إشراقات إيمانية في شهر الصيام | المقالة الخامسة | د. عبد السميع ياقتي

مدرسة الصبر في رمضان 

 

      • تعريف الصيام والصبر:

معنى الصبر:

في اللغة: (الصَّبْرُ): التجلُّد وحسن الاحتمال و عدم الجزع. و حبس النفس.. ويقال: صَبَرَ على الأمر: احتمله ولم يجزع. وصبر عنه: حبس نفسه عنه. وصبّر نفسه: حبَسَها وضبَطَها. وفي التنزيل العزيز: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ. [الكهف، 28].

وشهر الصَّبر: شهر الصوم؛ لما فيه من حبس النفس عن الشهوات.

وأما معنى الصيام أو الصوم:

في اللغة فهو: الإمساك والترك، وصام الكلام أي سكت.

واصطلاحاً: ترك المفطرات والإمساك عنها من طلوع الفجر الغروب.

العلاقة بين عبادة الصيام و عبادة الصبر هي علاقة متكاملة و متبادلة الأثر و التأثير..

          فالصيام يدرب الصائم على الصبر، و الصبر بدوره يجعل الصائم يستشعر لذة العبادة و المراقبة و الامتثال لأمر الله تعالى في ترك الشهوات و المفطرات المباحة، فيتمثل حالة الإحسان في العبادة «أن تعبد الله كأنك تراه…» و قال ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي»

وجاءت الأحاديث لتؤكد هذا المعنى و توضح هذه العلاقة كحديث: «الصيام نصف الصبر»؛  لأنه يوصل إليه و يعود عليه، وحديث: «فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أي أن الصيام علاج فعال في كبح جماح النفس وكسر حدتها. و حديث: «الصيام جنة»

فكل واحد منهما يقوي الآخر و يكمله و يؤثر فيه و لا عجب بعد ذلك أن يسمى شهر رمضان بشهر الصبر كما ورد في هذه الأحاديث الشريفة وقد جاء في السنة النبوية النصُ الصريحُ على تسميةِ رمضان بشهر الصبر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهر صوم الدهر» رواه الإمام أحمد.

 

      • أنواع الصبر في رمضان:
  • الصبر العبادي : و هو الصبر على فعل الطاعات و أداء العبادات والإلتزام  بالواجبات وترك المحرمات كما قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة، 183].

  • الصبر العادي : و هو الصبر على ترك ما اعتاد عليه الإنسان في حياته اليومية من المفطرات والشهوات المباحة قال : ﴿…وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ [البقرة: 187].
  • الصبر المجتمعي: و له صور كثيرة منها:
    الصبر على الالتزام بالآداب وبالنظام العام للمجتمع وعدم فعل ما يخالف طبيعة المجتمع المسلم في شهر رمضان؛ وذلك لأن الصيام أيضاً هو عبادة جماعية من هذا المنظور، ومن أمثلة هذا النوع من الصبر المجتمعي استشعار حالة الفقراء و المحتاجين الذين لا يجدون ما يسدّ جوعهم هم وعيالهم وبالتالي يستشعر واجبه تجاههم.

وكذلك المرضى الذين حُرموا من تناول الطعام لأسباب صحية و يأخذون عوضاً عنها المكملات الغذائية و الأدوية و غيرها فيواسيهم و يعودهم…

وكذلك الصبر الأخلاقيّ أو التّعامليّ وهو الصبر على تحمل إيذاء الآخرين وكظم الغيظ و عدم الرد بالمثل و المشاركة في الخصام وقد علّمنا النبي أن نقول إن تعرضنا لجهل جاهل علينا، أو سابنا أو شاتمنا أحد: «إني صائم، إني صائم».

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  قال: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك» (رواه البخاري ومسلم).

 

الخاتمة