مقتطفات | الحديث المسلسل (2) | د. محمود المصري

 

مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أتَى ** مِثْلُ أمَا واللهِ أنْبانِي الفـَتـى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَـنِـيـهِ قائمـــــــا ** أوْ بَعْدَ أنْ حَدَّثَنِي تَبَــسَّـــــمَا

  • يقول الشارح رحمه الله: “وبهذا يُعلم أن المسلسل من صفات الأسانيد، وأنه على أنواع:
  • الأول: المسلسل بأحوال الرواة القولية.
  • الثاني:  المسلسل بأحوال الرواة الفعلية.
  • الثالث: المسلسل بالحال القولية والفعلية معاً.
  • الرابع: المسلسل بصفات  الرواة القولية.

 

  • الخامس: المسلسل بصفات الرواة الفعلية: وذلك كالحديث المسلسل بالفقهاء (فقيه عن فقيه عن فقيه) وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً «البيّعان بالخيار» فقد تسلسل برواية الفقهاء، وكالحديث المسلسل برواية الحفّاظ أو القرّاء أو الكتّاب ونحو ذلك…. (حديث مسلسل بالمعمّرين، حديث مسلسل بالصوفية، حديث مسلسل بمحمّدين..).

 

  • السادس: المسلسل بصفات الإسناد والرواية: وذلك بأن تتّفق الرواة بصيغ الأداء (المسلسل بصفات الإسناد أو الرواية قد يكون بالصيغة وقد يكون بالزمان وقد يكون بالمكان) وذلك بأن تتّفق الرواة في صيغ الأداء كقول كلٌّ من رواته: سمعت فلاناً، أو حدثنا، وكذا قولهم: أخبرنا، أو شهدت على فلانٍ قال شهدتُ على فلانٍ ونحو ذلك… وإلى هذا يشير المصنّف بقوله: مِثْلُ أمَا واللهِ أنْبانِيالفـَتـى.

 

  • السابع: المسلسل بزمن الرواية: ومثاله مارواه الدّيلميّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ فَلْيَقُمْ» فقد تسلسل كلٌّ من الرواة له في يوم عيد (يأخذ كل راوٍ عن الشيخ هذا الحديث يوم العيد قائلاً حدثني فلانٌ في يوم عيد).

 

  • الثامن: المسلسل في المكان: ومثاله ما رواه الدّيلميّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سمعت رسول الله ﷺ يقول “الْمُلْتَزَمُ مَوْضِعٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، وَمَا دَعَا اللَّهَ فِيهِ عَبْدٌ دَعْوَةً إِلا اسْتَجَابَ له” قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالله مادعوت الله عزوجل فيه قطّ منذ سمعت هذا الحديث إلا استجاب لي» فتسلسل بقول راوته وأنا ما دعوت الله فيه بشيء منذ سمعته إلا استجاب لي. (إذن هنا بيّن العلامة الأبياري رحمه الله لماذا اعتبرناه مسلسلاً بالمكان) قال: فإجابة الدعاء وإن كانت وصفاً لله ﷻ إلا أنها متعلقة بمكان الرواية، من حيث إن المراد إجابة دعاءٍ واقعٍ في المُلْتَزَم (لا مطلقاً، استجابة مخصوصة في موضع مخصوص).

 

  • وأنواع المسلسل لا تنحصر كما قال الحافظ ابن الصلاح، وربما وقع التسلسل في معظم الإسناد وانقطع في بعضه الآخر.
    (في الحقيقة هذا كثير في المسلسل، لذلك قال الحافظ العراقي كما نقل الشيخ هنا في حكم المسلسل): وقلّما تَسْلَمُ المسلسلاتُ من ضعفٍ، أعني في وصف التسلسل لا في أصل المتن (في الحقيقة هذه المسلسلات على الرغم من عذوبة وقْعها وجمالها مع الأسف معظمها يوجد فيه ضعف من حيث التسلسل، أنه انقطع التسلسل في موضعٍ من مواضع الإسناد، وإن كان صحّ الحديث) يقول الشارح: يعني أنه أصل المتن قد يكون صحيحاً، ولكنّ صفة تسلسل إسناده قد يكون فيها مقال، وذلك كمسلسل المشابكة فإن متنه صحيحٌ جاء في صحيح مسلم كما تقدّم، ولكنّ الطريق في التسلسل فيها مقال (يعني ضعف).

قال الحافظ السيوطي رحمه الله: “وقلّما يسْلَم في تسلسلِ من خللٍ وربما لمْ يوصَلِ”
(مثل حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن» تسلسل بقول كل واحد من راويه: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه. هذا يصح فيه حديث بالأولية، يعني من أول السند إلى سفيان بن عيينة رضي الله عنه، من سفيان إلى النبي ﷺ ينقطع السند).
وفي التدريب قال شيخ الإسلام ابن حجر: من أصح مسلسل يروى في الدنيا “المسلسل بقراءة سورة الصف”. قلت (يعني الشارح) والمسلسل بالحفّاظ والفقهاء أيضاً (هذا سيكون صحيحاً) بل ذكر في شرح النُخبة أن المسلسل بالحفّاظ حيث لا يكون غريباً (يعني إذا لم يكن غريباً، وكان مسلسل بالحفاظ رواه حافظ متقن عن إمام عن إمام) مما يفيد العلم القطعيّ (هو في الأصل يفيد العلم الظني، ولكن عندما تسلسل بالحفّاظ هذه قرينة تدّل على القطع، فإذا انضاف إلى كونه مسلسلاً بالحفّاظ أنه لا يكون غريباً اعتبروه قرينة تدل على القطع، أي هذا الحافظ حدّث عن حافظ لكنه لم ينفرد بهذا الحديث، شاركه فيه راوٍ آخر، وهكذا في كل طبقة من طبقات الإسناد، فلو تحقق ذلك قالوا هذا مما يفيد القطع).

  • فائدة المسلسل:
    الدلالة على زيادة ضبط الرواة (يصف ويذكر بدقة القول والفعل والأحوال وهكذا..) والاقتداء بالنبي ﷺ في أفعاله وأقواله، فعلوا كما فعل وقالوا كما قال، كالقبض على اللحية والتشبيك باليد. لذلك قال الحاكم: فإنه نوع من السماع الظاهر الذي لا غبار عليه.