المقال الرابع من سلسلة فقه الطهارة للشيخ عمر حجازي – التعريف ببعض المصطلحات الفقهية

يقدم فضيلة الشيخ عمر حجازي شرحاً مبسطاً للفقه الحنفي، مقارناً في بعض المواقف بين أحكام المذهب الأساسية وأحكام الفقه الشافعي، ويعد الشرح مدخلاً مناسباً للمبتدئين في قراءة ودراسة الفقه، ولمن أراد الوقوف على أساسيات الدين وأحكام الشريعة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التعريف ببعض المصطلحات الفقهية

لا بد قبل البدء بالكلام عن الأحكام الفقهية من بيان معاني بعض المصطلحات الفقهية التي يكثر ورودها عند الحديث عن الأحكام الفقهية، وهذه المصطلحات هي:

1 – الفرض:

هو ما ثبت طلب الإتيان به بدليل قطعي الثبوت والدلالة.

ومعنى قطعي الثبوت: أن هذا الدليل الذي يثبت به الفرض إما نقل نقلا مستفيضا جيلا عن جيل، بحيث علم ضرورة أنه دليل شرعي، لا شك فيه ولا شبهة، وذلك كالقرآن. أو نقله عدد من الرواة لا يمكن اتفاقهم على الكذب؛ لكثرتهم، أو لعدم إمكان اجتماعهم؛ لكونهم من بلاد متفرقة متباعدة [1] . وذلك كالحديث المتواتر، مثل حديث: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) [2] . فإنه ثبت به حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحرام عكس الفرض.

ومعنى قطعي الدلالة: أن له معنى واحدا لا يحتمل غيره، كقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} [البقرة: ۱٨۳]. مثال ما ليس قطعي الدلالة قوله تعالى: {أو لامستم النساء} [النساء: ٤۳]، فقد اختلف العلماء، هل المراد بالملامسة اللمس أم الجماع.

مثال الفرض: الإيمان بالله، والأركان الأربعة، الصلاة والصوم والزكاة والحج.

حكم الفرض: لزوم اعتقاد أنه حق، ولزوم العمل به. فمنكره كافر، وتارك العمل به بلا عذر فاسق. والعذر كالإكراه والنسيان ونحوهما [3] .

نوعا الفرض: فرض في الدين، كأركان الإسلام الخمسة، وفرض في العبادة، وهو نوعان: ركن وشرط.

أ – الركن: ما يكون فرضا داخل التصرف الشرعي، سواء كان عبادة أو معاملة. مثل القراءة في الصلاة، والوقوف بعرفة في الحج، والإيجاب والقبول في البيع.

ب – الشرط: ما يكون فرضا خارج التصرف الشرعي، متقدما عليه، كالوضوء في الصلاة، وملك الزاد والراحلة في الحج، والشهود في النكاح [4] .

2 – الواجب:

هو ما ثبت طلب الإتيان به بدليل فيه شبهة في ثبوته أو دلالته.

مثال ما فيه شبهة في الثبوت: خبر الواحد. ومثال ما فيه شبهة في الدلالة: الآيات المؤولة، كقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: ۲٩]، فإن الوفاء بالنذر واجب؛ لأن الآية ظنية الدلالة؛ لأنه قد خص من النذور النذر بالمعصية، وما ليس من جنسه واجب، كعيادة المريض، فصار لفظ النذور في الآية ظنيا [5] .

حكمه: لزوم العمل به دون اعتقاده، فلو أنكره لا يكفر [6] .

مثال الواجب في الدين: صدقة الفطر، والأضحية. ومثال الواجب في العبادة: القعود الأول في صلاة الفرض الثلاثية والرباعية.

أثر تركه: ترك الواجب عمدا يوجب كراهة تحريمية، وتركه سهوا يختلف بحسب العبادة، ففي الصلاة يوجب سجود السهو، وفي الحج يوجب دما [7] .

3 – السنة:

هي ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وتنقسم إلى مؤكدة، وغير مؤكدة.

أ – السنة المؤكدة: هي ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم بدون ترك. كسنة الفجر.
ب – السنة غير المؤكدة: هي ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع الترك أحيانا. كالركعتين الثانية والثالثة في سنة الظهر البعدية [8] .

أثر تركها: ترك السنة المؤكدة يوجب الإساءة، والإساءة فوق الكراهة التحريمية، ودون الكراهة التنزيهية [9] . وترك غير المؤكدة يوجب كراهة تنزيهية [10] .

4 – المستحب:

هو ما لم يواظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما رغب فيه وإن لم يفعله.

ويسمى: مندوبا وأدبا وفضيلة ونفلا وتطوعا.

أثر تركه: تركه خلاف الأولى [11] .

5 – الحرام:

هو ما ثبت طلب الكف عنه بدليل قطعي الثبوت والدلالة [12] .

مثاله: حرمة الربا الثابتة بقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: ۲٧٥].

6 – المكروه تحريما:

هو ما ثبت طلب الكف عنه بدليل ظني ثبوتا، أو دلالة.

مثالها: صوم العيدين وأيام التشريق [13] ، وأن يكون فوق رأس المصلي أو أمامه تصاوير [14] .

7 – المكروه تنزيها:

هو ما ثبت طلب الكف عنه بدليل ظني الثبوت والدلالة.

مثالها: صوم يوم عاشوراء وحده، وكراهة صوم يوم عرفة للحاج [15] .

8 – خلاف الأولى:

هو ما كان تركه أولى من فعله، ولم ترد فيه صيغة نهي خاصة به.

مثاله: ترك صلاة الضحى، والأكل قبل صلاة العيد في عيد الأضحى [16] .

هذه أهم المصطلحات التي يجب معرفة معانيها على من يريد دراسة الفقه الحنفي، وتأتي مصطلحات أخرى نشرحها عند ورودها إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

[1] الحصكفي، إفاضة الأنوار ص 164، و 176 – 177.
[2] رواه البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، 107. وانظر: ص 266.
[3] الحصكفي، إفاضة الأنوار ص 164.
[4] الحصكفي، الدر المختار وحاشيته لابن عابدين /1/257/.
[5] ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد، فتح القدير/2/303/.
[6] الحصكفي، إفاضة الأنوار ص 165.
[7] الحصكفي، الدر المختار وحاشيته لابن عابدين /2/197 – 198/.
[8] ابن نجيم، إبراهيم بن محمد، البحر الرائق شرح كنز الدقائق /1/17 – 18/، وابن عابدين، محمد أمين، نسمات الأسحار، ص 165 – 166.
[9] ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار /2/226/.
[10] المرجع السابق /1/317/.
[11] ابن نجيم، إبراهيم بن محمد، البحر الرائق شرح كنز الدقائق /1/29/، وابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار /1/317 – 318/، و/2/232/.
[12] المرجع السابق /1/258/.
[13] ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد، فتح القدير/2/303/.
[14] المرغيناني: علي بن أبي بكر، الهداية في شرح البداية، /1/65/.
[15] ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد، فتح القدير/2/303/ و/350/.
[16] ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار /1/317/.