من دروس الهجرة | الهجرة وصدق التوكل على الله | الشيخ محمد عدنان كاتبي

 

    لنجاح أي عمل جاد لا بد له من توفر عاملين مهمين هما: الإعداد الصحيح ثم صدق الثقة بالله والتوكل عليه، 

ولقد كان رسول الله ، على ثقة عظيمة بوعد الله له بالنصر والتمكين، منذ أن اختاره الله سبحانه لحمل أعباء هذه الدعوة، وواجها كفار قريش بكل صلف وعناد، وأذاقوا المؤمنين الأولين بها أصناف القهر والعذاب، حتى أن بعض أصحابه جاؤوه وشكوا له إيذاء المشركين لهم، فكان جوابه يحمل في طياته هذه الثقة العظيمة بصدق وعد الله له بالنصر والتمكين «وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» صحيح البخاري.

   وفي ليلة الهجرة وقد خرج مع صاحبه أبي بكر ليلاً، ودخلا الغار، ليتواريا به عن عيون المشركين الذين يترصدون به ويتتبعون أثره للقضاء عليه. 

    ووصل المشركون إلى الغار، ووقفوا على بابه وشعر سيدنا أبو بكر بشيء من الخوف وتوجه إلى النبي قائلاً: يا رسول الله؛ لو نظر أحدهم موضع قدميه لرآنا، فأجابه النبي واثقاً بمعية الله، وموقناً بوعده ونصره يا أبا بكر: «لا تحزن إن الله معنا، يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» عندها ثابت لأبي بكر نفسه وطمأن إلى الثقة العظيمة التي يتمتع بها صاحبه واستشعر عظم هذه المعية. 

    ومكث رسول الله وصاحبه في الغار ثلاث ليال، حتى إذا انقطع عنهم الطلب، خرجا وسارا باتجاه المدينة المنورة، وقد يئس المشركون من إدراكهما، وأعلنوا أنهم قد جعلوا مئة ناقة جائزة لمن يأتي بمحمد وصاحبه حياً أو ميتاً، واستطاع أحد المشركين أن يرى النبي من بعيد، فانطلق مسرعًا إلى رجل يدعى سراقة بن مالك الأشجعي، وقال له: يا سراقة، إني قد رأيت أناسًا بالساحل، وإني لأظنّهم محمدًا وأصحابه، فعرف سراقة أنهم رسول الله وأصحابه، وأراد أن ينفرد بالجائزة عن قومه فأنكرهم، واحتال للخروج منفرداً عنهم، ولحق برسول الله ، يريد أن ينال منه

    وعندما اقترب منهما، عاود الاضطراب والخوف إلى سيدنا أبا بكر، والتفت إلى رسول الله ، قائلا: أتينا يا رسول الله، وأعاد عليه النبي القول: «لا تحزن إن الله معنا»، ثم إن النبي ، التفت إلى سراقة، فساخت قوائم فرسه في الرمل، وارتطمت به فرسه إلى بطنها، فقال سراقة: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوَا لي، فالله لكما ـ أي لكما عهد الله ـ أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي ، فخرجت قوائم فرسه من الرمل ونجا. 

   وهنا مظهر آخر من مظاهر ثقة النبي بالله، حيث التفت إلى سراقة قائلاً: «كيف بك يا سراقة إن ألبسك الله سواري كسرى وتاجه؟» وتعجب سراقة والتبس الأمر عليه، إذ كيف لرجل هارب، ومطلوب من قومه، أن يعد مثل هذا الوعد؟ 

    فقال: كسرى بن هرمز؟ 

    يعني كسرى ملك الفرس؟ شيء لا يصدق؛ لكنه الإيمان العظيم والثقة التامة بصدق وعد الله له، جعلت النبي ، يؤكد الأمر، ويقول: نعم كسرى بن هرمز.

 

    وتحققت نتائج هذه الثقة، وتحقق وعد رسول الله لسراقة، وفتحت بلاد الشام والعراق، ونقلت كنوز كسرى إلى المدينة المنورة، وسلمت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الذي ونادى على سراقة وألبسه السوارين قائلاً: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك.

     وصدق الله وتحقق وعد رسول الله