المقال الرابع من سلسلة مقاصد السور: سورة النساء للشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ علي هاني في هذه السلسلة الغنية مبحثاً في مقاصد أول ثمان سور القرآن الكريم (الفاتحة – الأنفال)، متطرقاً لأسباب النزول، مع بيان السياق القرآني والتاريخي للسور، وأهم مقاصدها مع الاستفاضة فيها، مستخرجا وملخصاً وشارحاً أهم ما ورد بخصوص هذه المفاهيم في كتب التفسير المعتبرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سورة النساء

مقصد سورة النساء باختصار:

مقصودُها الحثُّ على تقوى اللهِ تعالى وتوحيدِه، والإيمانِ بجميعِ الحق الذي أرسله، المنتجِ للقيام بالعدل في جميعِ المعاملاتِ والعلاقاتِ التي تربط بين الخلقِ، والرحمةِ بينهم أفرادًا وأسرًا وأرحامًا ومجتمعاتٍ، لا سيما مع الضعفاء خاصة النساء، وتهدم ظلم المجتمعات الجاهلية في ذلك، مع تحصين المجتمع داخليًا وخارجيًا[1].

مقصود سورة النساء بتفصيل:

مقصودها [2] الحثُّ على تقوى الله الخالقِ لهم من نفسٍ واحدةٍ [3]، وتحديدُ معالم التقوى، والأمرُ بتوحيدِ الله سبحانه، والإيمانِ بجميع الحق الذي جاءهم، والتوبةِ من الكفر والشرك والنفاق والمعاصي، فالإيمان بالله وتقواه ينتج قيامَهم بالعدلِ والرحمةِ بينهم في جميع المعاملاتِ والعلاقاتِ التي تربط بين الخلقِ أفرادًا وأسرًا من الأرحامِ والأقرباءِ والجيرانِ ومجتمعاتٍ، لا سيما مع الضعفاء: كالنساءِ، واليتامى [4]، والمساكينِ، وابنِ السبيلِ، والسفهاءِ الذين لا يحسنون التصرف بمالِهِم، وأهلِ الذمة، ومن يعمل عندهم كالعبيدِ والإماءِ، وينتج حفظَ حقوقِهم، خاصة النساء يتيماتٍ صغيراتٍ، ونساءً مستضعفاتٍ، وحفظَ حقهِنَّ جميعًا في الميراثِ والمهرِ وفي الكسبِ، وفي حقهِنَّ في أنفسهِنَّ، وحقوقهن الزوجية ما لهن وما عليهن، وتهدم ظلمَ المجتمعاتِ الجاهليةَ في ذلك، مع تحصين المجتمع داخليًا وخارجيًا.

فهذه السورة سورةُ العدلِ والإنسانيةِ تنظم العلاقاتِ الإنسانيةَ التي تربط الناسَ بعضَهم ببعضٍ: الأسرةَ المسلمةَ، والمجتمعَ المسلمَ، وما ينبغي أن ينهجَه المجتمعُ الفاضلُ في جعل العلاقاتِ تسير في مجراها العادلِ المجردِ عن الأهواء والشهواتِ الذي رسمه رب العالمين، هادمةً ومزيلةً للظلم الفاشي في المجتمعات الجاهلية[5] ، وواضعةً الأسسَ للاستقرار الداخلي الذي أساسُه الأسرةُ، وصلاحُ التعاملِ بين أفرادِ المجتمعِ لا سيما فيما يتعلق بالمال في ظل تشريعٍ عادلٍ، والاستقرارُ الخارجيُّ الذي أساسه احتفاظ الأمةِ بشخصيتها وقدرتها على مقاومةِ الشر الذي يطرأ عليها من الكفار، العدوِّ الذي يطمع فيها، ذلك أن احتفاظ الأمم بكيانها يرتبط بهذين الأمرين العظيمين.

فهذه الأحكام فيها هدايتهم وصلاحهم؛ لأن الذي وضعها هو الحكيم العليم بكل شيء وهو سبحانه الخبير الرقيب يرى عملهم وسيحاسبهم على الذرة والنقير والقطمير، وهو غفور لمن تاب ورجع وجميع دين الأنبياء هو التوحيد، فما أوحاه الله تعالى لنبيه هو الذي أوحاه لجميع الرسل.

