ماذا أفعل إن اغتبت أحد الإخوة ؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ماذا أفعل إن اغتبت أحد الإخوة ؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، و لا تقتصر على اللسان؛ بل قد تكون بسائر الجوارح و الحركات و الإشارات، و يجب على المسلم إذا وقع في الغيبة أن يتوب إلى الله تعالى توبةً نصوحاً؛ وذلك بفعل الأمور التالية: الإقلاع عنها فوراً، و الاستغفار، مع الندم، و العزم على ألا يعود إليها، و طلب التحلل و العفو من الذي قد اغتابه، إن أمكن ذلك ولم يترتب عليه مفسدة أكبر، و الإكثار من الاستغفار و الدعاء له، و ذِكره بالخير في الأماكن التي اغتابه فيها ، و الله أعلم.

التفصيل و البيان

قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:12]
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: « لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحرِ لَمَزجتُه» (1)

– و قد عرَّف النبي صلى الله عليه و سلم الغيبةَ تعريفاً كافياً شافياً يُغني عن تعريف من سواه
فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ» قِيلَ: أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ؟ قَالَ: «إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ ». رواه مسلم(2)
و قوله: فَقَدْ بهتَّه، أي كذَبت وافْتَريْت عليه.

وقَالَ الْحَسَنُ: ( الْغِيبَةُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كُلُّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: الْغِيبَةُ وَالْإِفْكُ وَالْبُهْتَانُ. فَأَمَّا الْغِيبَةُ فَهُوَ أَنْ تَقُولَ فِي أَخِيكَ مَا هُوَ فِيهِ. وَأَمَّا الْإِفْكُ فَأَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا بَلَغَكَ عَنْهُ. وَأَمَّا الْبُهْتَانُ فَأَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ.) (3)

– و مما ينبغي أن يُعلم أنَّ الغيبة لا تقتصر على اللسان فقط ؛ فإن الشرع حرم الغيبة باعتبارها تصريح باللسان يُفهم منه انتقاص الناس وذكر عيوبهم، و على هذا؛ فإن كل فعل أو حركة أو كتابة توحي بالمقصود فهي غيبة.
فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: أقبلت امرأة قصيرةٌ والنبي صلّى الله عليه وسلّم جالس. قالت: فأشرتُ بإبهامي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد اغتبتها ». (4)

– بعد هذه المقدمة الضرورية نعود للإجابة على السؤال: ماذا أفعل إن اغتبت أحد الإخوة ؟

أقول -و بالله التوفيق-: ينبغي على المسلم إذا وقع في الغيبة أن يبادر فوراً إلى التوبة الصادقة و أن يُصلح ما أفسده ؛ و يكون ذلك بالأمور التالية:

  1.  بالإقلاع عنها فوراً
  2. والاستغفار والندم
  3. والعزم على ألا يعود إليها مرة أخرى،
  4. وطلب المسامحة والاستحلال من الذي اغتيب إن أمكن ذلك و لم يترتب عليه مفسدة أكبر.
  5. وأن يذكر الذي اغتابه بالخير في مواضع غيبته و بضد ما ذكره من الغيبة، ويستغفر له بقدر ما يرى أنه قد كافأه

– قال الإمام الغزالي: ( بَيَانُ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُغْتَابِ أَنْ يَنْدَمَ وَيَتُوبَ وَيَتَأَسَّفَ عَلَى مَا فعله ليخرج به مِنْ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ثُمَّ يَسْتَحِلُّ الْمُغْتَابَ ليُحلَّه فيخرجَ من مَظلمتهِ … وقال الحسن يكفيه الاستغفار دون الاستحلال وربما استدل في ذلك بما روى أنس بن مالك أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” كفارة من اغتبته أن تستغفر له”
وقال مجاهد كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له بخير.
وسئل عطاء بن أبي رباح عن التوبة من الغيبة قال أن تمشي إلى صاحبك فتقول له كذبتُ فيما قلتُ وظلمتكَ وأسأتُ فإن شئت أخذتَ بحقك وإن شئت عفوتَ. وهذا هو الأصح
وقول القائل: العرض لا عوض له؛ فلا يجب الاستحلال منه بخلاف المال. كلامٌ ضعيف إذ قد وجب في العرض حد القذف وتثبت المطالبة به، بل في الحديث الصحيح ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها منه؛ من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم،..
فإذن لا بد من الاستحلال إن قدر عليه، فإن كان غائباً أو ميتاً فينبغي أن يكثر له الاستغفار والدعاء ويكثر من الحسنات..
وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة) (5)

– و يلخِّص الإمام ابن القيم المسألة في كتابه الوابل الصيب فيقول: ( الفصل الخامس والستون: فيما يقول من اغتاب أخاه المسلم.
يُذْكَر عن النبي ﷺ: أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، تقول: “اللَّهُمَّ اغفر لنا وله”. ذكره البيهقي ،وقال: في إسناده ضعف.
وهذه المسألة فيها قولان للعلماء -هما روايتان عن الإمام أحمد-، وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبةِ الاستغفارُ للمغتاب، أم لابد من إعلامه وتَحَلُّلِه؟.
والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له، وذِكْرُه بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها….،
ولا يَحْصُلُ له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع، فإنه يُوغِرُ صدره ويؤذيه إذا سمع ما رُمِيَ به، ولعله يُنْتِجُ عداوته، ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم لا يبيحه ولا يُجَوِّزُه، فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها، والله تعالى أعلم).(6)

بناء على ما سبق:

فإني أسأل الله تعالى لي و لك و لجميع المسلمين السلامة و العافية من هذه الأخلاق الذميمة و من عاقبتها، و أوصيك بما أورده الإمام الشافعي في هذه الأبيات العظيمة إذ يقول:

إذَا شئْتَ أَن تَحْيَا ودينك سالمُ … وحظك موفُورٌ وعِرْضُكَ صَيّنُ

لِسَانَكَ، لا تذكر به عورة امرئ … فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ

وإنْ أبصرت عَيْنَاكَ عيباً فقل لها: … أيا عَيْنُ لا تنظري فللناس أعيُنُ

وعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ وجَانِبْ مَنِ اعتَدى … وفارقْ ولكنْ بالتي هي أحْسَنُ

المراجع و المصادر :

  1. صحيح البخاري: رقم (6052)، و صحيح مسلم : رقم (292).
  2. صحيح مسلم : رقم (2589)، [8\21]
  3. الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي [16\335]. دار الكتب المصرية – الطبعة: الثانية،
  4. شعب الإيمان: للبيهقي، رقم (6730)، [5\303] ،دار الكتب العلمية، بيروت ، الطبعة: الأولى.
  5. إحياء علوم الدين: للإمام الغزالي، دار المعرفة – بيروت ، [3\153]
  6. كتاب الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب: للإمام ابن القيم، دار عطاءات العلم، الرياض-الطبعة: الخامسة، صفحة (389)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