هل يجوز لبس خاتم للرجال؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل يجوز لبس خاتم للرجال؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

يجوز للرجل لبس الخاتم من الفضة بل يُسن ذلك عند الشافعية لورود الأحاديث الشريفة بذلك، و يحرم لبس الخاتم من الذهب باتفاق الفقهاء ، و أما الخاتم المصنوع من معادن أخرى فلا مانع منه عند الشافعية، و هناك مِنَ الفقهاء مَنْ كره الخاتم من الحديد، و يجوز لبس الخاتم في الخنصر أو البنصر من اليد اليمنى أو اليسرى، و اليمنى أفضل. و أما لبسه بالأصبع السبابة أو الوسطى فمنهي عنه كما جاءت بذلك الأحاديث، و أما وزن الخاتم فيُرجع في ذلك إلى العرف: فما وافقه فهو مباح، و ما زاد ففيه إسراف، كما ذكر الشافعية، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

قبل بيان الحكم سنذكر بعض الأحاديث الشريفة الواردة في الموضوع ثم سنذكر تفاصيل المسألة
فعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: « أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أراد أن يكتُبَ إلى رهطٍ أو أُناسٍ مِن الأعاجِمِ، فقيل له: إنَّهم لا يَقبَلونَ كِتابًا إلَّا عليه خاتَمٌ، فاتَّخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمًا مِن فِضَّةٍ، نَقشُه: مُحمَّدٌ رَسولُ اللهِ، فكأنِّي بوَبيصِ- أو ببَصيصِ – الخاتَمِ في إصبَعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو في كَفِّه ».(1) متفق عليه
و عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اتَّخذَ خاتَمًا مِن ذهَبٍ أو فِضَّةٍ، وجعَلَ فَصَّه ممَّا يلي كَفَّه، ونقَشَ فيه: مُحمَّدٌ رَسولُ الله، فاتخذَ النَّاسُ مِثلَه، فلمَّا رآهم قد اتَّخَذوها رمى به وقال: لا ألبَسُه أبدًا. ثم اتخذَ خاتَمًا مِن فِضَّةٍ، فاتخذَ النَّاسُ خواتيمَ الفِضَّةِ. قال ابنُ عُمَرَ: فلَبِسَ الخاتَمَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبو بكرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثمانُ، حتى وقع مِن عُثمانَ في بئرِ أريس ».(2) متفق عليه

فالْخَاتَمِ أو الْخَاتِمِ : هُوَ حُلِيٌّ أو زٍينةٌ لِلأُصْبُعِ، و قد يستخدم للختم به كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرَّ معنا في الحديث

و هناك تفصيل و مسائل في حكم لبسه بالنسبة للرجال سنذكرها باختصار على الشكل الآتي:

1- التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَال ذَلِكَ، و أما ما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه و سلم “اتخذ خاتماً من ذهب” فهذا كان في بداية الأمر ثم نسخ الحكم بمَا ورد من الأحاديث الصحيحة و الصريحة في ذلك ، ومنها:
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أنَّه نهى عن خاتَمِ الذَّهَبِ ».(3) متفق عليه
وعن البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: «أمَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونهانا عن سَبعٍ، وفيه: ونهانا عن آنيةِ الفِضَّةِ، وخاتَمِ الذَّهَبِ ».(4) متفق عليه
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى خاتَمًا مِن ذهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ، فنزَعَه فطَرَحه، وقال: يَعمِدُ أحَدُكم إلى جَمرةٍ مِن نارٍ فيجعَلُها في يَدِه، فقيل للرَّجُلِ بعدما ذهَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خذْ خاتَمَك انتَفِعْ به، قال: لا واللهِ، لا آخُذُه أبدًا وقد طرَحَه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! ».(5) رواه مسلم
وعن سيدنا عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه : «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ حريرًا، فجعَلَه في يمينِه، وأخذ ذهبًا فجعَلَه في شِمالِه، ثمَّ قال: إنَّ هذينِ حرامٌ على ذُكورِ أمَّتي ».(6)

2- التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ:

ذَهَبَ الفقهاء إلى أنَّه يَجوزُ لِلرَّجُل لبس الْخَاتَمُ مِنَ الْفِضَّةِ، سَوَاءٌ مَنْ لَهُ وِلاَيَةٌ وَغَيْرُهُ، لِمَا ورد في ذلك من الأحاديث و منها حديث سيدنا أنس بن مالك و سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم كما مر معنا. بَل ذهب الشَّافِعِيَّةُ إلى أنه يُسَنُّ ذلك (7)،

3- التَّخَتُّمُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:

