كيف نحبب الصحابة إلى أبنائنا؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نحبب الصحابة إلى أبنائنا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

حب الصحابة من الإيمان؛ و غرسُه و تنميته في قلوب الأبناء و البنات واجبٌ على الآباء و الأمهات،  و يكون ذلك من خلال عدة طرق و خطوات، من أهمها الطريقة العملية القائمة على التقليد و المحاكاة، ثم التعريف بفضائل الصحابة -عامةً-و مكانتهم و دورهم و فضلهم على الأمة في خدمة الدين، ثم بذكر بعض الصحابة بشكل خاص ممن تميزوا عن غيرهم بمميزات ، و الإكثار من ذكرهم و التعريف بهم  عند المناسبات و في بعض المواقف والأحوال، و كذلك مع مراعاة ما يتناسب مع تربية كل جنس من الذكور و الإناث، بالإضافة إلى تسمية أولادنا بأسمائهم و تعريفهم بهم و لماذا تسموا بهم و غير ذلك، و الله أعلم.

التفصيل و البيان:

قبل الإجابة على السؤال لابد من بيان فضل الصحابة الكرام و مكانتهم في الإسلام و ارتباط محبتهم بالإيمان كما جاءت بذلك النصوص الشرعية الكثيرة، و منها :

قول الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]

و قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]

و قوله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر 8-9]

و عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ». رواه مسلم (1)

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ “. أخرجه الترمذي(2)

فهذه الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة -و غيرها الكثير- دلّت على وُجُوْب مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وتَعْظِيْمِهِم، وتَوْقِيْرِهِم، وتَكْرِيْمِهِم، والاقتداء بِهِم، والأخْذِ بآثارِهِم، وحُرْمةُ ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ: بُغْضِهِم، أو ازْدِرَائِهِم، أو ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم ، و هذه عقيدة أهل السنة و الجماعة.

يقول الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مُبَيِّنًا ذلك: «ونُحِبُّ أصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنْهُم، ولا نَتَبَرَّأُ مِنْ أحَدٍ مِنْهُم، ونُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم وبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم، ولا نَذْكُرُهُم إلاَّ بِخَيْرٍ، وحُبُّهُم دِيْنٌ وإيِمَانٌ وإحْسَانٌ، وبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ» (3)

بعد هذه المقدمة المهمة و الضرورية نقول -في الإجابة على السؤال في كيفية تحبيب الأولاد بالصحابة رضي الله عنهم- : يكون ذلك عن طريق الخطوات التالية:

أولاً – الطريقة العملية عن طريق المحاكاة :

و هي الطريقة الأهم و الأكثر فاعلية ، و تتمثل بجعل الأولاد يقتدون بآبائهم و يفعلون مثل أفعالهم ، فعندما يرى الأولاد اهتمام آبائهم و أمهاتهم بالصحابة و حبهم لهم و الإكثار من ذكرهم و تعظيمهم أثناء ذكرهم ؛ فبلا شك سيحاكونهم و يقتدون بهم تلقائياً

ثانياً – عن طريق ربط محبة الصحابة بالإيمان و العقيدة :

و يكون ذلك بتعريف الأولاد بفضل الصحابة – عامةً – و مكانتهم ووجوب محبتهم، و أن ذلك مرتبط بالعقيدة و الإيمان، كما دلت عليه النصوص الشرعية التي ذكرناها و غيرها، كما في قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29]

ثالثاً- عن طريق تعريف الأولاد بفضل الصحابة رضي الله عنهم على الأمة:

و ذلك في خدمة الدين و الدفاع عنه وعن النبي صلى الله عليهم و سلم، و افتدائهم إياه بدمائهم و أموالهم و أولادهم ، و أنهم هم الذين اصطفاهم الله تعالى لإيصال هذه الرسالة، و نقل و حفظ القرآن و السنة، و لولاهم لما كنا مسلمين. فجزاهم الله عنا كل خير

رابعاً – عن طريق تعريف الأولاد بفضل بعض الصحابة -خاصةً- :

كالفضائل الواردة في حق بعض الصحابة و ما تميزوا به، كالعشرة المبشرين بالجنة، و غير ذلك كما في حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ “(4)

