المقال السابع من سلسلة فقه الطهارة للشيخ عمر حجازي – الماء الذي يزال به الحدث

يقدم فضيلة الشيخ عمر حجازي شرحاً مبسطاً للفقه الحنفي، مقارناً في بعض المواقف بين أحكام المذهب الأساسية وأحكام الفقه الشافعي، ويعد الشرح مدخلاً مناسباً للمبتدئين في قراءة ودراسة الفقه، ولمن أراد الوقوف على أساسيات الدين وأحكام الشريعة.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أتناول في هذا المقال الكلام عن الماء الذي يزال به الحدث، والأسباب التي تخرجه عن هذه الصفة، وهي كونه مطهرا.

يجوز إزالة الحدث بالماء المطلق، وهو ماء السماء والأودية والعيون والآبار والأنهار والبحار. قال تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) [الأنفال:11]. وقال صلى الله عليه وسلم عن البحر: (هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميتته).[1]

خروج الماء عن كونه مطهرا:

يخرج الماء عن كونه مطهرا بأحد أسباب ثلاثة:

1 – أن يختلط به شيء طاهر فيغلب عليه: والمخالط للماء نوعان: جامد ومائع.

أ – المخالط الجامد: كالحِمِّص والبازلاء والفاصولياء والتراب وأوراق الشجر ونحوها، فله حالتان:

  • أن يطبخ مع الماء: فيخرج الماء عن كونه مطهرا، سواء بقيت فيه أوصاف الماء أم لا.
  • أن لا يطبخ مع الماء: فلا يخرج الماء عن كونه مطهرا حتى يزول عنه طبع الماء، وهو الرقة والسيلان على الأعضاء.

ب – المخالط المائع: كالخل وعصير الليمون والحليب وماء الورد والماء المستعمل ونحوها. فله ثلاث حالات:

  • أن يكون مخالفا للماء في جميع أوصافه: كعصير الليمون، فيخرج الماء عن كونه مطهرا بظهور وصفين من أوصاف عصير الليمون فيه، وهي الطعم واللون والريح، فإن انتقلت رائحة العصير ولونه مثلا إلى الماء لا يجوز استعماله في الطهارة.
  • أن يكون موافقا للماء في بعض الأوصاف: كماء الورد، فإنه موافق للماء في لونه، ومخالف له في رائحته وطعمه، فيخرج الماء عن كونه مطهرا بظهور وصف واحد من الوصفين اللذين يخالف بهما الماء، كالطعم أو اللون.
  • أن يكون مماثلا للماء في جميع أوصافه: كالماء المستعمل، فيخرج الماء عن كونه مطهرا بغلبة الماء المستعمل على الماء المطلق بالأجزاء والكمية، فإن كانت كمية المستعمل أكثر من كمية الماء المطلق خرج الماء عن كونه مطهرا. وكذا إذا كانت مثله احتياطا.[2]

2 – أن تقع في الماء نجاسة: فيخرج الماء عن كونه مطهرا، وللماء حالات:

  • أن يكون جاريا: فلا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة فيه؛ لأن النجاسة لا تبقى مع جريان الماء.
  • أن يكون راكدا: فإن كان بحيث إذا حرك أحد أطرافه باليد لا تصل الحركة إلى الطرف المقابل مباشرة، فيجوز التطهر من الطرف الآخر إذا وقعت نجاسة في طرف منه. وإن كانت الحركة تصل إلى الطرف الآخر لا يجوز التطهر من أي طرف إذا وقعت فيه نجاسة.

وقد قدر هذا الماء بعشر أذرع في عشر أذرع، والذراع تساوي (46.656سم)، فالعشر أذرع تساوي (4.66م) تقريبا. فإذا كان طول الماء وعرضه ذلك فإنه يجوز التوضؤ من الطرف الآخر إذا وقعت نجاسة في أحد أطرافه.

  • أن يكون الماء قليلا: كالماء الذي يكون في الأواني، كالإبريق والقنينة ونحوهما، فينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه، سواء ظهر أثر النجاسة في الماء، أو لم يظهر.[3]

ومن النجاسات التي تنجس الماء القليل موت حيوان فيه إذا كان له دم سائل، كالفأرة والقطة والعصفور، أما إذا لم يكن له دم سائل فلا ينجس الماء بموته فيه، كالبق والذباب والعقرب.[4]

ويستثنى من ذلك البئر، فإنه إذا مات فيه حيوان صغير، كالفأرة، يكفي إخراج عشرين دلوا من الماء منها فتطهر، وأربعين دلوا إن كان الحيوان بحجم القطة والدجاجة، وإن كان أكبر حجما من ذلك، كالخروف، فلا بد من إخراج كل الماء.[5]

ج – أن يكون الماء مستعملا: فيخرج عن كونه مطهرا.

ويصير الماء مستعملا بأحد سببين:

  •  أن يزال به حدث أصغر أو أكبر، بأن يتوضأ به ويكون محدثا، أو يغتسل به ويكون جنبا.
  • أن يستعمل على وجه القربة: بأن يتوضأ به ويكون متوضأ ناويا الوضوء وتجديد الطهارة، فإن الوضوء بهده النية يصير عبادة، ويصير الماء مستعملا.[6]

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصادر والمراجع:

1 – الحصكفي، محمد علاء الدين، الدر المختار، ت، عبد المنعم خليل إبراهيم، ط1، دار الكتب العلمي، بيروت، لبنان، 1423هـ – 2002م.

2 – الغنيمي، عبد الغني، اللباب في شرح الكتاب، ت، محمود النواوي ومحي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان.

3 – الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ط1، المطبعة الكبرى الأميرية – بولاق، القاهرة، 1313 هـ.

4 – المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية في شرح البداية، ت، طلال يوسف، دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان.

5 – الأصبحي المدني، مالك بن أنس، الموطأ، ت، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1406هـ – 1985م.

6 – الشافعي، محمد بن إدريس، مسند الإمام الشافعي (ترتيب سنجر)، ت، ماهر ياسين فحل، ط1، شركة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، 1425هـ – 2004م.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء (12)، والشافعي في مسنده، كتاب الطهارة، باب في ماء البحر، وغيرهما.

[2]انظر: الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق /1/20/.

[3]انظر: الغنيمي، عبد الغني، اللباب في شرح الكتاب /1/21 – 22/، والحصكفي، محمد علاء الدين، الدر المختار ص 31 – 32.

[4]انظر: اللباب /1/22 – 23/.

[5]المرجع السابق /1/24/.

[6]انظر: المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية في شرح البداية /1/23/.