سلسلة إشراقات إيمانية في شهر الصيام | المقالة العاشرة | د. محمد فايز عوض

مع رسول الله في رمضان

 

         المسلم في عمره القصير أكرمه الله بمواسم للخيرات، وأعطاه من شرف الزمان ما يستطيع به أن يسرع في السير إلى مرضاته، وأن يعوض ما فاته من تقصير في حياته، إذا وُفِّق لاستغلال هذه المواسم في الطاعات والعبادات والخيرات، ومن أهم هذه المواسم وأفضلها شهر رمضان.

 

         فرمضان شهر خير وبركة، حباه الله تعالى بفضائل كثيرة، منها : أن الله أنزل فيه القرآن هدى للناس، ورحمة وشفاء للمؤمنين، قال الله : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة، 185].

 

         وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا كان أول ليلة من رمضان صُفِّدَت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» رواه البخاري.

 

         وقد صام النبي رمضان تسع سنوات، قال النووي: “صام رسول الله رمضان تسع سنين: لأنه فُرِضَ في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وتُوفي النبي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة”.

 

         ولم يكن حاله في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان يومه في هذا الشهر مليئاً بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه بما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها الله بها، وميزها عن سائر أيام العام، والنبي وإن كان قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه، إلا أنه أشدُ الأمة اجتهادا في عبادة ربه وقيامه بحقه.

 

      • هديه ﷺ في رمضان :
  1. إفطاره وسحوره :
             كان رسول الله يُعَّجِّل الفطر، ويفطر على رطبات يأكلهن وترا، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فحسوات من الماء، وكان يقول : «لا يزالُ النَّاسُ بخَيرٍ ما عجَّلوا الفطر ، عجلوا الفطرَ فإنَّ اليَهودَ يؤخِّرون» رواه ابن ماجه.
    وأما السحور فكان يؤخره حتى ما يكون بين سَحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير، وكان من هديه تأخير السحور والمواظبة عليه، وحث أمته على ذلك وعدم تركه.
    فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله  ﷺ: «تسحروا فإن في السحور بركة» رواه البخاري.
    وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تسحرنا مع رسول الله ﷺ ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية» رواه البخاري.
    وقال ابن عبد البر: “أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة”.

  2. القرآن والصدقات:
             كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، وذلك لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» رواه البخاري.
    فدل هذا الحديث على زيادة جود النبي في رمضان عن غيره من الأزمان، فرسول الله هو أجود الناس، ولكن أعلى مراتب جوده كانت في رمضان.

  3. صلاة القيام:
             قيام الليل من السنن والطاعات التي تتأكد في رمضان، فقد قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري.
    وقد أخبر النبي بأنه من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف من صلاته كُتِب له قيام ليلة كاملة، لقوله : «.. من قامَ معَ الإمامِ حتى ينصرفَ فإنه يعدلُ قيامَ ليلة» رواه ابن ماجه.

  4. الاعتكاف وليلة القدر :
             يُستحب الاعتكاف في رمضان وغيره من أيام السنة، وأفضله في رمضان، لأن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان» رواه مسلم.
    وكان من أسباب اعتكافه طلب ليلة القدر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ يقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» رواه البخاري.
    فهي ليلة جعل الله العمل فيها خيراً من العمل ألف شهر، والمحروم من حُرِمَ خيرها، قال : ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر، 3].
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري.

  5. الأخلاق :
             كان رسول الله أحسن الناس خُلُقا، وقد قال الله عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم، 4]، وقد حذر النبي من سوء الأخلاق بوجه عام، وخاصة في رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «الصيام جُنَّة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم» رواه أبو داود.
    وقال : «منْ لَمْ يَدَعْ -يترك- قَوْلَ الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.


      • أحداث وقعت في حياته ﷺ في رمضان :
  1. ـ الوحي: نزل القرآن الكريم على الرسول في شهر رمضان، وجاء التصريح بذلك في قول الله : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة، 185].
  2. ـ وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: وذلك أيضاً في السنة العاشرة من المبعث وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهو المشهور.
  3. ـ إرسال سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: وهي سرية سيف البحر التي وقعت في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة.
  4. ـ غزوة بدر الكبرى: حيث وقعت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة في اليوم السابع عشر، وقتل فيها من صناديد الكفر أبي جهل عمرو بن هشام، وأمية بن خلف، والعاص بن هشام بن المغيرة، وغيّبوا في قليب بدر، 
  5. ـ وفي رمضان من السنة الثانية للهجرة ماتت رقية رضي الله عنها بنت رسول الله زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه.
  6. ـ وفي السنة الثالثة للهجرة في شهر رمضان تزوج النبي بزينب بنت خزيمة بنت الحارث رضي الله عنها التي لقبت بأم المساكين.
  7. ـ وفي رمضان من السنة السادسة للهجرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة.
  8. ـ ومن الأحداث الهامة التي غيرت وجه التاريخ والتي وقعت في رمضان من السنة الثامنة للهجرة فتح مكة، وكان خروج النبي من المدينة في العاشر من رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه، 
  9. وفي نفس السنة والشهر أرسل النبي سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان، ثم أرسل سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة وذلك لست بقين من رمضان.

هذا بعض هديه في رمضان، وتلك هي طريقته وسنته فيه، فحري بنا أن نعرف لشهر رمضان حقه، وأن نقدره حق قدره، وأن تغتنم أيامه ولياليه، عسى أن نفوز برضوان الله، ويكتب الله لنا السعادة في الدنيا والآخرة.. 

وما أحوجنا إلى الاقتداء بنبينا   والتّأسّي به في عبادته وحياته، فالعبد وإن لم ولن يبلغ مبلغه، فليقارب وليسدد، وليعلم أن النجاة في اتباعه، والفلاح في السير على طريقه، قال الله : ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب، 21].