المقال الأول من سلسلة فقه الطهارة للشيخ عمر حجازي -مقدمة وتمهيد

يقدم فضيلة الشيخ عمر حجازي شرحاً مبسطاً للفقه الحنفي، مقارناً في بعض المواقف بين أحكام المذهب الأساسية وأحكام الفقه الشافعي، ويعد الشرح مدخلاً مناسباً للمبتدئين في قراءة ودراسة الفقه، ولمن أراد الوقوف على أساسيات الدين وأحكام الشريعة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة وتمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن من دلائل عناية الله تعالى بهذا الدين وحفظه له، ومن أنصع الأدلة على سيادته ودوامه، ومن أجلى البراهين على مصدره وكماله، تلك الرغبة التي تنمو في نفوس كثير من المسلمين، لا سيما الشباب منهم، في التعرف إلى علوم الشريعة، وخاصة منها الفقه الإسلامي، بعد تلك الانغماسة والالتفاتة إلى تشريعات هي من وضع البشر لم تستطع أن تحقق للإنسان سعادته، ولم تستطع إنصافه وإيصال حقه إليه، وغريب من الغني أن يتسول، ومن الشريف أن يتطفل على موائد الآخرين.

وهذه سلسلة مبسطة في الفقه الحنفي مقارنة في بعض أحكامها الأساسية بالفقه الشافعي، موجهة لمن يريد التعرف جديدا على هذا العلم، وتعلم أحكام دينه التي كلفه الله تعالى العمل بها، أهدف منها إلى إيصال معلومة سهلة مبسطة واضحة، توقف المسلم البسيط على أساسيات دينه وأحكام شريعته.

وهذه مقدمات لابد منها قبل البدء في الأحكام الفقهية، أتناول فيها بعض النقاط المتعلقة بالفقه، وهي:

أ – تعريف الفقه لغة واصطلاحا.
ب – مصادره.
ج – غايته.
د – فضله.
ه – ارتباطه بالعقيدة الإسلامية.
و – القدر الواجب تعلمه منه.

أ – تعريف الفقه لغة واصطلاحا:

الفقه في اللغة معناه الفهم، يقال: ” فقِه يفقَه فِقْها” أي: فهم [1]. قال الله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: ٧٨]. وقال تعالى: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: ٤٤]، أي: لا تفهمون تسبيحهم.

وفي الاصطلاح يطلق على معنيين:

الأول: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
فالفقيه على هذا من يأخذ الحكم من دليله، فهو المجتهد خاصة. والأدلة التفصيلية هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس [2]. مثال ذلك: قولنا: إن غسل الوجه في الوضوء فرض؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم …} [المائدة: ٦].

الثاني: حفظ الفروع الفقهية مطلقا، أي: سواء مع معرفة أدلتها أو لا. وهذا المعنى هو الشائع عرفا، فيطلق الفقيه بهذا المعنى على المقلد [3].

ب – مصادره: للفقه الحنفي مصادر رئيسية استنبط منها، ومصادر فرعية، فالمصادر الرئيسية هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والمصادر الفرعية نحو الاستحسان وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي.

1 – الكتاب: هو القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلا متواترا [4]. مثال ما ثبت بالقرآن قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: ۲٧٥].

2 – السنة: هي كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. والمراد بالتقرير أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم فعلا من بعض أصحابه فلا ينكر عليه.

3 – الإجماع: هو اتفاق جميع العلماء المجتهدين في عصر من العصور على حكم شرعي. مثاله: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن الجد يأخذ سدس التركة مع الولد الذكر عند عدم وجود الأب [5].

4 – القياس: هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص؛ لوجود علة الحكم فيها. مثاله: البيع وقت أذان [i]صلاة الجمعة مكروه؛ للنهي عنه في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع…} [الجمعة: ٤٩]. وعلة النهي الانشغال عن الصلاة، فيكون الرهن والإجارة وأية معاملة أخرى مكروهة وقت أذان الجمعة؛ لوجود العلة فيها، وهي الانشغال عن الصلاة [6].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

[1] الرازي، مختار الصحاح، مادة: “ف، ق، ه”.
[2] الحصكفي، الدر المختار وحاشيته لابن عابدين /1/141 – 142/.
[3] ابن عابدين، رد المحتار /1/142/.
[4] الحصكفي، إفاضة الأنوار ص 11 – 12.
[5] د. مصطفى الخن وآخران، الفقه المنهجي /1/19/.
[6] الخلاف، أصول الفقه ص 53، والكاساني، البدائع/5/168/.