مناسبة تسميتها لهذا المقصد[6]:

أ‌) قلنا إن مقصود السورة الحث على تقوى الله الخالق، المنتجِ للقيام بالعدل في جميع المعاملات والعلاقات التي تربط بين الخلقِ والرحمةِ بينهم، لا سيما مع الضعفاء خاصة النساء، وتهدم ظلم المجتمعات الجاهلية في ذلك، مع تحصين المجتمع داخليًا وخارجيًا، فاختار الله سبحانه من أنواع المستضعفين النساء؛ ليكون اسمًا للسورة اهتمامًا بتقوى الله بالعدلِ مع النساءِ والرحمةِ بهنَّ،وأداءِ حقوقِهنَّ: مِنْ مهرٍ، وميراثٍ، ومعاشرةٍ وغيرِ ذلك.

فكأنَّ السورةَ تقول: اتقوا الله تعالى واعدلوا مع الكل لا سيما المستضعون خاصة النساء، فجعلت السورة عنوانًا لهم ولهن.؛ تنبيهًا على حقوقهم وحقوقهن، فسُميت “سورةَ النساءِ” و”سورةَ النَّساءِ الكبرى” مقابلة لسورة النساء الصغرى التي عرفت في القرآن بسورة الطلاق.؛لكثرة ما ورد فيها من الأحكام التي تتعلق بهن بدرجة لم توجد في غيرها من السور.

ب‌) وكذلك لما كانت السورة لتحصين المجتمع داخليًا وخارجيًا، وكانت المرأة أهم أركان هذا الحصن الداخلي الذي يقصده الأعداء الخارجيون سميت بهذا الاسم إشارة لخطير دور المرأة في المجتمع.
ت‌)
والعجيب أن هذه السورة التي سميت بالنساء وبحث فيها أحكام كثيرة متعلقة بالنساء تتكلم عن المنافقين الذين يوالون أعداء الله لجعل الفاحشة تشيع في الذين آمنوا وتتكلم عن عداوة اليهود والنصارى الذين يريدون أن يميل المسلمون ميلًا عظيمًا، فيستعملون المرأة سلاحًا فتاكًا للمجتمع بدل أن يكون بانيًا معمرًا للمجتمع.

بعض أقوال العلماء في مقصد وأغراض السورة

نستطيع تقسيم الأقوال في مقصود سورة النساء إلى ثلاثة أقسام:

أ‌) القسم الأول: ركزوا على الأحكام التشريعية التي تنظم الشئون الداخلية والخارجية للمسلمين:

