ما هي فضائل التَهَجُّد وصفتها (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد محمد فايز عوض

السؤال

ما هي فضائل التَهَجُّد وصفتها

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وبعد:

      فالواجب على المسلم المحافظة على الصلوات الخمس أشد المحافظة، ولما للصلاة من أثر بالغ وأجر عظيم فقد شرع للمسلم صلاة النافلة ومن النوافل المشروعة صلاة التهجد،

والمراد بها: صَلاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ [1] [نهاية المحتاج].

      وهي سنة مؤكدة، أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بها. قال الله تعالى:   ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۞ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۞ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ۞ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ۞ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ۞ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: 1- 6]

وذكر الله سبحانه من صفات المتقين: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۞ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ۞ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۞ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 15- 18]

      فقيام الليل من أفضل الأعمال، وهو أفضل من تطوع النهار؛ لما في سرّيّته من الإخلاص لله تعالى، ولما فيه من المشقة بترك النوم، واللذة التي تحصل بمناجاة الله عز وجل، وجوف الليل أفضل
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ فقال «أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلاةُ فِي جَوْفِ الَّليْلِ» [2] [صحيح مسلم].


حكمه:

      التهجد مسنونٌ في حق الأمة عن أبي أمامة الباهلي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ» [3] [سنن ابن خزيمة والترمذي ومستدرك الحاكم].

وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ» [4] [صحيح مسلم] والمراد بها التهجد. [5] [الإقناع، نهاية المحتاج].

وقته:

      أفضل أوقات التهجد جوف الليل الآخر لما روى عمرو بن عبسة قال: «قُلْت: يَا رَسُول الله، أَيّ الّليلِ أَسمَع؟ قَالَ: “جَوفُ الّليلِ الآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ» [6] [صحيح مسلم]

      فلو جعل الليل نصفين أحدهما للنوم والآخر للقيام فالأخير أفضل؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَخِيرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟» متفق عليه [7] [صحيح البخاري ومسلم]

عَدَدُ رَكَعَاتِه:

      اتفق الفقهاء على أن أقلها ركعتان خفيفتان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْن» [8] [صحيح مسلم].
وقال الشافعية: لا حصر لعدد ركعاته لخبر: لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّلَاةُ. قَالَ: خَيْرٌ مَوْضُوعٌ، مَنْ شَاءَ أَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ» [9] [مسند أحمد].

ما يستحب في قيام الليل: 

      يستحب في قيام الليل الافتتاح بركعتين خفيفتين: لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» [10] [صحيح مسلم]

ما يقوله القائم للتهجد: 

      اختلفت عبارات الفقهاء فيما يقوله قائم الليل إذا قام من الليل يتهجد، تبعاً لاختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال سليمان الجمل: إنه يستحب أن يمسح المستيقظ النوم عن وجهه، وأن ينظر إلى السماء ولو أعمى وتحت سقف، وأن يقرأ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ… إلى آخر الآيات [11] [حاشية الجمل].

      وعن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» [12] [صحيح البخاري].

      وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» [13] [صحيح البخاري ومسلم].

 إطالة القيام وتكثير الركعات:

      ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الشافعية إلى أن طول القيام أفضل من كثرة العدد، فمن صلى أربعًا مثلاً وطول القيام أفضل ممن صلى ثمانياً ولم يطوله، للمشقة الحاصلة بطول القيام، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» [14] [صحيح مسلم] والقنوت: القيام.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته التهجد، وكان يطيله، وهو صلى الله عليه وسلم لا يداوم إلا على الأفضل.

      فحري بالمسلم أن يحافظ على قيام الليل والتهجد ليكون أقرب إلى الله تعالى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أرشدنا لذلك صلى الله عليه وسلم في حديث ربيعة بن كعب الأسلميّ قال: «كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ! قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». [15] [صحيح مسلم].

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين

المراجع [16]



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.



أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركية إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي 2/ 127.
[2] صحيح مسلم (1163).
[3] سنن ابن خزيمة (1135) ومستدرك الحاكم (1160) وسنن الترمذي (3549).
[4] صحيح مسلم(1163) .
[5] الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، الخطيب الشربيني 1/ 106. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي 2/ 127.
[6] صحيح مسلم (832).
[7] صحيح البخاري (1145) وصحيح مسلم (758).
[8] صحيح مسلم (768).
[9] مسند الإمام أحمد (21947).
[10] صحيح مسلم (768).
[11] حاشية الجمل على شرح المنهج، النووي 1/ 496.
[12] صحيح البخاري (1154).
[13] صحيح البخاري (1120) وصحيح مسلم (769).
[14] صحيح مسلم (41).
[15] صحيح مسلم (498).
[16] روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي 1/ 338. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي 2/ 126. المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق الشيرازي 1/ 84.