توجيه النبيه لمرضاة باريه (٣٦) سلسلة توجيهات وتنبيهات في تصحيح مسار الدعوة يبينها ويطرحها الحبيب عمر

توجيه النبيه لمرضاة باريه هو عبارة عن سلسلة من التوجيهات المهمة في مجال الدعوة يشرحها المربي الحبيب عمر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حقيقة العلاج

 

وقال رضي الله عنه ونفعنا به: إذا نظرنا للواقع هذا نجد حقيقة العلاج والدواء والإنقاذ، من خلال هذا العمل الذي أنتم فيه، إنْ تَمَّ للواحد منكم على الوجه المطلوب فهو واحد من أهل الإنقاذ، وأهل المداواة وأهل العلاج.
أخذُ العلم الشريف على وجهه وعلى طريقه، ومن محله بالنية الخلصاء مع نية العمل به، والقيام بحق العمل، والحرص والهمِّ الكبير على تبليغه ونشْره في الناس، فتلك هي طريقة الأنبياء والرسل، إذا قامت وتمَّت تمَّ العلاج للأمة، وانكشفت الغمة، وانجلت الظلمة، وتفرَّجت الكربة، وصَلُحَ حال الناس.
وإذا أصرُّوا على نومهم، وأصروا على غفلتهم، وأصروا على إهمالهم، وأصروا على استخفافهم بأمر الخالق الحق الفاطر، فالخسران عليهم واقعٌ لا محالة، {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١-٣].
لا بد أن تعرفوا عظمة مهمتكم، وعظمة هذا الشأن الذي أنتم فيه، هذا شأن اتصال بنبوة … برسالة … بوحي … بالإله … بالخالق … بالرحمن … بالقادر … بالقوي … بالقهار … بالجبار … بالبارئ … بالذي بيده ملكوت كل شيء، وسر اتصال بموجب سعادة الأبد، والخلد في دار الكرامة، كل ذلك أمر عظيم … عظيم … عظيم، خرجت عظمته من صدور الغافلين، وعقول الذين حُجِبوا عن حقائق الدين، أو التَهَوا[1] بالترهات والبطالات.
إن شاء الله يُوفَّق الله كل واحد منكم، حتى يعرف واجبه ومهمته، ويكون كلُّ واحد منكم ممَّن تقرُّ بهم العين، وممن يعالجون ويداوون، ويكونون سببًا لإنقاذ الأمة إن شاء الله، إنه وقد أكرمك بالمجيء إلى هذا المنزل[2] ، أو أسمعك مثل هذا الحديث، فقد هيَّأ لك السبيل، ويسَّر لك الطريق، وذلَّل لك الصعاب، وذلَّل لك العِقابَ[3] ، وفتح لك الباب، فتكون لو رضيت بأن تَغفُل أو تُهمِل أو تترك أو تُدبِر أو تخالف حُجَّة شديدة عليك، بعدما قرَّب ويسَّر ورتَّب وحبَّب، فتُعرِض أنت عنه، وتغفل وترضى بشيء من المخالفات أو المعاصي.
فيكم كثيرٌ يسري نظر العناية إليهم، ويتهيَّئون لرضوانه الأكبر، وفيكم أناس يتقلَّبون بين الدواعي، دواعي كذا، فلا يزال يقوم ويقعد، ما عرف يمشي صحيح، وإلا فوقه[4] أدِلَّاء على الطريق، مادِّين أيديهم، سيمسكون بيده وسيمشون به، ولكن إذا ما انتهض ماذا يعملون به؟ كل منكم ينتبه.
الآن أتكلم وأنا وإياكم في الدنيا في هذا المبنى المبارك، والحال مشهود لأهل السماء، وخيار أهل الأرض، وبعد هذا اليوم ستظهر نتائج هذا الكلام وعواقبه وثمراته، «وكلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسَه فمعتقها أو موبقها»[5] . الله يكرمنا وإياكم بصدق الإقبال، ويلحقنا بحبيبه مولى بلال.
إن شاء الله لا يرجع أحدٌ منكم خائبًا، لكن ساعدوا على بلوغ هذا الأرب، والقيام بهذا الأمر الكبير العظيم، واصدُقُوا مع الله، وهو أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد، كما ذكر ذلك في كتابه، ما يأتي البُعد إلا من جهة الإنسان نفسه، الله يبارك فيكم، وينظر إليكم ويسعدكم، وحيثما اتجهنا ومشينا نكون في ذكر لكم ولأحوالكم، نسأل الحق أن يوفر الحظ لنا ولكم.

 

[1] من اللهو.
[2] إشارة إلى دار المصطفى للدراسات الإسلامية بتريم-حضرموت.
[3] أي: ذلَّل لك العقبات.
[4] أي معه.
[5] عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائعٌ نفسَه فمعتقها أو موبقها». رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والترمذي.