خامساً- ذكر بعض الصحابة خاصةً في مواقف أو أحداث معينة و عند كل مناسبة أو حالة:

كما في مناسبة الهجرة – مثلاً – فنعرفهم بالصحابة الذين كان لهم دور في الهجرة الشريفة، كسيدنا أبكر الصديق و ابنه عبد الله، و ابنته أسماء، و كسيدنا علي بن أبي طالب، و نومه في فراش النبي صلى الله عليه و سلم و ردِّ الأمانات رضي الله عنهم جميعاً، و غير ذلك من المواقف و الأحداث و المناسبات، و دعوة الأولاد و حثهم على اتباعهم و تقليدهم و جعلهم قدوة لهم في حياتهم

سادساً – ذكر بعض الصحابة على حسب ما يتناسب مع كل جنس من الذكور و الإناث:

فمثلاً : نعرف البنات خاصةً بأمهات المؤمنين، و بنات النبي صلى الله عليه و سلم، و فضائلهم و أعمالهم، و دورهم في خدمة الدين و الدعوة، و ما جاء في حقهن من الآيات و الأحاديث، كالسيدة خديجة و السيدة عائشة و السيدة فاطمة، و غيرهن رضي الله عنهن جميعاً، يقول الله تعالى : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب : 33]
و كذلك باقي الصحابيات، مثل السيدة نسيبة بنت كعب المازنية (أم عمارة) رضي الله عنها، التي دافعت عن النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة أحد، و ثبتت معه فيمن ثبت من الصحابة و غير ذلك
و كذلك تعريف الأولاد الذكور مثلاً بالصحابة الشباب: و دورهم في خدمة الدين، و عناية النبي صلى الله عليه و سلم بهم، و اعتماده عليهم، كسيدنا عبد الله بن عباس الذي هو حبر الأمة و ترجمان القرآن ، و أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و معاذ بن جبل و إرساله إلى اليمن ، و أسامة بن زيد في قيادة الجيش في آخر حياته صلى الله عليه و سلم، و كسيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه في توجيهه إلى تعلم اللغات و اتخاذه كمترجم خاص له صلى الله عليه و سلم، ثم تولى مهمة جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا أبي بكر ثم مرة أخرى في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم و غير ذلك

سابعاً – تسمية الأولاد بأسماء الصحابة :

و تعريف كل ولد بشكل خاص بالصحابي الذي سُمي باسمه و لماذا تسمى به .

فهذه هي أهم الخطوات في تحبيب الأولاد بالصحابة رضي الله عنهم جميعاً و الله أعلم

اعلم أخي السائل الكريم : أن الدعاء هو حقيقة العبادة ، و له تأثير حقيقي على حياة المؤمن و خاصةً إذا كان في الخير؛ فلا ينبغي أن نقصِّر في حقِّ أولادنا بالدعاء لهم بما دعا به الأنبياء و الصالحون لذريتهم من الأدعية المأثورة التي ذكرناها أعلاه، و كذلك بأي دعاء أو صيغة تجمع لهم فيها بين خيري الدنيا و الآخرة، و نسأل الله تعالى أن يحفظ أولادنا و أولادكم و أولاد جميع المسلمين و أن يجعلهم قرة عين، و أن يجعلهم هداة مهديين ينفع الله بهم العالمين اللهم آمين.

بناء على ما سبق :

اعلم أخي السائل الكريم : أنه لابد لنا أن نغرس بداية حب الصحابة رضي الله عنهم في قلوب أبنائنا ثم ننمي هذه المحبة بالمعرفة ووجوب الاتباع لهم و الاقتداء بهم ، و خاصة إذا ما طبقنا نحن الآباء ذلك أمام أولادنا ، و نسأل الله تعالى أن يحفظ أولادنا و أولادكم و أولاد جميع المسلمين و أن يجعلهم قرة عين، و أن يجعلهم هداة مهديين ينفع الله بهم العالمين اللهم آمين.

المراجع و المصادر :

  1. صحيح مسلم : رقم (2540)، [7\188].
  2.  سنن الترمذي : رقم (3862)، [5\696]
  3. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط: 10، [2\689]
  4. مسند الإمام أحمد : رقم (12904)، و السنن الكبرى للنسائي رقم (8229)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