ما هو موانع التكفير؟

يجيب عن السؤال الشيخ الأستاذ الدكتور باسم حسين عيتانيي  

السؤال

ما هو موانع التكفير؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين؛

أخي السائل حفظك الله تعالى؛

يعتبر التساهل في التكفير من أخطر الأمور بين المسلمين قديماً وحديثاً، لأنه يؤدي إلى تمزق الأمة الإسلامية والتفرق بين أفرادها، ويوصل إلى التباغض والتقاتل، وقد وجّه القرآن الكريم المسلمين أن يجتمعوا على هذا الدين، وأن لايتفرقوا ليكتسبوا قوة مادية ومعنوية، لأن فيه صلاحاً لهم لدنياهم ولآخرتهم، قال الله تعالى: (وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ)[آل عمران:103]

والأصل بقاء المسلم على إسلامه حتى يقوم الدليل على خلافه، وللخطر العظيم في التكفير حذر الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم – منه فقال: ” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا. إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ. وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ” [صحيح مسلم]

فلذا وقف العلماء أمام التساهل في التكفير موقفاً حازماً ووضعوا قوانين تمنع التكفير، ونستطيع أن نسميها موانع التكفير، ونذكر أهمها:

المانع الأول:

الجهل: من كان مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر إيماناً إجمالياً ويعتقد بالإسلام إجمالاً، ولكن يجهل تفاصيل مايجب عليه أن يتعلمه، فلا نكفره بسبب جهله، بل يفرض عليه أن يتعلم ماهو فرض، ويجب أن يتعلم ماهو واجب، ويستحب الزيادة على ذلك. مثاله: مسلم غني يجهل إخراج زكاة ماله، فجهله بذلك لايسوغ تكفيره بل يجب عليه تعلم إخراج زكاة ماله.

المانع الثاني :

حمل الكلام على محمل حسن: أي من تكلم بكلمة فيها احتمال لمعنى كفر أو لمعنى غير الكفر فيمنع من تكفيره ويحمل كلامه على محمل الحسن، وكذلك من كان كفره فيه خلاف ولو كان رواية ضعيفة فيمنع من تكفيره ويحمل على عدم تكفيره. [ينظر:حاشية ابن عابدين] ومعرفة حمل الوجوه والروايات يرجع إلى العلماء المتمكنين في علوم الشريعة واللغة وأعراف الناس.

المانع الثالث:

الاختلاف الفقهي: حصول الاختلاف بين الفقهاء في المسائل التي هي محل اجتهاد يمنع تكفير أيِّ مجتهد، ولو كان اجتهاده ضعيفاً أو خطأ بنظر مجتهد آخر.
مثاله: يرى المذهب الحنفي أن قراءة الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من صلاة الظهر والعصر والعشاء سنة بخلاف مذهب الشافعية يراها فرضاً. فبنظر الشافعي تعتبر صلاة الحنفي لاتصح لو لم يقرأ الفاتحة. وهذا النوع من الخلاف بين الإئمة الأعلام كثير ولا يمكن حصره، فلا يجوز تكفير في المسائل الخلافية التي تبنى على المساحة الاجتهادية في الفقه الإسلامي.

المانع الرابع:

تقليد رأي فقهي: من قلد رأياً فقهياً في مسألة ما، ولو كانت تخرج عن رأي الجمهور أو عن المذاهب الأربعة ولو كان الرأي شاذاً أوغير معتبر، يمنع تكفيره في ذلك.
مثاله: من قلد مسح على الجوارب الرقيقة في الوضوء، يعتبر هذا رأياً لم يقل به أحدٌ من الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل. – رحمهم الله تعالى –

المانع الخامس:

الخطأ أو سبق اللسان:  من سبق لسانه إلى الكفر من غير قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك فهذا يمنع التكفير، وقد تحدث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن رجل ضاع جمله في صحراء وأخطأ في التعبير عندما وجدها فقال: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، وقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح». [صحيح مسلم]

المانع السادس:

السُّكر: من تلفظ بالكفر وهو سكران سواء سكر بسبب حلال أو حرام فهذا السكر يمنع من تكفيره لأنه زال عقله. [ينظر: حاشية ابن عابدين]

المانع السابع:

الإكراه: من أُكرِه على أن يتكلم بكلمة الكفر، ونطق بها وكان قلبه مطمئناً بالإيمان فذلك يمنع من تكفيره، لقوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) [النحل:106]

أخيراً:

نرى العلماء يضعون موانع كثيرة لئلا يتسارع أحد في قضية التكفير التي زلّت بها أقدام ما كانت لتزلَّ، وضلّت بها أفهام ماكانت لتضلّ، والتبس على البعض حتى نسب الكفر إلى أناس ليسوا هم بكافرين وترتب على ذلك أمور خطيرة، فليحذر المسلم من التهاون في التكفير، وليتق الله ربه، وليحاسب نفسه على أقواله.

والله الهادي إلى سبيل الحق.

– صحيح مسلم، محمد بن مسلم الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، (1374 هـ – 1955م) 79/1 ر:60  –   2104/4 ر:2747

– حاشية رد المحتار، على الدر المختار، محمد أمين، الشهير بابن عابدين، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، ط2،(1386 هـ -1966م) 289/3 – 285/3]

[الشيخ] الدكتور باسم عيتاني

الشيخ الدكتور باسم عيتاني هو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 1965    

حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005

من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.

 لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك

 Seekers Guidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة

 التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن

– عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020

مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018

مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل

والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث  في مجال العلوم الإسلامية

أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي 

المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه

اللغات : العربية: ممتاز  الفرنسية: جيد الإنكليزية: وسط