سلسلة الأربعون الرمضانيَّة | المقالة الخامسة | د. محمود مصري



 

        • الباب الأول: مكانة الصيام في الإسلام

 

    •  4- الصوم في عداد الأعمال التي لو ختم للعبد بها دخل الجنَّة:

 

  • عَنْ حُذَيْفَةَ قَال: “أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ  إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: «مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» أحمد والبزار [1].

نصّ النبي ﷺ على بعض الأنواع من الأعمال الصالحة التي إن كانت آخرَ عمل العبد دخل بها الجنة، والمقصود أن يُختَم للعبد بعمل صالح، فيكون الختام به دالًّا على حسن الخاتمة. ويشير إلى ذلك تأنيث الضمير في قوله: «وَمَنْ صَامَ يَوْمًا.. خُتِمَ لَهُ بِهَا».

– قال أبو البقاء: “إنّما أنّث الضمير لأنه أراد العبادة أو الخصلة أو النية الصالحة [2].

فالمراد على ذلك العبادة من حيث كونها عبادة، وإنما خصَّ كلمة التوحيد عنوانًا على العبادة الاعتقادية، وخصَّ الصوم والصدقة عنوانًا على العبادات المالية والبدنية؛ للأهمية الخاصة للمذكورات.

  • ويشهد لِمَا قلناه حديث النبي ﷺ: «سَدِّدُواْ وَقَارِبُواْ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِن عَمِلَ أَيَّ عَمَل، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ لَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِن عَمِلَ أَيَّ عَمَل» [3].

 

  • وذلك أن من مات على شيء بُعِثَ عليه؛ لقول النبي ﷺ في المحرم بالحجّ الذي وقصته ناقته فمات: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» [4].

وإذا كان كل ُّمؤمنٍ سيدخل الجنّة فما مزيّة من خُتِم له بواحدة من هذه الطاعات كالصيام؟ قال المناوي رحمه الله: “أي من خُتِم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم، أو بعد فطره من صومه؛ دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سبق عذاب” [5].

إنّ توفيقَ المولى عبدُه للأعمال الصالحة علامةٌ على القَبُول عند الله تعالى، قال : «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» [6]. فالله الذي يسَّر له حُسن الخاتمة هو الذي كتب له القبول في سابق علمه. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء، 101].

  • وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «من أصبح منكم اليوم صائماً؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال: من تبع منكم اليوم جنازة؟، فقال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله ﷺ: ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة» [7].

وهكذا تضافرت النصوص في السنة تؤكّد هذا المعنى العظيم، وهو من المبشِّرات التي تدلّ على لطف الله بعباده ورحمته بهم، ومن ذلك ما ورد عنه ﷺ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ» [8].

نسأل الله تعالى أن يستعملنا فيما يرضيه، ويختم لنا بالأعمال الصالحات، إنه سميع قريب مجيب.

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أحمد 38/ 350. قال المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 51: رواه أحمد بإسناد لا بأس به. قال الهيثمي في المجمع 3/ 183: رواه البزار، ورجاله موثقون.

[2] عُقودُ الزَّبَرْجَدِ على مسند الإِمام أحمد 1/ 343.

[3] أحمد 11/ 121، والترمذي في أبواب القدر، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا لِأَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، 4/ 449. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

[4] البخاري في الجنائز، بَابُ الكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ.

[5] فيض القدير 6/ 123.

[6] البخاري في تفسير القرآن، بَابُ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 10]، 6/ 171.

[7] ابن خزيمة في الصوم، بَاب ذِكْر إِيجَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ لِلصَّائِمِ يَوْمًا وَاحِدًا إِذَا جَمَعَ مَعَ صَوْمِهِ صَدَقَةً، وَشُهُودَ جَنَازَةٍ، وَعِيَادَةَ مَرِيضٍ، 2/ 1021.

[8] أحمد 11/ 121، والترمذي في أبواب القدر، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا لِأَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، 4/ 449. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.