هل هناك اختلاف في عدد آيات القرآن في كل سورة، وما هو سببه؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

هل هناك اختلاف في عدد آيات القرآن في كل سورة، وما هو سببه؟

الجواب

                                           بسم الله الرحمن الرحيم
نعم هناك اختلاف في عدد آيات بعض سور القرآن،  ويرجع سبب هذا الاختلاف: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي تعليمًا لأصحابه أنها رؤوس آي، حتى إذا علموا ذلك وصلَ صلى الله عليه وسلم الآية بما بعدها؛ طلباً لتمام المعنى، فيظن بعض السامعين أنَّ ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فاصلةً فيصلُها بما بعدها معتبراً أن الجميع آيةً واحدةً، وبعضهم يعتبرها آيةً مستقلة فلا يصلها بما بعدها.
أو: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ الآيات بطريقة تُشعرهم بانتهائها، فكانوا يجتهدون في العدِّ، وقد يقع بينهم خلاف في ذلك شأن سائر اجتهاداتهم في النصوص. (1)
وهذه بعض الأمور المتعلقة باختلاف عدِّ الآيات:
  • 1- أشار القرآن إلى أن هناك عدداً معروفاً للآيات، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]. فسميت بالسبع المثاني لأن عدد آياتها سبعٌ. وأكد  النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة منها: “مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ ‌الْكَهْف، ‌عُصِمَ ‌من ‌الدجال” (2)  فدل كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن مما يميز السورة عدد آياتها. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ‌إِنَّ ‌سُورَةً ‌مِنَ ‌الْقُرْآنِ، ‌ثَلَاثِينَ ‌آيَةً، شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} “. (3)
  •  2- إن الاختلاف في عدِّ أي القرآن يدخل في باب اختلاف التنوع؛ لأنَّ هذا النوع من الاختلاف لا أثر له في أصل القرآن؛ فلا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص. (4)
  • 3- من الفوائد المترتبة على معرفة عدد آيات القرآن: 

له أثر فقهي؛

فله أهميته في صحة الصلاة؛ فلا تصح الصلاة بنصف آية، وقال بعض الفقهاء لا بد من ثلاث آيات، وقال بعضهم لابد من سبع. وذكر السيوطي بعض هذه الفوائد فقال: وأن المصلي الذي يجهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات. وكذلك في خطبة الجمعة فإنه يجب فيها قراءة آية كاملة ولا يكفي شطرها إن لم تكن طويلة، وكذا الطويلة على ما أطلقه الجمهور”. (5)

:معرفة رأس الآية

يعين على تطبيق سنة الوقوف على رؤوس الآيات؛ عند من قال بسنية ذلك. (6)

 له تعلُّق بمعاني القرآن وبلاغته؛

حيث إنَّ الوقف على رأس الآية ـ ولو كان ما بعدها متعلقاً بها من جهة المعنى ـ مقصدٌ من مقاصد المتكلِّم؛ لذا فإنَّ من يقف على رؤوس الآي التي تتعلق بما بعدها، فإنه يستجلب ذهنك للتفكير والتدبر في هذه الجملة التي انقطع فيها المبتدأ عن الخبر مثلاً، أو شبه الجملة عن مُتَعَلَّقِهِ … إلخ. (7)

