إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (2) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القسم الأول: التفسير التحليلي وفيه ست وعشرون مسألة:

الآيات التي سنتناولها في هذا البحث هي ثلاث آيات، آية وردت في سورة البقرة، وآية وردت في المائدة والثالثة وردت في سورة الحج:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة:69].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:17]، وسنبدأ في التفسير بآية سورة البقرة ثم نثني بتفسير آية المائدة، ثم آية سورة الحج.

المسألة الأولى: في علاقة آية سورة البقرة بما قبلها

وفيها قولان:
القول الأول: وهو المختار الجاري على التفسير الأصح للآية، تظهر ثلاث مناسبات:
1) المناسبة الأولى: كانت الآيات السابقة لهذه الآية تتحدث عن بني إسرائيل وكفرهم بالآيات المتتالية آية بعد آية، وكفرهم بالنعم بعد تواليها، وعن تكرار ذلك الكفر فظهر انصرافهم عن الحق مع كثرة الآيات، وختمت بأنهم ضربت عليهم الذلة والمسكنة، فلما كان ذلك ربما أوهم أنه لا خلاص لهم منه وإن تابوا، وهذا يورثهم اليأس من رحمته سبحانه، وأن لا يبقى عندهم للأمل في عفو الله متنفس، وكانت عادته سبحانه جارية بأنه إذا ذكر وعداً أو وعيداً عقبه حكم ضده ليكون الكلام تاماً، اعلموا أن باب التوبة مفتوح، والرب كريم، على وجه عام يشملهم وغيرهم من جميع أهل الملل، فمهما كانت ملتهم السابقة تقبل توبتهم في هذا الدين، والإسلام يـَجُبُّ ما قبله، وأنه ليس على الإنسان ليكون من أهله إلا أن يؤمن بأركان الإيمان لا سيما الإيمان بالله الواحد بدون شريك، ويوم القيامة الذي يكرم الله فيه المؤمنين ويعذب الكافرين على ما بين في القرآن الكريم، وما يستلزم ذلك من خشية وخوف من الله، وأن يعمل صالحا على حسب ما فصل في القرآن تصديقا لإيمانه، وهذا يستلزم الإيمان بجميع الرسل وأولهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح على وفق ما جاء في القرآن وفي هذا الشرع الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مفهوم ضمنا، وبما يستلزمه ذلك من الإيمان بالرسول بدون تفريق كما سيأتي، فهذا الأساس هو السبب الوحيد لعدم الخوف والحزن في الآخرة، وأن المؤمنين ظاهرا فقط أو ظاهرا وباطنا، واليهود والنصارى والصابئون جميعا في النجاة سواء إذا حققوا شروط الإيمان السابقة على ما أتى به القرآن، لا فرق بين يهودي ونصراني وعبدة للكواكب، ولا ينظر في ذلك إلى سابق ما كانوا يتدينون ولا إلى ما كانوا ينتحلون من نحل،، فهذا النص الكريم إذاً يفتح باب الرجاء ويقرب التوبة، وبهذا يتضح وجه توسيط هذه الآية وما قبلها بين تعداد النعم، فقد جعل سبحانه ذلك الحكم الخالد الأبدي معترضا في أخبار بني إسرائيل ليفتح باب الإيمان لهم ولغيرهم.
• ومن جهة أخرى فيها بيان أن ادعاء الإيمان بدون إيمان حقيقي بالله واليوم الآخر وبدون عمل لا يجدي كما يفعل بغض المغرورين من المسلمين.
وهذا ملخص ما ذكره الرازي والبقاعي[1] وأبو حيان [2]والآلوسي[3] وابن عاشور[4] وأبو زهرة [5]والشيرازي في الأمثل [6]ومحمد عبده.