– جاء في المختصر في تفسير القرآن الكريم: “تنظيم المجتمع المسلم من داخله من خلال حفظ الحقوق الاجتماعية والمالية، إزالة لرواسب الجاهلية وتركيزًا على حقوق النساء والضعفاء.” [7].
– جاء في كتاب التعريف بسور القرآن الكريم: ” محور مواضيع السورة: سورة النساء إحدى السور المدنية الطويلة وهي سورة مليئة بالأحكام التشريعية التي تنظم الشئون الداخلية والخارجية للمسلمين وهي تعني بجانب التشريع كما هو الحال في السور المدنية وقد تحدثت السورة الكريمة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والبيت والأسرة والدولة والمجتمع ولكن معظم الأحكام التي وردت فيها كانت تبحث حول موضوع النساء ولهذا سميت “سورة النساء”[8].
– قال أبو زهرة في زهرة التفاسير: “وسورة النساء هي سورة الإنسانية، ففيها عين القرآن الكريم العلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض، وما ينبغي ان تنهجه المجتمعات الفاضلة في جعل العلاقة الإنسانية الأصيلة تسير في مجراها الطبيعي الذي رسمه رب العالمين بمقتضى الفطرة، وفيها ما حده الله – تعالى – لعلاج الانحراف الذي ينحرف به ذوو الأهواء من الآحاد والجماعات. ابتدأت السورة الكريمة ببيان الارتباط الإنساني الجامع الذي تلتقي عنده البشرية جميعها، فقال – سبحانه -: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } [النساء: 1] وإذا كان الناس جميعا ينتهون إلى أصل واحد فإنه لا بد من التساوي، ولا بد من التراحم لهذه الرحم الواصلة وبعد هذا البيان الرائع الذي يصور حقيقة الإيمان وعماده اخذ يصور حقيقة النفاق والمنافقين تصويرا قرآنيا، وإن أدق صورة بيانية للنفاق والمنافقين قوله تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا143}[النساء].
– ولقد بين سبحانه وحدة الرسالات الإلهية، فما أوحى إلى النبي هو ما أوحى إلى الأنبياء قبله، وإن الله يشهد والملائكة يشهدون بصدق ما جاء به، وإن الكافرين صدوا عن سبيله وضلوا وطرقهم إلى جهنم.ثم بين سبحانه ضلال أهل الكتاب، فقد غالوا في أنبيائهم، فقال النصارى: الله ثالث ثلاثة! وذلك ليس الحق{لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون…172}[النساء].
– ثم بين سبحانه وتعالى ان القرآن حجته فيه، فقال سبحانه: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا174}[النساء].
– وقد ختم سبحانه وتعالى السورة بما ابتدأ به، وهو امر بعض أحكام الأسرة، لبيان أن الأسرة هي حمى المجتمع وموضع صيانته، فقال سبحانه: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كان لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم176}[النساء]”[9].
– قال إبراهيم القطان: “وتشتمل هذه السورة على وضع الأسس للاستقرار الداخلي والاستقرار الخارجي في المجتمع، ذلك أن احتفاظ الأمم بكيانها يرتبط بهذين الأمرين العظيمين. فالاستقرار الداخلي: أساسه صلاح الأسرة، وصلاح المال في ظل تشريع عادل مبني على مراعاة مقتضيات الطبيعة الإنسانية، مجرد من تحكيم الأهواء والشهوات. والاستقرار الخارجي: أساسه احتفاظ الأمة بشخصيتها وقدرتها على مقاومة الشر الذي قد يطرأ عليها، والعدو الذي يطمع فيها.
– وقد تكفّلت سورة النساء بوضع أسس الأحكام التي تصلح بها هذه النواحي، فعرضت للموضوعات التالية:
العناية بشأن النساء، تنظيم الأسرة والزواج، المال، أسس الجماعة الإسلامية، مصادر التشريع، العناية باليتامى في أنفسهم وأموالهم وإحسان تربيتهم، ألوان التمرد على التشريع، مكافحة الآراء والشُبه الضارة، أحكام الميراث، القتال وأهدافه في الإسلام، وتتويج هذا كله بالدعوة إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من هداية ونور”[10].
– قال الأستاذ محمد الغزالي: “الثلث الأول من سورة النساء حديث عن الأسرة وقضاياها، والأسرة هي المجتمع الصغير، والثلثان الباقيان حديث عن الأمة وشئونها، والأمة هي المجتمع الكبير، فمحور السورة كلها العلاقات الاجتماعية وضرورة إحكامها وتسديدها. وبدأ التنبيه إلى ذلك من مطلع السورة ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء..” [11].

ب‌) القسم الثاني: ركزوا على العدل والرحمة:
– قال الطيبي[12] : وفي الكواشي: “لما ختم سورة النساء آمراً بالتوحيد والعدل بين العباد، أكَّد ذلك بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
– قال بعض العلماء: مقصود السورة: العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء.
– جاء في كتاب” من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم”: “المرأة ركن أساسي في المجتمع، وهي رمز للمستضعفين ومحضن لكثير منهم، أولئك الذين يسهل الاعتداء عليهم ولا يؤبه لخطورة دورهم، فجعلت السورة عنوانًا لهم تنبيهًا على حقوقهم.
– قال الفراهي: “وَسورَة النِّسَاء كالرِّدْء لصورة الْإِسْلَام، بِمَا تبين من كَون الشَّرِيعَة رَحْمَة على النَّاس كَافَّة”[13].

