سلسلة شعب إيمانية | فضل العلم | المقالة الرابعة والثلاثون | الشيخ د. محمد فايز عوض

فضل العلم

♦ المقدمة

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأمده بالفهم وحَبَاهُ بالتكريم، سبحانه.. رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتنَّ على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم، وقال لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].

وبعد : فإن العِلْمَ يُزكِّي صاحبه ويرفعُ قدرَهُ ويُشْعِرَهُ دوامَ الغنى بحاجة الناس إليه وإقبالهم عليه، والعالمُ الصالحُ العاملُ السائرُ على منهاجِ وطريق الهداية دُرَّةٌ يتيمةٌ في كل زمانٍ ومكانٍ،

♦ إهتمام الإسلام بالعلم

ولاهتمام الإسلام بالعلم فقد جاءت أولُ آيات القرآن أمراً بالقراءة والتعلم قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق 1: 5]،

وأقسم الله تعالى بالقلم وهو من أدوات العلم وذلك لبيانِ فضلِهِ وعُلُوِّ رُتْبَتِهِ قال الله تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم:1].

ولفضل العلم وكرامته فقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من العبد الصالح صحبته لغرض التعلم، قال الله تعالى: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف 65: 66]،

وأخبر الله تعالى أنه آتى كليمه موسى عليه السلام نور العلم فقال: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ (القصص: 14)،

وزين الله تعالى به نبيه الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام فقال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ (يوسف: 22)،

وقال تعالى عن سيدنا داوود وولده سليمان عليهما السلام : ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (النمل: 15)،

وأخبر في معرض المن بالفضل على نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ (النساء 113)،

ولهذا لم يؤمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء كالعلم، قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

عن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله ﷺ .قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا . قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .قال : فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول : ” من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ” أخرجه الترمذي (2682).

والعلماء هم أمناء الله على خلقه،‏ وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل ، فقال تعالى : ((فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) [النحل: 43] وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل داء ، والعلم شفاء هذه الأدواء ، وكما قال رسول الله ﷺ : ( فإنما شفاء العِيِ السؤال ) أخرجه أبو داود (336) .

♦ فضل العلم

1) العلم مهذب للنفوس:

سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به )فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ( [ محمد:19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .

فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه ” التوحيد ” و “علم التربية ” أو ما يُسمَّى بعلم ” السلوك ” فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ويربيها .

2) العلم نور البصيرة:

إنه نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب قال تعالى : )فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور(  [الحج:46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى : )أفمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ( [ الرعد:19] .

 3) العلم يورث الخشية من الله تعالى:

قال الله تعالى : )إنَّما يخشى الله من عباده العلماء( [ فاطر : 28]

وقال تعالى : )إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا  ([ الإسراء : 107-109 ]

4) الاستزادة من العلم:

وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم ، فقال الله تعالى : )وقل رب زدني علمًا([ طه: 114] ، قال القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.

5) العلم أفضل الجهاد:

إذ من الجهاد، الجهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .

قال تعالى : ” ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا ” [ الفرقان : 51-52 ]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : (( من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره )) أخرجه ابن ماجه (227)

6) التنافس في بذل العلم:

ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين : بذل المال ، وبذل العلم ، وهذا لشرف الصنيعين ، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير .

عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي ﷺ : (( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ))[ متفق عليه].

7) العلم و الفقه في الدين أعظم منة:

ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من أعظم المنن

عن ابن عباس أنَّ رسول الله ﷺ قال:(( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ))الترمذي (2645)

8) العلم مقدم على العبادة:

والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة .

أخرج البيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ : (( إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع )) [ أخرجه البيهقي ، بسند صحيح ].

العِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطالِبُهُ       للهِ أكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلى قَدَمِ

يا طالِبَ العِلمِ لا تَبْغِي بهِ بَدَلا      فقَدْ ظَفَرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والْقَلَمِ

وقَدِّسِ العِلمَ واعْرِفْ قَدْرَ حُرْمَتِهِ  فِي القَوْلِ والفِعْلِ والآدابَ فَالْتَزِمِ

واجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ       لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ

والنيةَ اجعلْ لوجهِ اللهِ خالصةً      إنَّ البناءَ بدونِ الأصلِ لَمْ يَقُمِ