كيف أصنع إذا حلفت ألا أتكلم مع قريبي غضبا؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف أصنع إذا حلفت ألا أتكلم مع قريبي غضبا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

يجب عليك أيها الأخ الكريم الحنث بهذه اليمين و عدم الوفاء بها لما يترتب على ذلك من قطع الرحم، و التكفير عن هذه اليمين كما بينته آية كفارة الأيمان، و ذلك بفعل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة على التخيير : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام أو كسوتهم، فإذا لم تستطع فعندئذٍ تصوم ثلاثة أيام و لا يشترط فيها التتابع، و الله أعلم

التفصيل و البيان:

بدايةً يقول الله تعالى في بيان اليمين و كفارتها: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة 89]

– فاليمين هي الحَلِفُ، وأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيَمِينُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ.
و اليمين فِي الِاصْطِلَاحِ: ( تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ -مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا – نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا، مُمْكِنًا -كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ- أَوْ مُمْتَنِعًا -كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ-، صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً، مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ)،(1)
وَخَرَجَ بِـ “التَّحْقِيقِ” لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا ، و لا يؤاخذ عليها العبد ، كما قال الله تعالى : ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة : 225]
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «أنزِلَتْ فيَ قول الرجل: لاَ وَاللهَ، بَلى واللهَ.» رواه البخاري (2)

– ولَا تَنْعَقِدُ اليمين إلَّا بالحلف بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ، كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (3)
فعن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدْرَكَ عُمَرَ بنِ الخَطَاب، وهو يسَيرُ في رَكب، يَحْلفُ بأبيه، فقال: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه (4)
و عنه -رضى الله عنه- قال: كَانَتْ يَمِينُ النَّبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.(5)

حكم نقض اليمين والحنث بها:

1- يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير ويكفر عن يمينه،
يقول الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين : (باب ندب من حلف عَلَى يَمينٍ فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا أَنْ يفعل ذَلِكَ المحلوف عَلَيْهِ ثُمَّ يُكَفِّر عن يمينه) ثم أورد عدة أحاديث (6)
فعن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». متفق عَلَيْهِ. (7)

وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ، فَرَأى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». رواه مسلم.(8)
و في رواية : «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أتْقَى للهِ مِنْهَا فَليَأْتِ التَّقْوَى».(9)

2- يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب: كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم كمن حلف ليشربن الخمر، فيجب نقض اليمين، ويكفر عنها.

3- ويباح نقض اليمين كما إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفر عن يمينه.(10)

بعد هذه المقدمة المهمة الضرورية المتعلقة بالسؤال نقول في الإجابة:

– يجب نقض هذه اليمين و الحنث بها؛ لوجوب صلة الرحم، و التواصل مع الأقرباء، و لما مرّ من الأحاديث الدالة على ذلك، و في هذه الحالة تجب الكفارة، و هي كما بينتها الآية الكريمة بالتفصيل،
– فالحانث مخير في الكفارة -أولاً- بين ثلاثة أشياء:
1 – عتق رقبة مؤمنة، ويكون هذا حيث يوجد الرقيق.
2 – إطعام عشرة مساكين طعاماً مشبعاً، من أوسط ما يطعم الإنسان أهله. والوسط هو المعتاد والمألوف لأمثاله، بدون إسراف ولا تقتير
3 – كسوة عشرة مساكين، بما يسمى في العُرْف كسوة، كالمئزر، و البنطال، و السترة، و القميص، والجورب، وغطاء الرأس و غير ذلك .

-فإن عجز عن واحدة من هذه الأشياء الثلاثة التي هو مخير فيها، وجب عليه صيام ثلاثة أيام، ولا يشترط تتابعها. و يجب عليه النية عند أداء الكفارة بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِعْتَاقَ أَوْ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِتَتَمَيَّزَ عن غيرها.(11)

بناء على ما سبق:

بداية أقول لك أيها الأخ الكريم : ينبغي علينا ضبط أنفسنا عند الغضب و تجنب الحلف إلا فيما هو ضروري في حياتنا، ثانياً يجب عليك نقض هذه اليمين و عدم الوفاء بها، والمسارعة إلى الصلح و التواصل مع قريبك فهو من الأرحام، و التكفير عن هذه اليمين كما بيناه، و الله يتولى هداك

المراجع و المصادر :

  1. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: للخطيب الشربيني ،دار الكتب العلمية،
    الطبعة الأولى، [6\180]
  2. صحيح البخاري: رقم (6286).
  3. مغني المحتاج للخطيب الشربيني، [6\180]
  4. صحيح البخاري: رقم (6270)، و صحيح مسلم : رقم (1646)
  5. صحيح البخاري: رقم (6253).
  6. رياض الصالحين للإمام النووي ، تحقيق الدكتور ماهر الفحل، دار ابن كثير ، صفحة (478)
  7. صحيح البخاري: [8\183]، رقم (6722)، و صحيح مسلم : [5\86]، رقم (1652)
  8. صحيح مسلم : [5\86]، رقم (1650)
  9. صحيح مسلم : [5\86]، رقم (1651)
  10. الموسوعة الكويتية: [3\266]
  11. ينظر: كتاب مغني المحتاج للخطيب الشربيني، [6\191].
    و كتاب: فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب للمؤلف: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، دار الفكر ، عام ١٩٩٤م ، [2\116]
    وكتاب: التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب المشهور بـ متن أبي شجاع ،المؤلف: مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير ، الطبعة: الرابعة، صفحة (255)
    وكتاب: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي ، مجموعة من المؤلفين، دار القلم ، الطبعة: الرابعة، [3\124]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