هناك بعض الاختلاف بين الإباحة و الكراهة عند الفقهاء و منهم الشافعية كما نقل الإمام النووي في المجموع و غيره أقوال بعض العلماء فِي التَّخَتُّمِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (8)، فمن قال بالكراهة فللأحاديث الواردة في اتخاذ النبي صلى الله عليه و سلم خاتماً من الفضة فقط، و من قال بالإباحة فلِحَدِيثِ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا، فعن سَهلِ بنِ سَعدٍ رضي الله عنه: « أنَّ امرأةً عَرَضَت نَفسَها على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ زَوِّجْنِيها، فقال: ما عِندَك؟ قال: ما عِندي شَيءٌ، قال: اذهَبْ فالتَمِسْ ولو خاتَمًا مِن حديدٍ.».(9)

4 – مَوْضِعُ التَّخَتُّمِ:

قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلرَّجُل لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فِي خِنْصَرِ يَمِينِهِ، وَإِنْ شَاءَ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ، كِلاَهُمَا صَحَّ فِعْلُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَل لأَنَّهُ زِينَةٌ، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ. و أما التَّخَتُّمَ فِي الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فمَنْهِيٌّ عَنْهُ (10)
فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قَال: « نَهَانِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ قَال: فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا ».(11)

5 – وَزْنُ خَاتَمِ الرَّجُل:

لَمْ يُحَدِّدِ الشَّافِعِيَّةُ وَزْنًا لِلْخَاتَمِ الْمُبَاحِ، و إنما جعلوا الأمر فيه للعرف فما وافق العرف فهو مباح وما زاد فهو إسراف، كما ذكر الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ في كتابه مغني المحتاج (12)

6 – فَصُّ الْخَاتَمِ:

قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِغَيْرِ فَصٍّ، وَأَضَافَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْعَل الْفَصُّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا، وَبَاطِنُهَا أَفْضَل لِلأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ.. (13)
و منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: « اتخذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمًا مِن ذَهَبٍ، ثمَّ ألقاه، ثمَّ اتخَذَ خاتَمًا مِن وَرِقٍ، ونقَشَ فيه: محمَّدٌ رَسولُ اللهِ، وقال: لا يَنقُشْ أحدٌ على نَقْشِ خاتَمي هذا، وكان إذا لَبِسَه جعَلَ فَصَّه مِمَّا يلي بطْنَ كَفِّه ». (14)
وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: « أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان خاتَمُه مِن فِضَّةٍ، وكان فَصُّه منه ». (15) أخرَجَه البُخاريُّ
هذه أهم الأحكام المتعلقة بلبس الخاتم للرجال ، و الله أعلم

بناء على ما سبق :

يجوز لك أخي السائل -الرجل- أن تتخذ خاتماً من فضةٍ أو غيرها من المعادن كالبلاتين و الحديد و غير ذلك ، ما عدا الذهب فهو حرام على الرجال دون النساء، و يمكنك أن تلبسه في يدك اليمنى أو اليسر في الخنصر أو البنصر و تجنب السبابة و الوسطى لورد النهي عن ذلك و لما فيه من التشبه بالنساء أبو بغير المسلمين و لا تنس أن تستحضر في ذلك نية الاتباع للنبي صلى الله عليه و سلم لتنال الأجر على ذلك و الله أعلم

المراجع و المصادر :

1- صحيح البُخاريُّ: رقم (5872) واللَّفظُ له، و صحيح مُسْلِم : رقم (2092).
2- صحيح البُخاريُّ: رقم (5866) واللَّفظُ له، و صحيح مُسْلِم : رقم (2091).
3- صحيح البُخاريُّ: رقم (5864) ، و صحيح مُسْلِم : رقم (2089).
4- صحيح البُخاريُّ: رقم (1239) واللَّفظُ له، و صحيح مُسْلِم : رقم (2066).
5- صحيح مُسْلِم : رقم (2090).
6- أخرجه أصحاب السنن و أحمد : أبو داود (4057)، والنَّسائي (5144)، وأحمد (935) ، وابنُ ماجه (3595) و غيرهم
7- المجموع شرح المهذب للإمام النووي :[4\464]
8- المجموع شرح المهذب للإمام النووي :[4\464] و حاشية القليوبي: [2\24] و غيرهما
9- صحيح البُخاريُّ: رقم (5121) واللَّفظُ له، و صحيح مُسْلِم : رقم (1425).
10-المجموع شرح المهذب للإمام النووي :[4\462] و حاشية القليوبي: [2\24]
11- صحيح مُسْلِم : رقم (2095).
12- مغني المحتاج للخطيب الشربيني : [1\392]
13- المجموع شرح المهذب للإمام النووي :[4\463] و حاشية القليوبي: [2\24]
14- صحيح مُسْلِم : رقم (2091).
15- صحيح البُخاريُّ: رقم (5870)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