ما هي أفضل وسيلة لإتقان الفقه؟

  يجيب عن السؤال الشيخ عبد الرحمن الخرسة

السؤال

ما هي أفضل وسيلة لإتقان الفقه؟

الجواب

الحمد لله

الفقه في الدين من أهمِّ العلوم الشرعية وأعظمها رتبة ومنزلة؛ إذ به يتبين الحلال من الحرام، وبه يُتقرَّب إلى الله تعالى الملك العلام، وبه تثبت الأحكام ويتمايز أهل العلم من العوام، طلبه لله تعالى مما يتقرب به المتقربون ويتعبد به المتعبدون، وإذا وفق الله العبد إلى التفقه في الدين فهو دليل على أنه أراد به خيراً كما قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}(1).

وأفضل وسيلة لإتقان الفقه أن يبدأ طالبه بصغار المتون قبل كبارها كـ “نور الإيضاح” مثلاً فيقرأه كله قراءة متقنة مع ضبط بشكل كامل ثم يحفظه عن ظهر قلب، فإن الذي لا يحفظ المتون لا ينال الفنون كما قالوا ولا يتمكن من العلوم
فاحفظ فكل حافظ إمام
ثم يقرأ شرح هذا المتن الذي حفظه كـ “مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح” قراءة المتفهم لا يغادر جملة إلا وقد فهمها، ثم يطالع بعد ذلك فيما كتب على المراقي كـ “حاشية الطحطاوي” مثلاً ويستفيد منها استدراكات وتصويبات ومناقشات وهكذا.

ثم يرتقي درجة ثانية فيقرأ متناً طويلاً في المذهب حاوياً كل أبواب الفقه كـ “تنوير الأبصار” مثلاً  فيقرأه مرات عديدة محاولاً حفظه، ثم يقرأ شرحا له كـ “الدر المختار” مثلاً ويفهمه فهم المتعمق فإنه أجمع كتاب أُلف في المذهب للقضاء والفتوى، ثم بعد ذلك يطالع فيما كتبه خاتمة المحققين الشيخ ابن عابدين في حاشيته “رد المحتار” فيكثر النظر فيها طوال الوقت فإنها حاشية عظيمة جمعت في المذهب ما لم يجمعه كتاب قبلها.

ثُمَّ يرتقي درجة ثالثة فيطالع ويتبحر في كتب المذهب المطولة والحواشي العميقة كـ “البناية والنهاية والغاية” وغيرها فلا يزال يقرأ ويطالع ويقارن حتى يغدو بحراً في المذهب وما ذلك على الله بعزيز ومن جدَّ وجد.

ولكن لا بُدَّ لنجاح هذه الطريقة من التأكيد على لزوم توفر أمور عديدة لا نجاح بدونها وهي:

أولاً ـ صحة النية في طلب العلم وحسن المقصد من تعلمه فإن العبد يكتب له من التوفيق على قدر نيته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}(2).

والنية اجعل لوجه الله خالصة               إن البناء بغير الأصل لم يقم.

ثانياً ـ البحث عن شيخ عارف وأستاذ محقق مدقق في المذهب يرشدك ويدلك على ما تقرأ ويساعدك في تصحيح عبارة الكتاب وفهمها، فإن المعلم هو مفتاح العلم ولا يمكن تحصيل العلم إلا من خلال أهله، فقد قالوا: “من أخذ الفقه من الكتب ـ أي: من غير معلم ـ غيَّر الأحكام، ومن أخذ النحو من الكتب حرَّف الكلام، ومن أخذ الطب من الكتب قتل الأنام”.

ثالثاً ـ المثابرة والاجتهاد في تحصيل العلم بحيث يكون شغله الشاغل ليله ونهاره، ولا يكتفي بالوقت اليسير فإن العلم كما قالوا: “إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا”.

رابعاً ـ العمل بالعلم فإنَّ من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، وفتح عليه فيه وفهمه ما لم يكن قد فهم قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}[سورة البقرة:282] وكثير من علمائنا كانوا إذا أغلق عليهم شيء من العلم قاموا فتوضؤوا وصلوا أو ذكروا أو دعوا فيفتح لهم.

وفقنا الله وإياكم توفيق عباده الصالحين وجعلنا من العلماء العاملبن والفقهاء الصادقين المتبحرين وكان العلم حجة لنا لا علينا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه


(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.

  [الشيخ] عبد الرحمن الخرسة

هو الشيخ عبد الرحمن الخرسه من علماء سورية، مواليد دمشق 1971م.

نال إجازة اللغة العربية من جامعة دمشق. وتلقّى العلوم الشريعة على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ تاج الدين الكتاني، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ بشير الباري، والشيخ إبراهيم الهندي، والشيخ هشام الصلاحي، وغيرهم…

حفظ القرآن الكريم وقرأ القراءات العشرة من طريق الشاطبية والدرّة على الشيخ محمد هيثم منيني، والشيخ أبو الحسن الكردي.

وعمل مدرّساً في جامعة الأزهر في البقاع اللبناني، وأسّس دور القرآن في عدّة مناطق في لبنان، بالإضافة إلى إدارة دار القرآن الكريم في إستانبول؛ حيث يقوم بتحفيظ القرآن الكريم وإلقاء الدروس العامّة والخاصّة.

ويقوم بالتدريس بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويعمل في تحقيق كتب المذهب الحنفي.

من أعمال الشيخ العلمية: تحقيق كتاب تنوير الأبصار، وجامع البحار للإمام التمرتاشي.. حفظه الله تعالى ونفع به.