هل السعادة ممكنة بهذه الحياة؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد الرحمن الخرسة 

السؤال

هل السعادة ممكنة بهذه الحياة؟

الجواب

الحمد لله

السعادة في الحقيقة هي شعور داخليٌّ يحسه الإنسان بين جوانبه، يتمثل في سكينة النفس وطمأنينة القلب وراحة الصدر والبال، نتيجة لاستقامات وأعمال ظاهرية وباطنية مدفوعة بقوة الايمان.

فالسعادة عندنا نحن المسلمين ليست قاصرة على الجانب المادي فقط وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة، وذلك لأن المادة وسيلة وليست غاية في ذاتها، ولذا كان التركيز في تحصيل السعادة على الجانب المعنوي كأثر مترتب على السلوك المستقيم،

قال الله تعالى:

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة النحل: 5 ـ 7]

وقال تعالى:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[سورة الأعراف: 32].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ : الْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ}(1)

 

فالسعادة في المنظور الإسلامي نوعان:

1 ـ سعادة دنيوية:

فقد شرع الله تعالى من الأحكام والضوابط السلوكية ما يكفل للإنسان سعادته الدنيوية في حياته الأولى إلا أنه يؤكِّد بأن هذه الحياة ليست سوى سبيل إلى الآخرة، وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى إليها الإنسان إنما هي هنالك في الدار الآخرة

قال تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[ سورة النحل: 97]

وقال تعالى:

{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [سورة القصص:77].

2 ـ سعادة أخروية:

وهذه هي السعادة الدائمة الخالدة، وهي مرتبة على صلاح المرء في حياته الدنيا

قال تعالى:

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 32]

وقال تعالى:

{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[سورة يونس: 26].

فتبين بما قلنا أنَّ السعادة في الدنيا ليست ممكنة فقط بل هي حاصلة وواقعة، بل يجب على المؤمن أن يسعى إليها وأن يطلبها من الله تعالى فيقول في دعائه: أسألك سعادة الدارين، وسعيه إليها إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح والتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تدفعه للإحسان إلى الخلق، والإكثار من ذكر الله تعالى والشعور بمعيته دائماً، والعناية كذلك بالصحة البدنية والنفسية والعقلية والروحية.

فإذا قام العبد بما طلب الله تعالى منه في هذه الحياة الدنيا وضبط نفسه ووقته بضوابط الشريعة فإنه يعيش في سعادة وهناءة ولذة دنيوية عاجلة قبل أن يعيش تلك السعادة الأبدية الخالدة في جنات النعيم، وقد قال أهل المعرفة: “نحن في لذة لو عرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف”. نسأل المولى الكريم التوفيق إلى العمل بما أمرنا والإكثار من ذكره وشكره حتى نسعد في الدنيا قبل الآخرة إنه وليُّ الإجابة.


(1) أخرجه أحمد بإسناد صحيح.