إشراقات إيمانية في شهر الصيام | المقالة الثلاثون والأخيرة | د. محمد أبو بكر باذيب

خصوصية رمضان عند المسلمين


          إن شهر رمضان شهر عظيم مبارك، ومن مظاهر عظمته وبركته، كثرة خصائصه ومزاياه. ولا يوجد شهر يقاربه بله أن يشابهه أو يساويه في تلك المزايا. فلهذا كان شهر رمضان موسماً للطاعة، وموسماً للعبادة، إنه موسم العمر لمن أحسن استثمار أوقاته، فكيف والمولى تعالى يهديه لنا في كل سنة، ما أكرم المولى تعالى، وما أجزل وأوسع عطاياه. 

فمن خصوصيات شهر رمضان:

الخصوصية الأولى:
كون صيام رمضان أحد أركان الإسلام. أخرج الشيخان، البخاري ومسلم: من حديث ابن عمر، أن النبي قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت
». 

 الخصوصية الثانية:
تخصيص نهاره بالصوم. قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه[البقرة: 185]. فالأمر الإلهي نزل بصيام الشهر وبينت السنة النبوية مقدار ذلك الصوم، بأنه صوم النهار لا الليل.

الخصوصية الثالثة:
أنه عبادة سنوية، يعود في كل سنة مرة، ويطالب به كل قادر مستطيع على الصيام، للأمر الإلهي: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه
. ولا يجب صوم شهر سواه طوال السنة. 

الخصوصية الرابعة:
مغفرة الذنوب طوال السنة ما بين رمضان ورمضان الآخر. لما ثبت في “صحيح مسلم” أن النبي قال : «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»، وهذا فضل عظيم، وأجر جزيل من رب كريم رحيم.

الخصوصية الخامسة:
اختصاص ليلة بصلاة القيام جماعةً، فصلاة التراويح لا تشرع جماعة إلا في رمضان، أما الوتر وقيام الليل فرادى وجماعات فوقته السنة كلها بلا تخصيص. والفرق بين التراويح والقيام أن قيام الليل أو التهجد لا يكون إلا بعد نوم بخلاف التراويح. والله أعلم.

الخصوصية السادسة:
اختصاص القائمين في ليل رمضان بالمغفرة، وذلك طوال ليالي الشهر، قال : «ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، متفق عليه. 

الخصوصية السابعة:
مضاعفة الأعمال في شهر رمضان، ليلاً ونهاراً. ومن تلك المضاعفات: أن صيامه يعدل صيام عشرة أشهر، يدل عليه ما ثبت في “صحيح مسلم” عن أبي أيوب الأنصاري قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”. ورواه أحمد مرفوعا إلى النبي ﷺ أنه قال: “من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام السنة».

الخصوصية الثامنة:
اختصاص ثواب صوم رمضان بأجر غير معلوم، لقوله تعالى في الحديث القدسي: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به
».

الخصوصية التاسعة:
اختصاص رمضان بليلة القدر، ذات الشأن العظيم. قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۞ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۞ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۞ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ[الدخان: 3].

الخصوصية العاشرة:
تصفيد الشياطين، وفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ , تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيم، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ
» رواه النسائي.

الخصوية الحادية عشرة:
تقسيم لياليه إلى ثلاثة أقسام: (أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار). روى الإمام أحمد (5/ 256) من حديث أبي أُمامة أن النبي قال: «لله عند كل فطر عتقاء
». قال المنذري : إسناده لا بأس به

الخصوية الثانية عشرة:
يسن فيه الاعتكاف. لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» متفق عليه.

الخصوصية الثالثة عشرة:
فضل تفطير الصائم وحوز أجره. لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ , غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيء». رواه الترمذي وابن ماجه.

الخصوصية الرابعة عشرة:
العمرة فيه بحجة. أن العمرة فيه تعدل حجة. روى الشيخان، البخاري ومسلم، عن ابن عباس قال:
«قال رسول الله ﷺ لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟” قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان. فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحاً ننضح عليه. قال: “فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة». وفي رواية لمسلم: «حجة معي».
والناضح: هو بعير لهم كانوا يسقون عليه.

 هذا نزر يسير من خصائص هذا الشهر الكريم، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام وسائر الأعمال وأن يكرمنا بالقبول وإدراك ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.