سلسلة شرح كتاب أيها الولد للإمام الغزالي (٥) يشرحه الحبيب الحسين السقاف

يواصل الحبيب الحسين السقاف مدرس العلوم الشرعية شرحه لرسالة الإمام الغزالي أيها الولد، وفي هذا الجزء من الشرح يتحدث عن تمكن الإيمان من القلب، ويتناول تعريف الإيمان وانقسامه إلى قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ومدى الارتباط بينهم، ويشرح أهمية حضور النية الصالحة في مجالس العلم، وذكر أسباب سلب الإيمان من العبد.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان

وعندما يدخل الإيمان قلبا فإن ذلك القلب يصبح متيقنا بـ”لا إله إلا الله” واللسان ينطق بها والجسد والجوارح تترجم معنى تلك الشهادة أعمالاً لا أقوالاً فالقول عمل اللسان والاعتقاد عمل القلب والجوارح تؤكد ذلك الإيمان بالأعمال الصالحة، لذلك فإن عمل المؤمن على وفق ما يعتقد، وهو معنى من معاني الإيمان.

ولئن تسائلنا عن وجه الارتباط ما بين قول اللسان واعتقاد الجنان والعمل بالأركان فعسى أن نجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجوارح تخاطب اللسان في كل يوم قائلة ((اتق الله فينا لأنك إذا استقمت استقمنا، وإذا اعوججت اعوججنا)). والكَلِم الطيب حين نتلفظ به فإن أنواره تغمر قلب القائل وقلب المستمع، وحين يكون الذاكر هو القائل وهو المستمع تتضاعف الأنوار ويصبح أكثر الناس ذكراً أكثرهم إيماناً لأن الذكر مذكور عند ربه مما يحله في ساحات القرب بعيدا عن وسوسة الشيطان. ثم يصبح هو ذكراً، بحيث يذكر الله تعالى عند رؤيته ويتبارك المكان في حضرته ويهرب الشيطان فلا يقرب مجلسا هو فيه لأن جسده في الدنيا وروحه مذكورة في الأعلى فإن نسي العبد ربه في ساعة فقد نسي نفسه ولن تعود إليه إلا إذا ذكر الله.

لقد جعل الله تعالى دخول الجنة بكرم منه، وجعل الجنة قريبة من المحسنين في عباداتهم وأعمالهم، لذلك يقتسم العباد الجنة بأعمالهم، لا بعلمهم فالعلم شاهد ضدك حتى تعمل به فاذا عملت به صار لك، فإن أتى الانسان إلى مجلس علم بنية العمل حصل على أربعة جوائز من الله تعالى:

  1. يرزق فهم العلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق شيخ بالسند المتصل
  2. يوفق للعمل به
  3. ينتفع بعلمه
  4. ينفع غيره بهوتلك أعظم الجوائز
  5. يسلم من سلب الايمان

وهذه عبارة تقطع الأوصال إذ ينبغي أن نحافظ على إيماننا بأكثر مما نحافظ على جوهرة غالية تراك تفعل بها، هل ستلقيها بيد طفل يلهو بها ويلقيها في القاذورات أم ستصونها وترعاها كما ينبغي؟ وما أدراك ما سلب الايمان. إنه تعاسة الدارين والويل والبثور، ولئن عرفنا أسباب سلبه فلعلنا نتحاشاها:

 

أول هذه الأسباب هو الأمن من مكر الله، بأن لا يبالي العبد بتهديد الله للمنحرفين من عبيده، ولا يخاف من وعيده لهم فيقدم على الذنب غير هياب لأنه خالط أهل الكبائر .

 

وثانيهما الابتداع في الدين

: كأن ينهج درباً مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عتيه وسلم والسلف لصالح الذين جاؤوا بعده – ويأخذ العلم عمّن هبّ ود دون سند ودون يقين، وعلاج ذلك ان يأخذ العلم من أهل السند المتصل.

 

وثالثهما: الاستهانة بانسان محبوب عند الله (نبيّ أو ولي أو صحابي أو تابعيّ..)

 وليحذر من يحتقرهم بلسانه أو بقلبه فتلك قاصمة الظهر، إذ سيعقب ذلك إعلان للحرب من الله عز وجلّ، فالله تعالى يعلن الحرب في موضعين عند التعامل بالربا وعند عدواة أحد أوليائه، حرب لا يهزم فيها الا طرف واحد، الطرف البشري. ذلك أن الطرف الآخر خالق الكون كلّه لا يدركه شىء مما يدركه البشر. ومن حفظ الوليّ أن ستره الله تعالى عن الناس ولم يكشف حاله حتى لا يعظموه ويحتقروا غيره. يظلّ مخفياً بين الناس لننظر باحترام إلى كل الناس – كما خفيت ليلة القدر بين العشر الأواخر من رمضان وكما خفيت الصلاة الوسطى بين باقي الصلوات .

الأعمال من الله وقبول العمل من الله، وحاشاه أن يرد أحداً، ولو أطلعنا الله تعالى على اليسير من رحمته لأحببناه حباً جماً ولحرصنا على أنفسنا أن تصرف إلا في طاعة الله.