2) المناسبة الثانية: لما بين سبحانه أن اليهود تعنتوا على سيدنا موسى عليه السلام كما مر مرة بعد مرة أورثهم كفراً في قلوبهم فمردوا على العصيان والتجرّؤ على مجاوزة الحدود، فضرب عليهم الذلة والمسكنة وأحلهم الغضب، وكان في ذلك تحذير لمن طلب سلوك ذلك الصراط المستقيم من حالهم، نبه على أن من عمل ضد عملهم منهم أو من غيرهم من جميع الملل كان على ضد حالهم عند ربهم، فلا يغضب عليهم بل يوفيهم أجورهم ويورثهم الأمن والسرور المتضمنين لضد الذلة والمسكنة، فقال تعالى {إن الذين آمنوا}[6] .
3) المناسبة الثالثة: أنه سبحانه لما علّل إهانة بني إسرائيل بعصيانهم واعتدائهم كان كأنه قيل: فما لمن أطاع؟ فأجيب بجواب عام لهم ولغيرهم فالآية بمنزلة الاستثناء من حكم الآية السابقة، وإنما ورد على هذا الأسلوب البديع متضمنا لجميع من تمسك بهدى نبي سابق[8] .
القول الثاني: وهذا القول مبني على القول المرجوح في تفسير الآية وهو قول السدي وابن كثير[9] ومن وافقهما: فهم يقولون: ” أن الآية تمدح الذين كانوا على التوحيد الصحيح قبل دخول النسخ والتحريف، فالآية تمدح الذين كانوا على دين سيدنا موسى عليه وسلم الصحيح قبل مجيء سيدنا عيسى، وهكذا الذين كانوا على دين سيدنا عيسى قبل مجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا الصابئة إن كانوا في فترة من الفترات على التوحيد الصحيح قبل دخول التحريف” فعلى هذا القول تكون المناسبة بين الآية وما قبلها:
أنه لما ذكر القرآن بني إسرائيل وذمهم، وذكر معاصيهم وقبائحهم، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم من كان منهم في فترة من الفترات على الحق ومن كان في فترة من الفترات كافرا، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه وأن المؤمنين الموحدين الذين كانوا قبل أن تنسخ شريعتهم هم على الحق، فأزال الوهم السابق عن الذين هادوا والنصارى والصابئين والذين آمنوا، فذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها، ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال، فهذا الحكم بين هذه الطوائف، من حيث هم، قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا مضمون أحوالهم.
قالوا: وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام، فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم، لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها، ومَنْ رحمته وسعت كل شيء [10]، وسيأتي ضعف هذا القول وهذا الربط ببيان أن اسم النصارى لم يطلق في القرآن أبدا على كان موحدا بل أطلقه في جميع الآيات على الكفار[11] منهم بل قال في موضعين “الذين قالوا إنا نصارى” وهذا يرجح أن المراد كذلك بالذين هادوا الكفار منهم وكذلك الصابئون كما سيأتي في بيان عقائدهم.

 

[1] قال البقاعي: “ـ ـ أو يقال إنّه لما أخبر تعالى بأنهم ألزموا الخزي طوق الحمامة وكان ذلك ربما أوهم أنه لا خلاص لهم منه وإن تابوا وكانت عادته سبحانه جارية بأنه إذا ذكر وعداً أو وعيداً عقبه حكم ضده ليكون الكلام تاماً، اعلموا أن باب التوبة مفتوح والرب كريم على وجه عام” نظم الدرر(1/454)).
[2] قال أبو حيان:”ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما ذكر الكفرة من أهل الكتاب، وما حل بهم من العقوبة، أخبر بما للمؤمنين من الأجر العظيم، دالاً على أنه يجزي كلاً بفعله”. البحر المحيط (1/389)
[3] قال الآلوسي:” {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} لما انجر الكلام إلى ذكر وعيد أهل الكتاب قرن به ما يتضمن الوعد جرياً على عادته سبحانه من ذكر الترغيب والترهيب، وبهذا يتضح وجه توسيط هذه الآية وما قبلها بين تعداد النعم” روح المعاني(1/289).
