التجديد في الفكر الإسلامي: رؤية إيجابية في معرفة عناصر التجديد الواعي يقدمها الحبيب أبو بكر المشهور

يقدم الداعية الأديب والفقيه والمؤرخ الحبيب أبو بكر المشهور في هذا البحث كلاما في غاية الأهمية يتعلق بقضية دائما ما تطرح هذه الأيام ألا وهي قضية التجديد في الفكر الإسلامي، لكن بمفهوم شرعي يبين فيه أهم منابع الفكر الإسلامي وعلاقتها بالتجديد، ثم تحديد مفهوم التجديد وشروطه وقواعده وأسسه، وكيفية الارتقاء به، ومن هنا فالكلام في هذا الإطار يحمل أهمية كبيرة لأنه يبين كيف يكون التجديد في الفكر الإسلامي، وكيف يمكن الربط بين التراث ودعاوى التجديد.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي أحيا الإنسانية برسالة التوحيد والتجديد، رسالة القرآن والسنة الحاملة شرف الإبلاغ بالحكمة والموعظة الحسنة في سائر العبيد، والصلاة والسلام على نبي السلام والرحمة والمحبة القائمة على (التعاون والأخوة واجتماع الكلمة) لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فإن حاجة الأمة إلى (معرفة عناصر التجديد الواعي) في ملة الإسلام العالمية أمر بارز الضرورة، وواجب الإشهار حيث أن الجمود والركود لا يتناسب مع رسالة التشريع العالمية، وفي هذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم (بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء الذين يحيون من سنتي ما أمات الناس) وأحيا سنن النبوة بث الروح الإيمانية في الشعوب لتفقه سر الرسالة وفق النصوص الشرعية (الكتاب والسنة).

وبهذا الفهم والتجديد الواعي الخالي عن النقض والبتر والإقصاء للآخرين، ستهتم الأمة مستقبل الإسلام من مرقومات ماضيه وحاضره…

أ- بيان منابع الفكر الإسلامي:

تنطلق منابع الفكر الإسلامي من أصول المرحلة التي برزت فيها الرسالة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام مقيدة بما يلي:

1) القرآن
2) السنة الصحيحة
3) الأخلاق النبوية الشرعية: ضابط هذه الأصول، قوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٨٩].
4) التراث المذهبي والذوقي المعتدل {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩۰].

ب- مفهوم التجديد وشروطه وقواعده:

يتميز الإسلام بمرونته ووسطيته واعتداله بين كافة الديانات السابقة وهذا ما تفسره الآية القرآنية المعبرة عن وظيفة هذه الأمة بين الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [المائدة: ١٤۳].

والوسطية والاعتدال (في الإسلام) هي مادة التجديد بين طرفي الإفراط والتفريط، ولما كانت الأمم السابقة قد وقعت في مزلقة الإفراط والتفريط، ولم تخرج منها بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يحمل لواء التجديد، وإعادة فهم حقيقة التوحيد، بعيداً عن الغلوّ والإفراط والتفريط، وهذا ما يميز ديانة الإسلام عالميّاً أمام بقية الديانات. إضافة إلى أن رسالة الإسلام تحتفظ في ثوابتها الشرعية أصول التجديد، وإعادة الترتيب للديانة والتدين من داخلها، كلما شابها بفعل إفراط الاتباع وتفريطهم خطأ الفهم، وانحراف العادات والعبادات. كما أن من خصائص هذه الملّة قدرتها على التوازن في كافة المراحل المتقلبة سواء كان القرار إسلامياً أم كان القرار غير ذلك، فالديانة الصحيحة لا تنحرف في قلوب، وحياة في قلوب، وحياة الأمة المدركة ثوابت ديانتها، بل تظل مستمرة الحركة والإفادة والمعالجة ما بين حدها الأعلى عند الاكتمال أو حدّها الأدنى عند الضرورات والتحولات. وفي هذا الجانب نجد الديانة ذاتها في فقه العبادات – مثلاً – تنحى هذا المنحى في وسطية الإلزام تبعاً للأعذار الشرعية، والحاجات الضرورية فالقصر والجمع والإفطار للمسافر والمريض والحائض والنفساء وغير ذلك مما يعرفنا سماحة الإسلام وسعة ضوابطه. ومثل هذا يبرز لنا أفق الشمول الشرعي لهذا الدين الحنيف.

