المقالة الأولى من سلسلة دروس فقه السيرة النبوية: لماذا ندرس فقه السيرة النبوية؟

يقدم لنا فضيلة الشيخ وصفاً مفصلاً ورسماً يسيراً لفقه السيرة النبوية؛ وتتناول السلسلة أولاً أسباب دراسة السيرة وكيف دونت وحفظت، بالإضافة إلى إبراز الروابط بينها وبين الأديان السماوية، ورسم معالم سياقها التاريخي والجيوغرافي في شبه الجزيرة العربية.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

الأسباب التي من أجلها ندرس فقه السيرة أهمها:

أولاً: فهم شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم (النبوية)، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكيد على أنه لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته بين قومه، كما يحاول المستشرقون أن يخدعونا من خلال كلمات براقة، يصورونه رجلا عبقريا فاق العباقرة، وذكيا فاق الأذكياء، كما فعل (مايكل هارت) صاحب كتاب (الخالدون المائة)، حيث قارنه ببوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، وهتلر، ولينين، وجعله متقدما عليهم جميعا، ولكنه جرده من أخص خصوصياته التي ترفعه حتى على الملائكة؛ وهو كونه نبيا رسولا أيّده الله بوحي من عنده.

ثانياً: ليجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى؛ ليجعل منها دستورا له في كل ما يأتي ويدع، ولا ريب أنه إذا بحث عن مَثَلٍ أعلى في كل نواحي الحياة فإنه واجد ذلك في نبي الله محمد، على أعظمِ ما يكون من الوضوح والكمال.
ومن أين لنا رجل تفوق في كل مجالات الحياة؟ تفوق في عبادته، في ورعه، في زهده، في وفائه، في عفته، في شجاعته، في كرمه، في تواضعه، في حلمه، في رحمته، في صبره، في ذكائه، في حكمته، في بلاغته، في سياسته في قيادته في حربه في سلمه في تعامله مع أصحابه، ومع أعدائه.

ثالثاً: ليأخذ الإنسان من دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعينه على فهم القرآن الكريم الذي أنزله الحق؛ ليكون دستورا للحياة.
فالأحداثُ التي مرت به عليه الصلاة والسلام، ومواقفُه منها، ومعالجتُه لها. مبينة للقرآن أجمل بيان ومفسرة له أحسن تفسير.

رابعاً: ليتجمع لدى المسلم من خلال دراسة سيرته صلّى الله عليه وسلم، أكبرُ قَدْرٍ من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة، سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق، إذ لا ريب أن حياته عليه الصلاة والسلام إنما هي صورة مُجَسَّدَةٌ لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.

خامساً: ليكون لدى المعلم والداعية الإسلامي نموذجٌ حيٌّ عن طرائق التربية والتعليم، وأساليبِ الدعوة فلقد كان سيدنا محمد معلما ناصحا، ومربيا فاضلا، وداعيا إلى الله ناجحا، لم يأل جهدا في تلمس أجدى الطرق الصالحة إلى كل من التربية والتعليم، والدعوة الحكيمة المؤثرة في نفوس المدعوين خلال مراحل دعوته المختلفة.
وإن من أهم ما يجعل سيرته صلّى الله عليه وسلم وافيةً بتحقيق هذه الأهداف كلها، أن حياته عليه الصلاة والسلام شاملةٌ لكل النواحي الإنسانيةِ والاجتماعيةِ التي توجد في الإنسان من حيث إنه فرد مستقل بذاته، أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع.
فحياته عليه الصلاة والسلام تقدم إلينا نماذج سامية للشابِّ المستقيمِ في سلوكه، الأمينِ مع قومه وأصحابه، كما تقدم النموذج الرائع للإنسان الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذلِ منتهى الطاقة في سبيل إبلاغ رسالتِه، ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته لأهله، وللأب في حنانه وعطفه، وللقائد الحربي الماهر، والسياسي الصادق المحنك. لا جرم إذن، أن دراسة سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم؛ ليست إلا إبرازا لهذه الجوانبِ الإنسانية كلها، مجسدةً في أرفع نموذج صنعه الله على عينه، ورباه على قيمٍ ومبادئَ، ليست من النوع التي تواضع عليها البشر، ولا مما تعارف عليها الخلق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.