ت‌) القسم الثالث: ركزوا على التوحيد:

قال البقاعي: ” مقصودها الاجتماع على التوحيد الذي هدت إليه آل عمران”.
جاء في التفسير الموضوعي: محور السورة التوحيد الصحيح ومقوماته[14].
قال أ. د. محمد عبد المنعم القيعي: ” مقصود سورة النساء: الاجتماع على التوحيد”[15]

 

[1] من أقرب من ذكر ما ذكرته د عمر عرفات في “دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها”:” قال تميزت هذه السورة الكريمة بأنها سورة الدعوة إلى إقامة الإحسان والعدل داخل المجتمع المؤمن لا سيما المستضعفين، مع التحذير من حقد الأعداء في الداخل والخارج”. وهذا كلام دقيق من الدكتور قريب جدًا مما ذكرته، وقد قال قبلها مخلصًا لكلام العلماء: ” ومن الممكن أن تلخَّص الأقوال السابقة بالقول بأن محور السورة هو الدعوة إلى الالتزام بما جاء في شرع الله تعالى من الإحسان والعدل داخل المجتمع المؤمن لا سيما الفئات المستضعفة، مع التحذير من العدو الداخلي المتمثل بالمنافقين، والخارجي المتمثل بأهل الكتاب والمشركين، لحقدهم على الهدى الرباني الذي حظي به المؤمنون، ولما كانت النساء هي الفئة الأكثر استضعافًا، سميت السورة بهنَّ للدعوة إلى الإحسان والعدل إليهنَّ. “دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د عمر عرفات.ص62.
[2] وهذا المقصد لخصته أول آية التي تبدأ بخطاب الناس جميعًا بأنَّ خالقَهم واحدٌ، وتردهم بذكورهم وإناثهم إلى أصل واحد، تنتظمهم جميعًا وشائج الرحم، وإذا كان الناس جميعًا ينتهون إلى أصل واحد، فإنه لا بد من التراحم لهذه الرحم الواصلة، مع استجاشة هذه الروابط كلها في الضمير البشري، واتخاذها ركيزة لتنظيم المجتمع الإسلامي على أساسها، وحماية الضعفاء فيه عن طريق التكافل بين الأسرة الواحدة، ذات الخالق الواحد.
وقد ختم سبحانه وتعالى السورة بما ابتدأ به، وهو أمر بعض أحكام الأسرة، لبيان أن الأسرة هي حمى المجتمع وموضع صيانته، معتنية بشأن الميراث لكثرة ما يقع فيه من الظلم فقال سبحانه:{يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كان لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم176}[النساء].
[3] من لطائف السورة أنها أكثر سورة ذكر فيها عبارة {وكفى بالله} فقد وردت في ثمان مرات: {كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)}،{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)}.دلالة أسماء السور القرآنية/د عمر عرفات ص64.
وهي أكثر سورة ذكر فيها عبارة {وكان الله} فقد جاءت في واحد وعشرين موضعًا {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}،{وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}،{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}،{وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}،{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}،{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}،{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}،{وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}،{وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}،{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}،{وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}،{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}،{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)}،{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}.وبتأمل مقصود السورة وكذلك ما سأذكره في مقصود سورة الأحزاب والفتح يظهر السر جليًا.
