المحاضرة الثانية عشر من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: الولد من العاشرة للرابعة عشرة الجزء الأول: مزايا هذه المرحلة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علمًا ينفعنا.

وبعد:

فنحن اليوم مع المرحلة الرابعة من مراحل يمر بها الولد، وهي المرحلة من السنة العاشرة للسنة الرابعة عشرة من عمره.

كما تعودنا في المحاضرات السابقة أن نقسم المحاضرة إلى قسمين، القسم الأول: نبين فيه مزايا هذه المرحلة؛ لنعرف من خلال ذلك ماهي الطريقة الأنجع للتعامل مع الولد، والتي هي عنوان القسم الثاني من المحاضرة.

مزايا هذه المرحلة:

  1. هذه المرحلة انتقالة، وقنطرة بين مرحلة الطفولة، وبداية مرحلة الرجولة ففيها يودع الطفل الطفولة ويبدأ باستقبال أيام الرجولة.

مهمة:

  1. ربما يستغرب بعضهم كيف نقول مرحلة الرجولة في سن الرابعة عشرة؟! الجواب: نعم فهذا هو ميزان شرع الله جل وعز لتحديد ذلك.
  2. ابتلينا بفكرة خاطئة وهي سحب، ومد مرحلة الطفولة إلى سن الثامنة عشرة والحادية والعشرين، مع أن هذه المرحلة من المراحل الخطيرة جدًا التي لو استثمرناها بشكل صحيح لحصدنا نتائج رائعة تفوق الخيال. لو نظرنا لكتاب الله عزوجل، وهو يقص علينا قَصَص فتية في هذا العمر ما نزال حتى يومنا هذا نأخذ منها الدروس والعبر.

القصة الأولى: قصة أصحاب الكهف التي ذكرها بيان الله عزوجل فقال: } نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى{ [الكهف 13 ]. إنهم فتية في سن مبكرة لم يكونوا في سن الأربعين، ومع ذلك ضربوا أروع الأمثلة في الحفاظ على الحق والثبات عليه.

القصة الثانية: قصة الغلام المؤمن وأصحاب الأخدود: فقد  روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى بإسناده إلى صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  “كان ملكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر – يعني الساحر- قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان في طريقه إذا سلكَ راهبٌ ( كان في طريق الغلام إذا سلك إلى الساحر راهبٌ).

 فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب، وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه  لأنه يتأخر عن موعد الدرس – درس السحر- .

 فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمة قد حبَست الناس، فقال: اليوم أَعلَم الساحرَ أفضلُ أم الراهبَ أفضلُ؟ فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة؛ حتى يمضي الناس، فرماها، فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لَكَ أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله، فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شِقّاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور(قارب) فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق.  رواه مسلم برقم(3005).

إن الغلام الذي فعل ما فعل هو في سن أولادنا الذين ننظر إليهم على أنهم أطفال؛ فما ينبغي النظر للناشئة في هذا السن على أنهم مجرد أطفال بل هم في الحقيقة قنطرة الطفولة إلى الرجولة.

  1. يلاحظ في هذه المرحلة النمو العقلي الواضح للولد والقدرة على الاستيعاب والدقة في الملاحظة، ولكن مع نقص في الخبرة.

مهمة: نقص الخبرة معناه نقص التعليم فلو علمنا الولد فإنه يتعلم.

  1. يلاحظ في هذه المرحلة الحاجة النفسية للولد لتحقيق نجاحات خاصة في حياته، وإبراز شخصيته بشكل مستقل، ويحب القيام بأعمال تنسب إليه.
  2. يلاحظ في هذه المرحلة حرص الولد على البعد الاجتماعي (صارت له علاقات اجتماعية)، والحرص على إقامة هذه العلاقات بعيدًا عن هيكلية الأسرة، فهذه العلاقات ماينبغي حرمان الولد منها، ولكن علينا أن نراقبها، ونتفاعل معه فيها.
  3. يلاحظ في هذه المرحلة ظهور طبقة الأصدقاء الذين يحرص الطفل على استرضائهم، والأخذ بنصائحهم، ويبدأ تأثير الأهل بالضعف (لم تعد سيطرة الوالدين على الولد كما كانت في السابق).
  4. يلاحظ ميل الولد للاستقلال الاقتصادي خصوصًا إذا كان يحصل من الأسرة بعض الضغط بسببه… فقد يستنكف الولد عن الدراسة، ويرفضها ويتجه فكره للعمل لكسب المال .. يريد أن يبحث عن طرق بديلة للحصول على مصروفه الخاص.

مهمة: بعض الآباء يرى ابنه في هذا السن يتجه لسوق العمل لكسب المال(مع تركه للدراسة) فيتغاضى عن هذا الخلل الكبير في التربية، بل يبدأ الوالدان بالثناء على الولد، ووصفه بأنه صار رجلًا في بيته؛ وبالتالي فهذا سيشعر الولد بأنه كلما حقق نجاحًا ماليًا أكثر فإنه يحقق نجاحًا اجتماعيًا أكبر..وهذا خلل مابعده خلل.

  1. يلاحظ في هذه المرحلة القوة الواضحة في التكوين الجسمي للولد فينبغي استغلال هذه القوة في الأعمال النافعة؛ فجسمه مليء بطاقة يستفاد منها.

مهمة: بعض الآباء يرزقهم الله طفلًا في سن متأخرة من العمر والوالدان في هذا السن يميل مزاجهما للهدوء، وعدم الحركة، وهذا يتعارض مع حالة ولدهم فهو ميال للحركة، وفرط النشاط؛ لهذا يجب إعطاء المجال للولد لتفريغ الطاقة المكنونة في داخله وإلا فإنه سيفرغها إما بالمشاجرات مع إخوته داخل البيت أو بمناكفة أمه على أقل تقدير.

  1. المراهقة هي المرحلة القريبة من سن البلوغ، وهي من أخطر المراحل ،وأكثر المسائل تشويشًا في عالم الطفل.

مهمة:

  1. بعض الآباء كلما أخطأ ولدهم برر خطأه بأنه مراهق، وكأن المراهقة مرحلة لتسويغ كل خطأ.
  2. من تعريف المراهقة ندرك أنه لابد للمراهقة من توجيه مغاير لتوجيهات المراحل السابقة لها فينبغي التعامل معها بحذروقدرة على الاستيعاب شديدين وإلا فإن الولد سيذهب لغير والديه ويعطي لهم أسراره ومايشعربه في حال وجد راحته وسكينته عند غيرهم.
  3. لم يعد الطفل في هذه المرحلة أداةً لتنفيذ الأوامر فقط فهذا بالنسبة له أمر شاق جدًا وسيصطدم الوالدان بمعاني البر المرجوة من ولدهم، وسلوكه في عصيانه الأوامر، وعناده؛ فعلى الوالدين فهم نفسية ولدهم ومايمر به من مراحل التغيير، وان يتذكرا مارواه سيدنا علي: “رحم الله والدًا أعان ولده على بره”.

والآن بعد أن ذكرنا خصائص هذه المرحلة ننتقل للحديث عن الوسائل التربوية الصحيحة المناسبة لها، وهذا ما سنتحدث عنه في المحاضرة القادمة.

اللهم وفقنا لمحابك والهمنا مراشد الصواب والهداية

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

_