[4] قال ابن عاشور: “توسطت هاته الآية بين آيات ذكر بني إسرائيل بما أنعم الله عليهم وبما قابلوا به تلك النعم من الكفران وقلة الاكتراث فجاءت معترضة بينها لمناسبة يدركها كل بليغ وهي أن ما تقدم من حكاية سوء مقابلتهم لنعم الله تعالى قد جرت عليهم ضرب الذلة والمسكنة ورجوعهم بغضب من الله تعالى عليهم، ولما كان الإنحاء عليهم بذلك من شأنه أن يفزعهم إلى طلب الخلاص من غضب الله تعالى لم يترك الله تعالى عادته مع خلقه من الرحمة بهم وإرادته صلاح حالهم فبين لهم في هاته الآية أن باب الله مفتوح لهم وأن اللجأ إليه أمر هين عليهم وذلك بأن يؤمنوا ويعملوا الصالحات، ومن بديع البلاغة أن قرن معهم في ذلك ذكر بقية من الأمم ليكون ذلك تأنيساً لوحشة اليهود من القوارع السابقة في الآيات الماضية وإنصافاً للصالحين منهم، واعترافاً بفضلهم، وتبشيراً لصالحي الأمم من اليهود وغيرهم الذين مضوا مثل الذين كانوا قبل عيسى وامتثلوا لأنبيائهم، ومثل الحواريين، والموجودين في زمن نزول الآية مثل عبد الله بن سَلاَم وصهيب، فقد وفَّت الآية حق الفريقين من الترغيب والبشارة، وراعت المناسبتيْن للآيات المتقدمة مناسبةَ اقتران الترغيب بالترهيب، ومناسبةَ ذكر الضد بعد الكلام على ضده ” اهـ.
[5] قال أبو زهرة -:”الناس جميعا سواء أمام الله يجزيهم إن آمنوا اختص الله سبحانه وتعالى الآيات السابقة ببني إسرائيل وكفرهم بالآيات المتتالية آية بعد آية، وبتكرار وتوالي ذلك الكفر ليبين سبحانه وتعالى انصرافهم عن الحق مع كثرة الآيات، وكفرهم بالنعم بعد تواليها. وكأن القارئ للقرآن الكريم يحسب أن العبر تنزل لمن يكفر بها، والآية المعجزة تتوالى على من ينكرها.. فيبين الله تعالى أن الغاية من هذه النعم هي الإيمان، وأنهم إن كفروا بها فباب التوبة مفتوح لهم ولغيرهم، وأن الله تعالى خلق الخلق ليتفكر الناس فيؤمنوا وليجدوا فيها البرهان فيؤمنوا {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)} [الذاريات]، وقد قضى الله تعالى أن الإيمان مقبول من كل الطوائف والملل، وقد جعل سبحانه ذلك الحكم الخالد الأبدي معترضا في أخبار بني إسرائيل ليفتح باب الإيمان لهم، ولغيرهم، فقال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا}.
[6] قال الشيرازي في الأمثل:” القانون العام للنّجاةبعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاماً في التقييم وفق المعايير الإلهية. وهذا المبدأ ينص على أن الإِيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، وليس للتظاهر والتصنّع قيمة في ميزان الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). هذه الآية تكررت مع اختلاف يسير في سورة المائدة، الآية 72 وفي سورة الحج الآية 17. سياق الآية في سورة المائدة يشير إلى أن اليهود والنصارى فخِروا بدنيهم، واعتبروا أنفسهم أفضل من الآخرين، وادّعوا بأن الجنّة خاصة بهم دون غيرهم. ولعل مثل هذا التفاخر صدر عن بعض المسلمين أيضاً، ولذلك نزلت هذه الآية الكريمة لتؤكد أن الإِيمان الظاهري لا قيمة له في الميزان الإلهي، سواء في ذلك المسلمون واليهود والنصارى وأتباع الأديان الأخرى. ولتقول الآية أيضاً: إن الأجر عند الله يقوم على أساس الإِيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر إضافة إلى العمل الصالح. وهذا الأساس هو الباعث الوحيد للسعادة الحقيقة والإِبتعاد عن كل خوف وحزن “.