إن مفهوم التجديد في ديانة الإسلام يحمل معانِ وقواعد وثوابت عميقة الهدف والغاية وكلّها تنبع من داخل النصّ الشرعي وتنطلق من خلاله، وتُرضخ الفهم البشري والاجتهاد الذاتي للانطواء الواعي للنص، وفهم مدلولاته العالمية وإشاراته المتجاوزة حدود الزمان والمكان، وهذا ما يميزنا نحن أمة القرآن والسنّة في مفهوم التجديد، حيث أن في إطلاق هذا المفهوم، وعدم تقييده بالنصوص الشرعية خروج خطير، وتجاوز مثير، وشر مسستطير، كان العديد من المستشرقين قد تناوله وأخذ به، وملاحقة التعليل في شأنه؛ ليجعلوا منه جسر وصول إلى لبّ العقيدة وتفكيكها.
فهذا كتاب المستشرق هاملتون جيب كمثال من الأمثلة أسماه “دعوة تجديد الإسلام” [1] نجده ينحى في هذا الشأن منحىً تحليلياً عقلانياً مجرداً يتلاءم مع فهمه للتجديد، فيقول في ص8: “إن جميع المؤلفات على وجه التقريب المكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية من قبل الكتاب المسلمين تتحول إلى مؤلفات تقريضية تبريرية لأن كافة المؤلفين يهدفون إلى الدفاع عن الإسلام والبرهان على ملائمته لما يعتقدون أنه يمثل التفكير بحاضر”. ثم يقول: “والسيد محمد إقبال الشاعر، والعالم الهندي هو استثناء هام. فهو يبحث بصراحة في محاضراته الست حول إعادة بناء التفكير الديني في الإسلام”.

ولهذا فإن مفهوم التجديد للفكر الإسلامي في كل مراحله ينبع من أسس وشروط هامه …

المصدر الأول للتجديد: كتابُ الله تعالى جل جلاله.
المصدر الثاني للتجديد: سنّة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
المصدر الثالث للتجديد: اجتهادات المذهبية الإسلامية الأولى.
المصدر الرابع للتجديد: الاستفادة من مستجدات العلوم الحديثة بعد مطابقتها بالأصول.

جـ- تنشيط عنصر التجديد، واستنباط مقومات الارتقاء بالفكر الإسلامي:

يجب أن نفصل أولاً بين الإسلام كأصول ثابته، وبين فكر المسلم وتفكيره، فالأصول متسمّة بالعالمية، والعقل الإنساني متسم بالقصور في الفهم والاستنباط، فحيناً يصيب وحيناً يخطئ.

والعلماء الذين ينطلقون في مسيرة التجديد هم غالباً مجتهدون في فهم النصوص ومتأثرون بثقافة المرحلة والقرآن والسنة تحمل لغة العالمية، وترقى فوق مستوى الفهم والثقافة المرحلية، وتتجدد هذه اللغة القرآنية والنبوية، مع تجدد الحياة، وتطور مظاهرها وظواهرها؛ لأن وظيفة الأصلين ربط الإنسان من خلال النص والتجربة والملاحظة بالحق المعبر عنه في قوله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ…} [فصلت: ٥۳]؛ هذا فيما يخصّ آفاق المعرفة ومستجدات العلوم، أما ما يخصّ الاجتهاد الفقهي والاعتقادي، فالتراكم المتوراث فيه الغنية والكفاية، اللهم إنّ اتباع المذاهب والمدارس يلزمهم النظر إلى مفهوم التجديد الفكري في أسلوب التعايش، وتبادل المعرفة العلمية بسعة الأفق، وكمال التفاهم المفضي إلى السلامة والتقارب بين المذهبيين، وعلماء الفروع واتباعهم، وترك ما لا تحتاج إليه الأمة من نافلة القول في علم الكلام، وتفريعات المسائل والافتراضات، وإعطاء العلم الشرعي موقعه من صفة العالمية بابتعاث الثوابت الجامعة للأمة على القواسم المشتركة.

