ما هي درجات النفاق وكيف نجتنبه؟

يجيب عن السؤال الشيخ الأستاذ الدكتور باسم حسين عيتانيي  

السؤال

ما هي درجات النفاق وكيف نجتنبه؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛

أخي السائل سلمنا الله وإياك من النفاق بكل أنواعه؛

النفاق إما أن يكون اعتقادياً أو يكون عملياً، فالنفاق الاعتقادي: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر. والنفاق العملي: هو إظهار العمل الصالح وإبطان خلافه أي: العمل الطالح، وهواختلاف السريرة عن العلانية. ونستطيع أن نسمي الأول: بالنفاق الأعلى أو الأكبر . والثاني: بالنفاق الأدنى أو الأصغر.

 وأشير إليك أيها السائل إلى نقطة مهمة تستطيع أن تفهم معنى النفاق بدقة، فكلمة النفاق مأخوذة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات في الأرض كالخُلْد والأرنب، وتجعل له فتحتين أو أكثر، فإذا هاجمها عدوها ليفترسها خرجت من الجهة الأخرى، ولذا المنافق هو من يجعل لنفسه وجهين وجهاً ظاهراً ووجهاً باطناً يخالف بعضهم بعضاً.

فالمنافق في الاعتقاد هو من يبطن أيَّ دين كاليهودية أو النصرانية أو غيرها أو يبطن عدم الإيمان بالله ويظهر الإسلام . وحكم المنافق في الاعتقاد هو الكفر. ولذا نرى النص القرآني يبرز حقيقة هذا النفاق وعلاماتِه وصُورَه بشكل واسع لخطورته على المجتمع ولكي يحذر المسلمون من هذه الطبقة التي تنبيء عن فساد قلبها،  كقوله تعالى: (وإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ۞ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ۞ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [ البقرة:14-16 ] وقد سميت سورة في القرآن الكريم بسورة (المنافقون) لذاك المعنى، وكذا نجد في السنة النبوية تبين أيضاً حقيقة المنافقين وأوصافهم، فقد ورد في الحديث قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” تَجِدُ مِنْ شرار النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ” [ صحيح البخاري]

 ذو الوجهين: هو المنافق وهو الذي يمشي بين الطائفتين بوجهين يأْتي لإحداهما بوجه ويأْتي للأخرى بخلاف ذلك، قال الله تعالى: (مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) [النِّسَاء: ٣٤١] . يَعْنِي المنافقين متحيرين بين الْإِيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً، ولاهم مع الكفار ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشَّك، فتارة يميل إلى هؤلاء وَتارة يميل إلى هؤلاء.[ ينظر: العيني،عمدة القاريء] وهذا النفاق الاعتقادي من المصطلحات التي جعل التشريع لها معنى خاص كالصلاة والحج والصيام وغيرها.

والمنافق في الأعمال هو المؤمن المتشبه ببعض أعمال المنافقين في الاعتقاد التي لا تخرجه عن الدين الإسلامي، كالكذب وإخلاف الوعد والخيانة، وحكمه في الشرع بأنه فاسق، وقد تكون بعض أعماله من الكبائر أو بعضها من الصغائر، وقد أعطى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعض العلامات للمنافق في العمل في بعض الروايات، فقال: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” [ صحيح البخاري]

وأرشدك أيها السائل عن بعض الأمور التي تساعد المؤمن على أن يتجنب النفاق العملي :

أولاً: أن يستحضر المؤمن مخاطر النفاق العملي، منها: غضب الله تعالى على من يمارس هذا الفعل، ومنها: عذاب القبر وعذاب النار، ومنها: الفضيحة في الدنيا عند كشف حاله بين الناس، ومنها: ضعف الإيمان في القلب والتراجع في السلوك والأخلاق بسبب تطبيقه النفاق، ومنها: ازدياد المرض القلبي فيشعر المرء ببعده عن الله تعالى، فهذا الاستحضار يقود المرء إلى بغض أفعال المنافقين وكره مسالكهم وأوصافهم، فيؤدي إلى اجتناب هذا المرض القلبي وإلى الابتعاد عن النفاق العملي.

ثانياً: أن يكثر المؤمن ذكر الله تعالى، ومن الذكر القرآن، لأن الذكر حماية من النفاق وصيانة للقلب، فالذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع، فيصير قلبه خاشعاً لله محباً لله خائفاً منه، فينفر القلب من استقبال أي خصلة من خصال النفاق، قال الله تعالى:(وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال:45] فقد أكد القرآن الكريم أن كثرة الذكر مؤدية إلى الفلاح، والفلاح هو خط الاستقامة المؤدي إلى رضوان الله تعالى إلى جنات الخلد.

ثالثاً: أن يكثر المؤمن الدعاء الذي يجنبه النفاق، فالدعاء الذي يخرج من قلب طاهرٍ نقيٍ صافٍ يستجيب الله له، فكان رسول الله – صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يدعو فيقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ.” [ سنن أبي  داود]

رابعاً: أن يعمل المؤمن بما يعارض صفات المنافقين، أي: يتأمل خصال المنافقين ويعمل بضدها، فيروِّض نفسه على الصدق الذي هو ضد الكذب، وعلى الأمانة التي ضدها الخيانة، وعلى عدم الإخلاف بالوعد الذي هو عكس الإخلاف بالوعد وهلم جراً…، وهذا من طرق الوقاية العملية لتجنب هذة الخصلة الذميمة وهي النفاق.

وأنصح كل سالك في طريق الحق أن يتحقق في إيمانه، وأن يصحب أهل العلم  الربانيين وأهل الصلاح المتشرعين ليستفيد من مجالسهم،  لأن مجالستهم فيها إرشاد للعقول والنفوس والقلوب، وفيها نور يطرد من القلب الكفر والفسوق والعصيان والنفاق.

أعاذني الله وإياك أيها السائل من الشقاق والنفاق وسوء الإخلاق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

– البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى البغا، دار ابن كثير، بيروت، ط5، (1414 هـ -1993م) 2251/5 ر:5711  ، 21/1 ر:33

 – العيني، بدر الدين محمود بن أحمد، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، طبعة مصورة، دار إحياء التراث العربي – بيروت. 69/16

–  أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، تحقيق: شعيب أرناؤوط، دار الرسالة العالمية، بيروت، ط1، ( 1430 هـ – 2009 م)   6454/2، ر: 1546

الشيخ الدكتور باسم عيتانيهو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 1965    

حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005

من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.

 لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك

 Seekers Guidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة

 التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن

– عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020

مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018

مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل

والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث  في مجال العلوم الإسلامية

أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي 

المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه

اللغات : العربية: ممتاز  الفرنسية: جيد الإنكليزية: وسط