[4] أكثر سورة ذكر فيها اليتامى سورة النساء وردت فيها ست مرات ثم سورة البقرة وردت أربع مرات:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}(2)، {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}(3)، {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (6)، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}،{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}،{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}.دلالة أسماء السور القرآنية /د عمر عرفات. ص64، وأكثر سورة ذكر فيها “المستضعفين”:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}،{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}،{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}.
[5] قال صاحب الظلال: ” إننا نجد مجتمعا تؤكل فيه حقوق الأيتام – وبخاصة اليتيمات – في حجور الأهل والأولياء والأوصياء، ويستبدل الخبيث منها بالطيب، ويعمل فيها بالإسراف والطمع، خيفة أن يكبر اليتامى فيستردوها! وتحبس فيه الصغيرات من ذوات المال، ليتخذهن الأولياء زوجات، طمعا في مالهن لا رغبة فيهن! أو يعطين لأطفال الأولياء للغرض ذاته! ونجد مجتمعا يجار فيه على الصغار والضعاف والنساء فلا يسلم لهم فيه بنصيبهم الحقيقي من الميراث. إنما يستأثر فيه بمعظم التركة الرجال الأقوياء، القادرون على حمل السلاح ولا ينال الضعاف فيه إلا الفتات.
وهذا الفتات الذي تناله اليتيمات الصغيرات والنسوة الكبيرات، هو الذي يحتجزن من أجله، ويحبسن على الأطفال من الذكور أو على الشيوخ من الأولياء. كي لا يخرج المال بعيدا ولا يذهب في الغرباء! ونجد مجتمعا يضع المرأة موضعا غير كريم، ويعاملها بالعسف والجور. في كل أدوار حياتها. يحرمها الميراث – كما قلنا – أو يحبسها لما ينالها منع، ويورّثها للرجل كما يورثه المتاع! فإذا مات زوجها جاء وليه، فألقي عليها ثوبه، فيعرف أنها محجوزة له. إن شاء نكحها بغير مهر، وإن شاء زوجها وأخذ مهرها! ويعضلها زوجها إذا طلقها، فيدعها لا هي زوجة، ولا هي مطلقة، حتى تفتدي نفسها منه وتفك أسرها! ونجد مجتمعا تضطرب فيه قواعد الأسرة بسبب هبوط مركز المرأة فيه، علاوة على اضطراب قواعد التبني والولاء، واصطدامها مع قواعد القرابة والنسب، فوق ما فيه من فوضى في العلاقات الجنسية والعائلية. حيث تروج اتصالات السفاح والمخادنة.
ونجد مجتمعا تؤكل فيه الأموال بالباطل في المعاملات الربوية. وتغتصب فيه الحقوق. وتجحد فيه الأمانات.
وتكثر فيه الغارات على الأموال والأرواح. ويقل فيه العدل فلا يناله إلا الأقوياء. كما لا تنفق فيه الأموال إلا رئاء الناس، اجتلابا للمفاخر، ولا ينال الضعاف المحاويج فيه من هذا الإنفاق ما ينال الأقوياء الأغنياء! وليست هذه سوى بعض ملامح الجاهلية – وهي التي تصدت لها هذه السورة – ووراءها ما صورته السور الأخرى، وما تحفل به أخبار هذه الجاهلية في العرب، وفيمن حولهم من الأمم ».في ظلال القرآن/سيد قطب (1/ 557).
[6] قال محمود شلتوت: وكم تنبض قلوب النساء فرحًا لتكريم الله لهن وعنايته بهن حينما يسمعن أو يعلمن أنَّ القرآن الكريم عرض لهن في هذه السور كلها، وأن من بين السور سورتين سميتا باسمهن وعالجتا كثيرًا من شؤونهن من أطوار حياتهن كلها، من عهد الطفولة إلى عهد الزوجية والأمومة، وأن إحدى السورتين، وأن الأخرى وهي الصغرى تبدأ بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة فيما تعرض له من أحكام”. تفسير القرآن الكريم، محمود شلتوت(165).
[7] المختصر في تفسير القرآن الكريم/مركز نفسير للدراسات القرآنية ص77.
[8] التعريف بسور القرآن الكريم/ موقع أم الكتاب (7).
[9] زهرة التفاسير/ محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة(3/ 1563).
[10] تيسير التفسير/ إبراهيم القطان.
[11] نحو تفسير موضوعي/ محمد الغزالي/ دار نهضة مصر(ص42).
[12] فتوح الغيب: (16/ 153)
[13] دَلَائِل النظام/ الفراهي ص94.
[14] التفسير الموضوعي(2/2).
[15] الأصلان في علوم القرآن/ أ. د. محمد عبد المنعم القيعي (238).