتم الرسل الكرام محمد

بالوحي والقرآن كنت مطهرا

لك يا رسول الله صدق محبة

وبفيضها شهد اللسان وعبرا

لك يا رسول الله صدق محبة

فاقت محبة من على وجه الثرى

لك يا رسول الله صدق محبة

لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد ﷺ.