ومن هذا المنطلق فإن سعة الإطلاع والأخذ بالعلم والغوص في مراتبه ونماذجه – مادياً وروحياً – ينـزع بالعقل الواعي إلى شهود المعنى القائل “لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها”؛ وما صلح به أولها هو تجاوز التعقيدات الناشئة عن الظلم والبغي والتنافس التي وصفها الله تعالى بقوله: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية: ١٧]. كما يؤدي هذا الشمول في الفهم والإدراك إلى اكتشاف مستجدات الحضارة في الأصلين ذاتهما باعتبارهما الوثيقة الأولى لإصدار مرسوم الحضارة المادية والروحية في العالم الإنساني المعاصر؛ إلا أن الأصلين يضعان المرسوم الحضاري – مادياً وروحياً – تحت إطار معين:

أولاً – إعادة قراءة الحياة في العالم باسم الرب – سبحانه – {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] [2].
ثانياً – توثيق مرقومات الحضارة والتطور والمعارف – روحية ومادية – بالعلم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }[العلق: ٤-٥] [3]. فالتجديد هنا أمرٌ لازمٌ مع كلِّ قراءةٍ ومع كلِّ توثيق.

وهذا يعيدنا إلى ضرورة مراجعة مدركات الوعي المعاصر وخاصة في اتباع الإسلام والبحث الجاد في شأن التركيبات الفكرية التي ينطلقون بها في معرفة الإسلام وتجديد منابع الفكر فيه.

إن تنشيط عنصر التجديد في الفكر الإسلامي، واستنباط مقومات الارتقاء به تستلزم الشروط التالية:

1. الإيمان المطلق بعالمية الفكر الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان.
2. الاستفادة الفعلية من مستجدات العلم الحديث، وآفاق التطور الذي بلغ إليه العقل الإنساني كمعرفة.
3. القراءة التاريخية الشرعية للمراحل المؤثرة في عالمية الإسلام وتجاوز ثقافتها وسلبياتها.
4. اعتماد القراءة الواعية للكتاب والسنة الشريفة لاستنباط ثوابت التجديد فيها.
5. إعادة النظر في المناهج التعليمية وأسلوب التأهيل للمعلمين، وإحياء التعليم الأبوي الشرعي.

د- التجديد في إطار ترسيخ سماحة الدين الإسلامي ويسره واعتداله وانفتاحه على البشرية جمعا:

كان مجيء الرسالة السماوية الخاتمة إلى العالم هو مجيء السلام والرحمة والمحبة والقرآن يؤكد هذه المبادئ التي حملها القرآن، وأودعت في صور المُبلغ الأمثل صلى الله عليه وآله وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ۱٠٧].

فالدعوة الإسلامية كانت – ولا زالت – تحمل للعالم كله أسس العلاج السليم للانفعالات، والتطرف والغلو والإفراط والتفريط، وتضع بديلاً عنها جملة من القيم الشرعية، التي تستقيم الحياة الكاملة الآمنة المطمئنة إلا بها، ومنها:

1) الإيمان التام بضرورات الروح معادلاً للمادة لإقامة ميزان العدل في الوجود، إذ لا غنى عن أحدهما في مسيرة الحياة البشرية، ولا مجال لترجيح أحدهما على الآخر دون النظر في التوجيه الرباني للخلق، ويتحقق تجديد العلاقة الوثيقة بين مطلب الروح والمادة بمعرفة الوظائف التالية:
1- وظيفة الروح ومطالبها الشرعية.
2- وظيفة الجسد ومطالبه الشرعية.
3- وظيفة النفس ومطالبها الشرعية.
4- وظيفة العقل ومطالبه الشرعية.

