هل كان كل الصحابة موافقين على النسخ التي جَمع بها عثمان بن عفان القرآن؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل كان كل الصحابة موافقين على النسخ التي جَمع بها عثمان بن عفان القرآن؟
الجواب
نعم تلقّى الصّحابة صنيع عثمان بن عفان رضي الله عنه بالقبول، وسلّموا له ما فعل.
ولتوضيح الموضوع لا بد من إلماحةٍ سريعة على الموضوع من بداية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى جمع عثمان بن عفان.
أولاً: في عهد الصّدّيق جُمع القرآن من السّطور والصّدور على الصّفة الّتي أخذها النّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكتبها بأمره كتّاب الوحي، فصارت جميعاً في صحفٍ محفوظةً في موضعٍ واحد، ولم تكتب منها المصاحف يومئذ.
وقد اعتمد الصحابة كلُهم وبالإجماع القطعي هذا العمل وهذا المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتتابع عليه الخلفاء الراشدون كلُّهم والمسلمون كلُّهم من بعده، وسجلوها لأبي بكر الصديق منقبةً فاضلةً. وما أجمل ما قاله سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن عمل الصديق:
ثانياً: أمَّا في عهد عثمان فإنّ الجمع كان بكتابة مصحف يكون للنّاس إماماً، يُعصمون به من الضّلالة بسبب اختلاف الحروف الّتي يُقرأ بها القرآن (3)؛ حيث أرسل عثمانُ إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصّحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيدَ بن ثابت وعبد الله بنَ الزّبير وسعيد بنَ العاص وعبد الرّحمن بنِ الحارث بنِ هشام، فنسخوها في المصاحف على أربع نسخ أو سبع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية من النّواحي بواحدة منهنّ، وأمر بإحراق كل ما سوى هذه النسخ؛ حسماً لمادة النزاع من أصولها.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ، لَوْ وُلِّيتُهُ لَفَعَلْتُ مَا فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ». (6) فعلي رضي الله تعالى عنه كان راضٍ عن فعل عثمان، وحتى بعد تسلمه الخلافة من عثمان لم يُروَ عنه غير ذلك والمعلوم أن شأن القرآن هو شأنُ دين الإسلام، فلو علم سيدنا عليٌ في صنيع عثمان نقصاً أو عيباً، ما كان له أن يقره على ذلك في مصاحف المسلمين.
وما سبق كان رأي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أمّا عامّة أهل الإسلام من بعدهم، فإنّهم رأوا ما صنع عثمان رضي الله عنه منقبة له، حين وقى الله به الأمّة من الاختلاف في القرآن، وحفظه به، ويكفي أن تكون الأمّة كلّها باختلاف طوائفها لا يوجد عندها قرآن غيرُ هذا الّذي جَمعه عثمان رضي الله عنه، وإذا كان الله تعالى قد تعهّد بوقاية هذا الكتاب وحفظه والنّاس لا يعرفون إلّا ما جمعه عثمان، فذلك من أعظم البراهين على أنّ الله تعالى أبقاه محفوظاً في الأمّة بصنيع عثمان، فرضي الله عن عثمان. وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 238)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/206)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/250)؛ علوم القرآن د. عتر ص171.
(2):أخرجه ابن أبي داود في المصاحف. والمراد أنه أول من جمع كتاب الله الجمع الموثّق باطلاع جميع المسلمين عليه؛ وينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/204)؛ علوم القرآن د. عتر ص171.
(3): ينظر: مناهل العرفان للزرقاني (1/255).
(4):مناهل العرفان للزرقاني (1/261).
(5):تاريخ المدينة لـ عمر بن شبة (3/1004)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/262).
(6): المصاحف لابن أبي داود السجستاني ص98.
(7): مناهل العرفان (1/262).