مقتطفات | المسح على الخفين والجوربين | الشيخ محمود دحلا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

  • قال: ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخِنين (يمكن متابعة المشي عليهما، لا يشفّان الماء، أو مجلدين، أو منعّلين) لما رويَ عن النبي ﷺ أنه مسح على الجوربين، قال الإمام النووي في هذا الحديث اتفق الحفّاظ على تضعيفه، وروي ذلك عن عشرة من الصحابة، وكان أبو حنيفة يقول: لا يجوز المسح إلاّ أن يكونا منعّلين؛ لأنه لا يقطع فيهما المسافة، ثم رجع ذكرنا وعليه الفتوى.

يجوز المسح على الجوربين يا سادة، انظروا مسألة الجوربين، فقهاؤنا ذكروها في أقل من سطر متنها، وسطرين شحرها، والسلام عليكم، انقضت القضية، لا نعمل منها سين وجيم ومشاكل، نكتب 20/ 30 صفحة، و60 محاضرة، ونعمل بها نصف قرن، لماذا ياسادة!! عندنا أشياء أهم، انتهى الأمر، الأئمة الأربعة قالوا يجوز المسح على الجوربين بشرط الخفين، سكر الباب وافتح قضية أخرى، المسلمون يحتاجون شيء آخر غير هذا، (إن كنت معنا فاتبعنا واصبر على الحبّ معنا)، قول المذاهب والأئمة المجتهدين، (إذا كنت قد اطلعت على 10 أدلة، فالأئمة اطلعوا على 100/ 200 دليل، اطلعوا على المطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والصحيح والحسن والضعيف، والمرسل والمنقطع، والمتواتر والمشهور، والمستفيض والمعنعن، جميعها يعرفونها)  فنحن ندرك شيئاً وتغيب عنا أشياء، ونريد أن نزاحم الأئمة في اجتهاداتهم.

قال أبو حنيفة يجوز وقال الشافعي يجوز، وأقول وبالله التوفيق لا يجوز، من أنت! (يقولون هذا عندنا غير جائز، ومن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ!).

قال لي يا منافق! قلت له جزاك الله خيراً، لكن ماذا رأيت مني حتى تصفني بالنفاق، قال ما علمتنا (نواقد) الإسلام العشرة (بالدال)، قلت له اذهب وتعلم إملاء وفرق بين الضاد والدال، ثم تعال اتهمني بالنفاق، هذا لا يصح أن ينازع الأئمة في اجتهاداتهم الذين قضوا حياتهم في العلم والمعرفة والقرآن والحديث…

ويجوز على الجوربين: نعم نقول نحن يجوز المسح على الجوربين، على قواعد الحنفية أسهل شيء مناقشة الجوربين؛ لأن نحن عندنا غسل القدمين ثبت بقطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة، فلا نخرج عنه إلا بقطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة، (لذلك الإمام أبو حنيفة قال: لولا أن الأدلة مثل فلق الصبح لما قلنا بالمسح عليه)؛ لأن الأصل الغسل فلا نخرج عنه بدليل مثله في قوته.

فعندنا مسألة أن النبي مسح على الجوربين، العلماء قالوا عن هذا الحديث منكر،

والمنكر الفرد به راوٍ غدا  *** تعديله لا يَحْمِلُ التَّفرَّدَا

المنكر أشد من الشاذ، الشاذ يخالف ثقتهم، أما المنكر ليس بثقة وخالف، لكن للإنصاف ثبت بفعل الصحابة رضي الله عنهم أنهم مسحوا على الجوربين،

نحن لا ننظر بعض الأدلة بالعين المفتّحة، والتي لا نريدها ننظر عليها بالعين المغمّضة (نفتح العينين على جميع الأدلة الواردة في المسألة) ولا نصنع كما صنع من قبلنا، يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، نعم ثبت بفعل الصحابة رضي الله عنهم أنهم مسحوا على الجوربين، ولكن أئمتنا الذين هم بمقربة من السلف ومن الصحابة والتابعين، ويعرفون اللغة (الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول كما نقل السيوطي في الاقتراح: الشافعي حجة في اللغة) الإمام محمد ما قال وهذا به؛ لأن هذا مفروغ منه، الإمام يحتاج إلى تنصيص أنه حجة أو ليس بحجة، أما الإمام محمد لا يحتاج إلى نص؛ لأن بكلامه تثبت اللغة وفي عصر الاحتجاج، لذلك قال العلماء: محمد بن الحسن الشيباني من أقران سيباويه في اللغة.