ويمكن معرفة هذه الوظائف ومطالبها بواسطة العلم سواء كان العلم الشرعي مع العلم التجريبي أو اتباع مناهج من قد سبق علماً وتجربةً، مع الوقوف والحذر أمام الانحرافات والمحاذير.

2) معرفة حقوق الإنسان رجلاً وامرأة بالعلم الشرعي:
وهو التعرّف الشرعي الواعي في مسألة الحقوق والواجبات بين الجنسين، وبين الفقر والغنى، والشريف والوضيع، والصحيح والمريض، والكبير والصغير، من عمق الأصول الشرعية لا من التعريفات بالوضعية، وضرورة حماية الأعراض والدماء، والأنفس والأموال، وعدم الاستهانة أو التحقير حيث يعتبر الإسلام ذلك ذنباً عظيماً (حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )، والتجرد الكامل عند فهم مدلول التجديد من كافة المفاهيم الخاطئة حول الحقوق، والناشئة من تراكمات المراحل واختلاف مفهوم العلماء والحكام والمفكرين.

3) مفاهيم الحريّة والملكية وامتلاك القرار:
وتتحدد هذه المفاهيم بالثوابت الشرعية، وليست بالقوانين الوضعية حيث تنحصر القوانين الوضعية في تحديد علاقة الإنسان بالوظائف والمهمات والمصالح المتبادلة. أما الديانة فإنها تتحد كافة أبعاد الحرية والملكية والامتلاك لقرار الحكم والعلم مع معادل المراقبة والخوف من الواحد القيوم. وقد عز منا هذا المفهوم أن نستقصي المتابعة لتقييم القوانين والأطر الاقتصادية والاجتماعية المقتبسة من العَالمين الغربي والشرقي، والنظر فيما يطابق فهم الشريعة للاستفادة مما يمكن الاستفادة منه في الأطر الممكنة، دون مخالفة للشريعة وثوابتها.

4) تعميق الأخلاق النبوية، وتبني غرسها في صدور الأجيال:
وتعتبر الأخلاق النبوية أساساً في معالجة كافة شؤون التجديد، وخاصة أن المراحل المتقلبة قد أورثت اتباع مدرسة الإسلام ضعفاً في تطبيق الأخلاق النبوية، ومجاراة عجيبة وجريته للانحدارات التوليفية القادمة من العَالمين الغربي والشرقي، ونزعت بكثير من ضحايا المراحل إلى تجاوز خطير في قضايا الأخلاق والآداب المتبعة؛ ولعله من الصحة بمكان إذا قلنا أن المرحلة الغثائية ذات العلاقة المباشرة بالبرنامج الاستعماري قد تلخت كلية عن الأخلاق كأساس من أسس التربية والتعليم سواء كان في محاظن التعليم والدراسة أو في المواقع الأخرى مما أوجد انفصاماً خطيراً بين التربية والتعليم.

5) بناء منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كدعوه لا كوظيفة:
بما أن وظيفة الأمة بعمومها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء في كتاب الله {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: ۱۱٠]، فإن التجديد في الفكر الإسلامي متوقف على إعادة فهم المسلمين من داخلهم لهذا المبدأ الشرعي العظيم، وما يترتب على دراسة وغرس مهماته في نفوس الأجيال المسلمة تنشأ عليه، وتشيخ وتموت في سبيله. وإن الانفصام الخطير الذي حصل في الفصل بين التربية والتعليم في المرحلة الحديثة قد رافقه أيضاً فصل خطير آخر بين وعات الشعوب والأدب بالمعروف والنهي عن المنكر حتى صار وظيفة بعد أن كان دعوة وقضية. وهذا الأحداث البدعي يلزم حملة التجديد فهم المشروع الإسلامي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير إفراط ولا تفريط..