[7] قال البقاعي:” ولما بين سبحانه أنهم لما تعنتوا على موسى عليه السلام كما مر ويأتي عن نصوص التوراة مرة بعد مرة أورثهم كفراً في قلوبهم فمردوا على العصيان والتجرّؤ على مجاوزة الحدود فضرب عليهم الذلة والمسكنة وأحلهم الغضب، وكان في ذلك تحذير لمن طلب سلوك ذلك الصراط المستقيم من حالهم، وإعلام بأن المتقين المستجاب لهم في الدعاء بالهداية ليسوا في شيء من ذلك بل قالوا: اهدنا، عن يقين وإخلاص متبرئين من الدعاوى والاعتراض على الرسل نبه على أن من عمل ضد عملهم فآمن منهم أو من غيرهم من جميع الملل كان على ضد حالهم عند ربهم فلا يغضب عليهم بل يوفيهم أجورهم ويورثهم الأمن والسرور المتضمنين لضد الذلة والمسكنة، فقال تعالى {إن الذين آمنوا}”نظم الدرر(1/60).
[8] قال البقاعي: ” ـ ـ أو يقال إنه سبحانه لما علّل إهانة بني إسرائيل بعصيانهم واعتدائهم كان كأنه قيل: فما لمن أطاع؟ فأجيب بجواب عام لهم ولغيرهم “. نظم الدرر (1/454) قال الفخر الرازي: ” واعلم أن عادة الله إذا ذكر وعدا أو وعيدا عقبه بما يضاده ليكون الكلام تاما فهنا لما ذكر حكم الكفرة من أهل الكتاب وما حل بهم من العقوبة أخبر بما للمؤمنين من الأجر العظيم والثواب الكريم دالا على أنه سبحانه وتعالى يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته كما قال: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} فقال: {إن الذين آمنوا}” التفسير الكبير (3/535).
[9] قال ابن كثير:” لما بين الله تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره، وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النكال، نبه تعالى على أن مَنْ أحسن من الأمم السالفة وأطاع، فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة؛ كُلّ من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هُمْ يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]” تفسير ابن كثير (1/284)
[10] وهناك ربط ذكره سيد قطب على قول السدي وهو أن الآية لبيان أن الفضل ليس بالجنس والعرق إنما هو بالإيمان:
قال ” لم يشهد تاريخ أمة ما شهده تاريخ إسرائيل من جحود واعتداء وتنكر للهداة. فقد قتلوا عددا من أنبيائهم – وقد كفروا أشنع الكفر، واعتدوا أشنع الاعتداء، وعصوا أبشع المعصية. وكان لهم في كل ميدان من هذه الميادين أفاعيل ليست مثلها أفاعيل!
ومع هذا كله فقد كانت لهم دعاوى عريضة عجيبة. كانوا دائما يدعون أنهم هم وحدهم المهتدون، وهم وحدهم شعب الله المختار، وهم وحدهم الذين ينالهم ثواب الله؛ وأن فضل الله لهم وحدهم دون شريك.. وهنا يكذب القرآن هذه الدعوى العريضة، ويقرر قاعدة من قواعده الكلية، التي تتخلل القصص القرآني، أو تسبقه أو تتلوه. يقرر قاعدة وحدة الإيمان.. ووحدة العقيدة، متى انتهت إلى إسلام النفس لله، والإيمان به إيمانا ينبثق منه العمل الصالح. وإن فضل الله ليس حجرا محجورا على عصبية خاصة، إنما هو للمؤمنين أجمعين، في كل زمان وفي كل مكان، كل بحسب دينه الذي كان عليه، حتى تجيء الرسالة التالية بالدين الذي يجب أن يصير المؤمنون إليه:
فالعبرة بحقيقة العقيدة، لا بعصبية جنس أو قوم.. وذلك طبعا قبل البعثة. الظلال (1/75).
***
[11] من ذلك:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}