فالإمام محمد وقبله أبو يوسف، وقبله أبو حنيفة، وقبله حمّال، وقبله إبراهيم النخعي وعلقمة، وكلهم نقلوا أوصاف هذا الجورب، نحن قائلون بالمسح على الجوربين، أي جوربين؟ على الجوربين الذين مسح عليهما الصحابة رضوان الله عليهم، فما كان مثل الجوربين الذين مسح عليهما الصحابة مسحنا، ومالم يكن لم نمسح.

يأتوا ويتجادلون معنا من أين أتيتم بهذه الشروط! لو أتينا بأبي بكر الصديق رضي الله عنه ندخله على قاعة الامتحان نقول له اكتب شروط المسح على الخفين يرسب ولا ينجح، نقول لهم تماماً مثل لو أتينا بامرئ القيس والحارث بن حلّزة البكري وعنترة بن شداد، وعملنا لهم امتحان في تعريف الفاعل والمفعول به والمضاف إليه يرسبون.

فنحن كلامنا ضبط لكلام من يُحتجّ به، وكلام النحاة واللغويين ضبط لما قاله العرب، وفعل الأئمة المجتهدين هو ضبط للأحكام والأشياء التي كانت في عهد الصحابة رضي اله عنهم، تماماً كما فعل أبو منصور الماتريدي وأبو الحسن الأشعري، ما أتوا بعقيدة جديدة، وإنما هذا ضبط لما كان يعتقده الصحابة والسلف رضي الله عنهم.

فلا يجوز المسح على أي جورب! يعني:

النبي قال في مئتي درهم خمسة دراهم، الآن لو أتينا مئتي درهم إماراتي نقول فيهم خمسة دراهم!! الاتفاق في الاسم، هذا اسمه درهم وهذا اسمه درهم!! فعندما نقول درهم ينبغي أن ننظر إلى الدرهم الذي كان في عرف الرسول ﷺ والصحابة والسلف، وعندما نقول جورب فينبغي أن يكون الجورب الذي كان في عهد الرسول والصحابة رضي الله عنهم.

ثم يا سادة هذه قضية صحة صلاة وعدم صحة صلاة، ليست القضية سهلة!

يقول يوجد برد شديد! فنقول بالبرد الشديد (إما أن تتيمم، وإن كنت تستطيع أن تتوضأ فيجوز أن تمسح مسحاً على القدمين، ويجوز أن يضع شيئاً على القدمين ولو رقيقاً وتمسح على ذلك الرقيق، وإن ضرّك المسح تركته) هذا حكم عندنا ثابت، ليس القدمين فحسب، بل في اليدين والوجه أيضاً. لو كان في اليد علّة يضرّها الماء؟ فنقول له امسح على العضو مباشرة، يضره المسحَ؟ نقول له ضع شيئاً واسمح عليه، يضره المسح على الشيء الذي وضعه ما الحكم؟ تركه، ما حكم الصلاة؟ طهارة صحيحة وصلاة صحيحة.

صلاة هذه فيجب أن نبرّئ ذمتنا بيقين، ونصحح صلاتنا بيقين، فليست القضية خلافية في سنّة، القضية في ركن من أركان الإسلام، أهم ركن بعد الشهادتين صحة صلاة وعدم صحة صلاة.

اختصروا العلماء المسألة:

  • ويجوز على الجوربين إذا كانا ثخِنين (يمكن متابعة المشي عليهما، لا يشفّان الماء، أو مجلدين – أي جلد من الأعلى ومن الأسفل – أو منعّلين – أي الجلد من الأسفل فقط) لما رويَ عن النبي ﷺ أنه مسح على الجوربين، قال الإمام النووي في هذا الحديث اتفق الحفّاظ على تضعيفه، وروي ذلك عن عشرة من الصحابة – نعم نحن أخذنا من أقوال الصحابة في المسألة – وكان أبو حنيفة يقول: لا يجوز المسح إلاّ أن يكونا منعّلين؛ لأنه لا يقطع فيهما المسافة، ثم رجع ذكرنا وعليه الفتوى. (مسح قبل وفاته بأيام على جوربين بشرط الخفين، وقال فعلنا شيئاً لم نكن نفعله من قبل) الأمر هو اتباع أدلة، وهكذا وجد إمامنا رضي الله عنه بحسب هذا الأدلة.