ه- معرفة موقعنا في العالم الإنساني وثوابت المعاملة مع الوجه الآخر:

مع رغبتنا الأكيدة في تجديد الفكر الإسلامي ليواكب حاجة الأمة من جهة، ولوضعه في موقعه الصحيح من مسيرة الحضارة الإنسانية يجب علينا أن نتوازن عاطفة وعقلاً بين تجاوزنا لكل قديم، وذوابنا في الجديد أو في كل جديد، فالكثيرون من حملة الفكر المعاصر من جعلوا الوجه الآخر بديلاً أو معادلاً للإسلام كله، ومنهم من جعل الإسلام في كفة والمستجدات النظرية والتطبيقية في كفة أخرى، ومنهم من فقد توازنه أمام الوجه الآخر فرفض كل جديد وأغلق النافذة والوصيد.

وللخلوص من هذه الأزمات يجب أن تحدد الهويات الذاتية قبل الاعتداد بما يتفوق فيه الآخرون، وهذا لن يتم إلا بالدراسة الواعية لموقعنا التاريخي في ركب الحضارات الإنسانية وفهمنا الواعي لدور الإسلام في ثوابته العالمية من إثراء المرحلة الأخيرة في التاريخ الإنساني. ثم التقييم الصادق لأسباب هبوط المسلمين وتفوق غيرهم في كثير من شؤون الحياة لينتج من هذا التقييم إعادة النظر في مسألة الافتخار بالماضي على غير ثوابت، وأيضاً إعادة ترتيب الحاضر للمزج بين الأصالة في الإسلام، وعنصر الجديد والتجديد في مستجدات الفكر والمعرفة والثقافات والإعلام.

وتشترط لهذا المشروع ما يلي:

1. التوفيق الواعي بين نصوص الأصلين – الكتاب والسنة – وبين ما يتناسب من المواثيق والنصوص الدولية وخلفياتها الفكرية في التجربة الإنسانية مع عدم تجاهل الفوارق التاريخية والفكرية والاجتماعية.
2. رفع مستوى مفهومنا للعالمية في الخطاب القرآني باعتباره رسالة مشتركة مع الوجه الآخر.
3. فهم التاريخ في مسيرته المعرفية – كتراكم متنامي لا ينقطع بعضه عن بعض – فالسابق يضع قواعد العمل اللاحق، واللاحق يطور وينمى ويجدد عمل السابق وهكذا.
4. وضع المنهج العقلاني موضع الاهتمام في الدراسات الشرعية دون الخروج عن مبدأ الإيمان بالغيب، وما وراء الطبيعة.
5. أخذ قاعدة نجاح الإسلام في العالم الغربي والشرقي من مستوى تأثيره في الشعوب لا من مستوى افتراءات الخصوم والساسة.
6. إعادة اكتشاف الإسلام كدعوة عالمية متنامية من داخل النصوص، ومتفاعلة مع كل جديد يخدم الفطرة ويطوّرها.
7. توسع مدارك النخبة الفكرية والعلمية في الواقع الإسلامي لتستوعب ضغوط الواقع المبرمج، وتتجاوزه إلى الإبداع المطلق من خلال تجديد مدلول القرائتين: قراءة النصوص والتراث الإسلامية، وقراءة الحضارة والتطور المعرفي الإنساني المتنامي.
8. وبهذه الرؤية التجديدية المتنامية يمكن بدء مشروع الأفق الجديد في رسم الحياة الإنسانية المتماسكة ديناً ودنياً، مادة ورحاً.

والله الموفق

 

المراجع

إسلامية لماذا؟  لسعد الدين الحسيني
لماذا ضعفت النهضة العربية، محمد وقيدي – احميدة التيفر
الصموده الإسلامية، د. يوسف القرضاوي
دعوة تجديد الإسلام المشتشرق، ملتون جيب
الدعوة إلى الإسلام، أحمد المحمود
الدلائل النبوية المعبرة عن شرف المدرسة الأبوية، أبوبكر المشهور

 

[1] إصدار دار الوثبة – دمشق .
[2] وهذا دفع عالمي لكافة الحضارات المقرؤة باسم الإنسان.
[3] وهذا تقرير رباني ببدء مرحلة العلم التوثيقي القائم على البحث والملاحظة والاستنتاج والتوثيق.