هل الإغماء يبطل الصوم؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل الإغماء يبطل الصوم؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن صوم شهر رمضان له أحكامه الشرعية التي يجب مراعاتها والانتباه إليها، منها استغراق صوم النهار تاماً بدون انقطاع، حيث إن ركن الصوم الأعظم هو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قال تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل)[البقرة: 187]. فإذا جرى في أثناء النهار ما يقطع الصوم (الإمساك) الواجب؛ لم يتم الصوم، ووجب القضاء. ثم ينظر في موجب الإثم من حيث وجود التعدي بالإغماء أو عدمه.

وتفصيل الكلام في المسألة:

أنه إذا جرى للصائم ما يقطع صومه أثناء النهار فإنه يؤثر على صحة الصيام، سواء في ذلك الانقطاع الاختياري أو غير الاختياري، وليكن كلامنا عن خصوص الإغماء، وهو زوال العقل مدة قصيرة، أو ما يعرف بفقدان الوعي. وأسبابه كثيرة، فقد يكون بسبب التعب الشديد والإعياء، أو بسبب حرارة الشمس، أو عقب بذل مجهود شاق بالنهار أثناء الصوم.

وللإغماء حالتان:

الحالة الأولى: الإغماء المستغرق جميع النهار، المعتمد في المذهب أنه مبطل للصوم. قال الإمام النووي في (المنهاج): “والأظهر أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لحظة من نهاره”(1)، وفي (عمدة السالك): “أو استغرقَ نهارهُ بالإغماءِ … بطلَ الصومُ”(2). وقال ابن الرفعة في (كفاية النبيه): “وإن أغميَ عليه جميع النهار، أي: وكان قد نوى الصوم من الليل؛ لم يصح صومه، لأن الصوم نيةٌ وتركٌ”(3). واختار ابن حجر الهيتمي أن صوم المغمى عليه غير المتعدي بإغمائه لا يبطل وإن استغرق النهار وخالفه الرملي، حكاه باعشن في (بشرى الكريم)(4).

الحالة الثانية: الإغماء في جزء من النهار، لا يضر الصوم ولا يبطله، كما هو صريح عبارة (المنهاج) السابقة، على الأظهر من قولي إمام المذهب(5). وفي (المقدمة الحضرمية): “ولا يضر الإغماء والسكر أن إفاق لحظة في النهار”(6)، وفي (الإقناع)  للخطيب: “ولو نوى من الليل ثم أغمي عليه؛ فالمذهبُ: أنه إن كان مفيقاً في جزء من النهار صح صومه، وإلا فلا. وهذا هو المنصوص في المختصر في باب الصيام”(7)، ومثلها عبارة (المجموع)(8). هذا في شأن صحة الصوم، أما القضاء فهو لازم.

وجوب القضاء عليهما:

 قال حجة الإسلام في (الوسيط): “أما القضاءُ فواجبٌ على كل مفطرٍ، وتاركٍ، بردة، أو سفرٍ، أو مرضٍ، أو إغماءٍ، أو حيض”(9)، وفي (المجموع): “ويجب القضاء على المغمى عليه سواء استغرق جميع رمضان أو بعضه”(10)، وفيه أيضاً: “حيث قلنا: لا يصح صوم المغمَى عليه، إما لوجود الإغماء في كل النهار أو بعضه، وإما لعدم نيته بالليل، يلزمه قضاء ما فاته من رمضان. هكذا قطع به المصنف، وجماهير الأصحاب، وهو المنصوص”(11).

وبناء على ما سبق من نصوص فقهاء المذهب، فإن المغمى عليه يجب عليه القضاء، سواء استغرق الإغماء النهار أو كان متقطعاً بأن أفاق في أثناء النهار، هذا هو المعتمد، وقول لابن حجر الهيتمي: أنه إذا استغرق النهار كله ولم يتعد بإغمائه أي كان إغماؤه طبيعياً بدون تعاط لشيء يجلب الإغماء، فلا يبطل صومه بشرط النية من الليل، أما إذا لم ينو وأغمي عليه جزئيا أو كلياً فالقضاء واجب. نسأل الله تمام الصحة والعافية لنا ولأحبابنا وسائر المسلمين، آمين، والله الموفق.

الهوامش:

1- النووي، منهاج الطالبين: ص 182.

2- ابن النقيب، عمدة السالك وعدة الناسك: ص 118.

3- ابن الرفعة، كفاية النبيه في شرح التنبيه: 6/ 297.

4- باعشن، بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم: ص 555.

5- النووي، منهاج الطالبين: ص 182.

6- بافضل، المقدمة الحضرمية: ص 135.

7- الخطيب الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبى شجاع: 1/ 273.

8- النووي، المجموع شرح المهذب: 6/ 347.

9- الغزالي، الوسيط في المذهب: 2/ 542.

10- النووي، المجموع شرح المهذب: 6/ 255.

11- النووي، المجموع شرح المهذب: 6/ 347.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)