  • 4- إنَّ الأصل في عد الآي النقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا يمكن لأحدٍ أن يخترع موقِفاً يجعله رأس آية؛ فالآية إنما تُعلم بتوقيف من الشارع كمعرفة السورة؛ لأن الآية طائفة من حروف القرآن عُلم بالتوقيف انقطاعها معنىً عن الكلام الذى بعدها في أول القرآن، وعن الكلام الذى قبلها في آخر القرآن، وعما قبلها وما بعدها في غيرهما، غير مشتمل على مثل ذلك، وبهذا القيد خرجت السورة. وأفاد الزمخشري: بأن الآيات علمٌ توقيفي لا مجال للقياس فيه، ولذلك عدّوا (الم) آية حيث وقعت، و(المص)، ولم يعدّوا: (المر)، و(الر). وعدوا (حم) آية في سورها. و(طه)، و(يس)، ولم يعدوا (طس) . (8)
  • 5- قال ‌طاهر الجزائري في كتابه “التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان” ما نصه: وأما عدد آي القرآن فقد اتفق العادون على أنه ستة آلاف ومائتا آية وكَسْر، إلا أنَّ هذا الكسر يختلف مبلغه باختلاف أعدادهم:
    ففي عدد المدني الأول سبع عشرة وبه قال نافع.
    وفي عدد المدني الأخير أربع عشرة عند شيبة وعشر عند أبي جعفر.
    وفي عدد المكي عشرون.
    وفي عدد الكوفي ست وثلاثون. وهو مروي عن حمزة الزيات.
    وفي عدد البصري خمس وهو مروي عن عاصم الجحدري. وفي رواية عنه أربع وبه قال أيوب بن المتوكل البصري، وفي رواية عن البصريين أنهم قالوا: تسع عشرة وروي ذلك عن قتادة.
    وفي عدد الشامي ست وعشرون وهو مروي عن يحيى بن الحارث الذماري. (9)
  • 6- تنقسم السور من حيث الاتفاق والاختلاف في عددها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

لم يُختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل: وهو أربعون سورة منها: سورة يوسف: مائة وإحدى عشرة ، وسورة الحجرات: تسع وتسعون ، وسورة النحل: مائة وثمانية وعشرون، وسورة الفرقان: سبع وسبعون….

القسم الثاني:

ما اختلف فيه تفصيلاً (موطن الآي) لا إجمالاً (عدد الآي جملة): وهو أربع سور:
سورة القصص، و العنكبوت، والجن، والعصر.
فالقصص: ثمان وثمانون، عدّ أهل الكوفة (طسم) والباقون بدلها: (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ).
العنكبوت: تسع وستون، عدّ أهل الكوفة (الم) والبصرة بدلها (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) والشام (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ).
الجن: ثمان وعشرون، عدّ المكى (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ)، والباقون بدلها (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً).
والعصر: ثلاث، عدّ المدنى الأخير (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ) دون (وَالْعَصْرِ). وعكسَ الباقون

القسم الثالث:

ما اختلف فيه إجمالاً وتفصيلاً: وهي سبعون سورة. (10)

وأخيراً: قد تطلق الآية القرآنية ويراد بعضُها أو أكثر. ولكن على ضربٍ من المجاز والتوسع.
مثالُ إطلاقُ الآية على بعضها: قول ابن عباس: أرجى آية في القرآن: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} فإن هذه الجملة الكريمة بعض آية باتفاق وتمامها: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6].
ومثالُ إطلاق الآية على أكثر منها: قول ابن مسعود: أحكمُ آية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} . فإنهما آيتان باتفاق ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ‌ذَرَّةٍ ‌خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)﴾ [الزلزلة: 7-8]. (11)


(1):ينظر: مناهل العرفان (1/344)؛ المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص182.
(2):صحيح مسلم (809).
(3):مسند أحمد (8276).
(4):ينظر: مناهل العرفان للزرقاني (1/344)؛ المحرر في علوم القرآن ص182.
(5):ينظر: الإتقان للسيوطي (1/240)؛ مناهل العرفان (1/346)؛ دراسات في علوم القرآن فهد الرومي ص120.
(6):مناهل العرفان (1/345).
(7): المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص183.
(8): ينظر: تفسير الكشاف للزمخشري (1/31)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/231)؛ الموسوعة القرآنية إبراهيم بن إسماعيل الأبياري (2/84)؛ المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص180.
(9):ينظر: مناهل العرفان (1/343)؛ المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص281.
(10): ينظر: الإتقان للسيوطي (1/233) المحرر في علوم القرآن مساعد الطيار ص181؛ الموسوعة القرآنية إبراهيم إسماعيل الأبياري (2/85).
(11): ينظر: البرهان في علوم القرآن للزمخشري (1/488)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (4/150) مناهل العرفان للزرقاني (1/342).